من السهل جداً - والمحبط للغاية - أن نتخيل كيف سينظر كثير من المؤرخين في المستقبل إلى عام 2025 باعتباره العام الذي انتهى فيه عهد التعددية الدولية، فعلى مدى ثلاثة عقود ازدهرت فكرة التعددية منفعة عامة عالمية.
ربما خفتت هذه الروح في بعض الأحيان، لكن الأجندة الدولية باتت تتشكل بشكل متزايد، من خلال اجتماعات مخصصة لقضايا عالمية، من تغير المناخ إلى الضرائب والتجارة، لكن هذه القمم وطموحاتها شهدت عاماً كارثياً في 2025، فقد اختتمت الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومحادثات المناخ ومؤخراً قمة مجموعة في قمة المناخ «كوب 30» وقمة العشرين للاقتصادات الكبرى، جميعها بشكل متعثر وبصورة باهتة، وأكدت البيانات الختامية الموجزة مدى سرعة تراجع العالم عن الرؤية المشتركة الشاملة، التي سادت قبل عقد من الزمن تقريباً، والتي تدعو إلى نهج جماعي لمواجهة تحدياته.
ويرى كثيرون أن المحرك الرئيسي لهذا التغيير هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بازدرائه لفكرة أن يكون لجميع الدول رأي في كيفية إدارة العالم، وتجاهله للقضايا الأكثر احتياجاً إلى نهج عالمي متعدد الأطراف، من تغير المناخ إلى التجارة الحرة، وفي واقع الأمر، لطالما تذبذب موقف أكبر اقتصاد في العالم من التعددية الدولية، لكن قراره، في جوهره، بالتخلي عن هذه القضية - إذ لم تحضر إدارة ترامب قمة قادة مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا الشهر الماضي - يعد ضربة قاضية إلى حد كبير.
مع ذلك سيكون من المجحف إلقاء اللوم على ترامب وحده في تراجع التعددية الدولية، فهذه القضية تواصل فقدان زخمها حتى قبل أن يبدأ ترامب ولايته الثانية، وهي في الحقيقة لم تشهد قط عصراً ذهبياً، كما أن دولاً أخرى تسير على خطى أمريكا، وتتنصل من التزاماتها، ثم هناك دور الصين، منافس أمريكا القوي، فهي تتحدث بلغة التعاون، لكنها هي الأخرى انتهجت نهجاً تجارياً، ويراها البعض سبباً، على سبيل المثال، في إضعاف منظمة التجارة العالمية، ومن الواضح أن بعض التكتلات الجديدة، التي ظهرت في السنوات الأخيرة قد بلغت ذروتها، أو على الأقل أصبحت غير ضرورية في الوقت الراهن، ولنأخذ مجموعة العشرين مثالاً، فبعد أن كانت تكتلاً ضخماً يضم قوى متباينة احتاجت إلى حالة طارئة ملحة وواضحة، لتحفيزها على العمل بتنسيق تام، ففي عام 2009، خلال الأزمة المالية العالمية، اتفق قادتها على ضخ تمويل ضخم ومنسق.
في ذلك العام بدت مجموعة العشرين على وشك أن تحل محل مجموعة الثماني، معلنة نفسها «المنتدى الرئيسي للتعاون الاقتصادي الدولي»، لكن في السنوات الأخيرة، غالباً ما واجهت صعوبة حتى في الاتفاق على بيان ختامي،
كما أن منظمة الأمم المتحدة، وهي الهيئة العريقة للتعددية، باتت في أمس الحاجة إلى إعادة هيكلة تحت قيادة جديدة، كما ينبغي لها أن تركز جهودها بشكل أكبر على كيفية تجنب الخطرين الأكبر اللذين يهددان البشرية حالياً: الحرب بين القوى العظمى وتغير المناخ.
مع ذلك ينبغي على المؤمنين الحقيقيين بالتعددية الدولية أن يتمسكوا بها، وعليهم في الوقت الراهن التركيز على شكل جديد، وأكثر مرونة من التعاون، والأكثر تداولاً اليوم هي فكرة عقد اجتماعات خاصة بين الدول ذات التوجهات المتشابهة، إقليمية أحياناً، للتركيز على قضايا محددة، فهذا هو المسار الأمثل.
وكونه مثالاً على هذه المرونة يشير وزراء التجارة في جنوب شرق آسيا إلى توسيع نطاق الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ، لتشمل المملكة المتحدة، كما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى توثيق العلاقات أيضاً.
إن هذه الصورة، بطبيعة الحال، لا تقارن بالطموح الكبير، الذي كان سائداً قبل نحو عشرين عاماً، لكن في عالم يزداد فيه التنافس، لن يكون هذا الأمر سهلاً، وينبغي الاتفاق على أن هناك تحديات عدة، يمكن للعالم تنظيمها دون الولايات المتحدة، بما في ذلك التجارة والتنمية والمحيط الحيوي، ومن الممكن أن تقرر الولايات المتحدة مع مرور الوقت رغبتها في المشاركة.