لطقوس العمل الفني كثير من التطورات، والتغييرات التي شهدها التاريخ إلى أن وصلت الأعمال إلى مراحل من التمرد على القديم، والاستغناء عن الضوابط حتى أن بعض النقاد لا يمكن أن يسموا الكثير مما يقدم بالعمل الفني، و بالعودة إلى التطورات الحاصلة نرى أن التجديد الفعلي بدأ مع التجريدية.
وكان هناك خط حاصل بموازاة تطور الفن التجريدي تماما، مهمته التصدي لرسم العالم المادي، وبدأ هذا الخط مع أعمال الفنانين الرؤيويين أمثال «شجال، ودي كيريكو» وتقمص روحا عدائية للفن تجسدت في الدائدائية التي تمثل جزءا من حركة السيريالية العاطفية، وينبغي أن يكون واضحا، أن السيريالية ذاتها لم تكن أسلوبا فنيا، أو سنة جمالية.
وخير ما وصفت به أنها نزعة إلى الحياة، وفرت تحررا اقتصاديا وروحيا، إن أفكارها في كل أجزائها كتلك التي في الفن التجريدي، لكن السيريالية استهوت رسامين ذوي أمزجة مختلفة في روحها أكثر من كونها كلاسيكية، ورجحت سجايا العاطفة والبداهة والإحساس على العقل والانسجام والنظام.
ويعد الفنان سلفادور دالي من أشهر فناني السريالية بلا منازع بل يقال إنه من أعاد ترتيب ووضع أسس السريالية ومن أشهر لوحاته «إصرار الذاكرة، وشبح وجه على الساحل».
و استمرت السريالية على أنها مدرسة تلقائية فنية ونفسية تعتمد على الأفكار اللاشعورية والإيمان بالقدرة الهائلة للأحلام، كما تخلصت السريالية من مبادئ الرسم التقليدي، في بعض التركيبات الغريبة لأجسام غير مرتبطة ببعضها البعض لخلق إحساس، بعدم الواقعية إذ أن المظهر الخارجي الذي شغل الفنانين في حقبات كثيرة لا يمثل كل الحقيقة حيث إنه يخفي الحالة النفسية الداخلية، فالفنان السريالي يكاد يكون نصف نائم، وهو يسمح ليده وفرشاته أن تصور إحساساته العضلية وخواطره المتتابعة دون عائق وفي هذه الحالة تكون اللوحة أكثر صدقا.
إنه أسلوب فني جاء بعد حرق الكثير من المراحل، أهمها المرحلة الكلاسيكية ومن وقتها كان الشغل الشاغل للفنان موضوع اللوحة فمن القديم يقال إن الفنان بوتشيلي الذي لم يعنَ كثيرا بذاتية الموضوع المصور، كان يملي على خلجات يلتزمها في التعبير من القيم اللمسية والحركية بدون الالتفات لغيرها، وهذا ما جعله كما قيل في طليعة الفنانين الذين أنجبتهم أوروبا قدرة على التصميمات الخطية، ومن بعده جاء ليوناردو دافنشي، وميكيل أنجلو.
كل هذا صدر عنه كفنان عميق الإحساس قادر على إيجاد انسجام حقيقي للتصميمات الخطية، فيطوعها في خدمة الحركة واللمسات وتحت إحساس فرشاته المتجدد ترك بوتشيلي لوحة «الربيع» اللوحة الأكثر شهرة بين أعماله إذ تقدم هذه دليلا واضحا على صلته العميقة بالأوساط الأفلاطونية المحدثة، لأنها جمعت بين فكر العصر الكلاسيكي وفكر العصور الوسطى.
كل هذا يدل على نقاط ارتكاز مستوحاة من الفكر، إلى جانب القدرة الفنية المذهلة، مما جعل هذه الأعمال خالدة في التاريخ، وهذا ما يجعل النقاد والجمهور يسألون هل ستبقى هذه الأعمال للتاريخ، أم أنها فنون تناسب العصر بكل ما يحمله من إيقاع سريع.
