«ما أشبه اليوم بالبارحة» عبارة تفرض نفسها في سياقات؛ عادة ما تفرضها طبيعة الفرد في الشعوب العربية عمن سواه! تلك المقولة تقرع الواقع اليوم بإلحاح أكبر؛ إذ يحتفل العالم العربي عموما، ومثقفوه خاصة؛ بمرور ستة قرون على وفاة الفيلسوف الاسلامي والمفكر العربي عبد الرحمن بن خلدون.

وفي أجندة اتحادات الكتاب العرب برامج احتفالية بمناسبة هذه الذكرى على مدار هذا العام. يجد المرء نفسه أمام عصر لم يشهده ولم يعشه؛ لكنه من خلال ما تركه السلف العبقري المجتهد وعلى رأسهم بن خلدون؛ فكأن التاريخ يعيد نفسه بتفاصيله، ولكأنه زمن «مستنسخ» وإن لم يكن يقارب الشكل؛ لكن مما لاشك فيه أنه يطابق المضمون.

ولعله يؤدي إلى ذات الانعكاسات. يرى الباحثون ان «الظاهرة الخلدونية كانت في مجملها بمثابة ومضة ضوء في زمن كانت فيه الحضارة العربية في طريقها الى التراجع». كما يؤكد المختصون أن العرب هم اليوم في لحظة تاريخية تشبه السياق الذي عاش فيه ابن خلدون؛ خاصة اشتغال القادة المسؤولين بالتجارة الى جانب عملهم الأصلي في مراحل تدهور الدولة حينها وهو الأمر الذي تشهده وتعايشه وتمر به المجتمعات العربية في المرحلة المعاصرة.

ذلك إلى جانب «إصرار الأثرياء على أن تكون لهم مناصب رسمية لكي تعفيهم من المساءلة» وتوفر لهم حصانة.

تحين ذكرى ابن خلدون فيقدح المرء ذاكرته؛ ليجد في ناصيتها «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» وهو أهم مرجع من آثار ابن خلدون. ذلك الذي وَقَر في الذاكرة من مراحل الدراسة المبكرة؛ لكن العنوان الحاضر دائما.

والأقرب إلى المنال هو «مقدمةابن خلدون» إلا أن هذا العنوان ليس إلا جزءا من كتابه السابق الذكر، وما حظي به من شهرة فاقت العمل الأصل أو الكتاب الكلي ،انما بسبب اشتماله على ما تضمنه الكتاب ملخصا؛ آثر القارئ العربي الاكتفاء به؛ متجاوزا التفاصيل، ومتحاشيا الدخول إلى عمق الفلسفة التي وفرتها له قرائح المفكرين.

ومنحته إياها رؤى تجاربهم الباحثة. ولعل اكتفاء العموم بالاطلاع على المقدمة لهي عادة استمرأتها الطبيعة العربية، وظلت هذه الطبيعة تترفّع عن التفاصيل واثقة من جدوى المرور العابر على العموميات أو العناوين الرئيسة.

وهو الأمر الذي كثيرا ما يحجب فرصة التعلم من الاخطاء ، ويعيق الادراك أمام الصواب. أوليس في ذلك ما يجعل الفرصة خصبة لاجترار ذات المنهاج، مما يعيق التجدد والابتكار؟! ثم يجد المرء نفسه أمام تاريخ يعيد نفسه ولسان حال المشاهد يقول «ما أشبه اليوم بالبارحة».

falhudaidi@albayan.ae