إيان هارنيت
«الولايات المتحدة في سباق لتحقيق الهيمنة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي»: هذه هي الكلمات الافتتاحية لخطة عمل البيت الأبيض للذكاء الاصطناعي، والتي تقوم على تسريع الابتكار، وبناء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي، والريادة في الدبلوماسية والأمن الدوليين.
وبالنسبة لإدارة الرئيس دونالد ترامب، يُعدّ الفوز في مجال الذكاء الاصطناعي جوهر معركة القرن الحادي والعشرين للحفاظ على مكانة الولايات المتحدة كأحد الاقتصادات الرائدة والأغنى في العالم. وهو أمر أساسي لمواجهة تراجع الإنتاجية الناتج عن تدهور التركيبة السكانية. فقد تباطأ معدل نمو الإنتاجية في الولايات المتحدة من أكثر من 2.5 % سنوياً في الستينيات، إلى نحو 1.5 % سنوياً خلال العشرين عاماً الماضية. ومن المرجح أن تُؤدي التركيبة السكانية الأمريكية إلى مزيد من الضغط على الإنتاجية، في غياب تغييرات تكنولوجية تُحسّن من فرص العمل.
وكما أوضح الأستاذ المشارك في جامعة ييل، مايكل بيترز، في مقال لصالح صندوق النقد الدولي، يتعين على أمريكا استعادة حيويتها إذا ما أرادت الحفاظ على مكانتها العالمية. ولذلك، يُعدّ ابتكار تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تُعزز الإنتاجية، والتي يسعى العالم إلى محاكاتها، جزءاً أساسياً من خطة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي. وتشير تحليلات شركة «ابسلوت استراتيجي ريسيرش» إلى أن الذكاء الاصطناعي قد رفع بالفعل إنتاجية العمل في الولايات المتحدة بنسبة تتراوح بين 0.1 و0.9 نقطة مئوية، وقد يُسهم في نهاية المطاف في رفع نمو الإنتاجية العالمية بنحو نصف نقطة مئوية سنويًا خلال العقد المقبل.
مع ذلك، هناك قيد رئيسي يحول دون ريادة الولايات المتحدة في سباق الذكاء الاصطناعي، والذي لا يكمن في الجانب التقني بقدر ما يكمن في القيود المادية التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على الطلب الأمريكي على الطاقة. وتُقدّر وكالة الطاقة الدولية أن الطلب العالمي على الكهرباء في مراكز البيانات سيتضاعف أكثر من مرتين، من 460 تيراواط ساعة في عام 2024 إلى أكثر من 1000 تيراواط ساعة بحلول عام 2030، وسيصل إلى 1300 تيراواط ساعة بحلول عام 2035.
وفي الولايات المتحدة، تتوقع الوكالة أن تُشكّل مراكز البيانات «نحو نصف نمو الطلب على الكهرباء بين الوقت الحالي وعام 2030». ولا تقتصر المشكلة على حجم الطلب على الطاقة اللازمة للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، بل تشمل أيضاً دور الهيدروكربونات في تغذية هذا النمو. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن أكثر من نصف الكهرباء التي تُشغل مراكز البيانات الأمريكية ستظل تأتي من الوقود الأحفوري، خاصة الغاز الطبيعي، حتى بعد عام 2030. بل تتوقع الوكالة أن أكثر من 40 % من طاقة الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة ستعتمد على الهيدروكربونات بحلول عام 2035، ويعود ذلك جزئياً إلى إلغاء إدارة ترامب للدعم المقدم لمبادرات الطاقة المتجددة.
وفي حين تعتمد الصين أيضاً على الهيدروكربونات (الفحم بشكل رئيسي) لتشغيل مراكز بياناتها، فإنها تسعى لتغيير هذا المزيج. وتركز استراتيجيتها على تطوير موارد الحوسبة بالقرب من مصادر الطاقة المتجددة الساحلية. وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أنه على عكس الولايات المتحدة، ستشهد الصين انخفاضاً في حصة توليد الكهرباء من الهيدروكربونات لمراكز البيانات بعد عام 2030.
ومن المخاطر الاستراتيجية المترتبة على اعتماد الذكاء الاصطناعي الأمريكي على الهيدروكربونات تلك المتعلقة بالتكاليف النسبية. فقد ارتفعت أسعار الكهرباء في الولايات المتحدة بنسبة 38 % منذ عام 2020، ويرتبط هذا الارتفاع غالبًا بتزايد الطلب على مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي. ومن المرجح أن تتفاقم هذه الضغوط. وفي المقابل، تستمر تكلفة مصادر الطاقة المتجددة في الانخفاض بوتيرة أسرع من تكلفة الوقود الأحفوري، مما قد يُضعف فرص الذكاء الاصطناعي الأمريكي مقارنةً بنظيره الصيني على المدى البعيد.
مع ذلك، قد لا يقتصر التحدي الاستراتيجي الأكبر الذي يواجه الذكاء الاصطناعي الأمريكي المُعتمد على الهيدروكربونات على السعر فحسب، بل يشمل أيضًا تأثيره المادي على الاقتصاد، فالطاقة والمياه وإنتاج الغذاء مترابطة ترابطاً وثيقاً. وسيؤدي ازدياد احتياجات الولايات المتحدة من الطاقة لتشغيل الذكاء الاصطناعي، عند الاعتماد على الهيدروكربونات، إلى زيادة الطلب على المياه في الولايات المتحدة، وبالتالي زيادة الضغط عليها، مقارنة بما لو كان نمو الذكاء الاصطناعي مُعتمدًا على مصادر الطاقة المتجددة.
ومما يزيد الأمر سوءاً، أن ثلثي مراكز البيانات الأمريكية الجديدة التي بُنيت أو خُطط لإنشائها منذ عام 2022 تقع في مناطق تعاني من شحّ مائي حاد، وذلك وفقاً لتحليل بلومبيرغ. ونتيجة لذلك، قد تُشكل المخاطر التي تُهدد الأمن الغذائي الأمريكي على المدى البعيد جراء اعتماد الذكاء الاصطناعي المُعتمد على الهيدروكربونات عائقًا رئيسيًا. وبينما تُراهن الولايات المتحدة بكل شيء على استخدام الهيدروكربونات لتشغيل مراكز البيانات بسرعة، تعتمد الصين على عملية أبطأ، مستخدمةً مزيجًا أكثر استدامة من مصادر الطاقة. وبالتالي، قد تكون استراتيجية الولايات المتحدة مكلفة، ليس فقط من حيث ارتفاع أسعار الكهرباء، مما قد يحد من عائد الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي، بل أيضًا من حيث تفاقم أزمة المياه واحتمالية انعدام الأمن الغذائي.
وفي مقابل هذه المخاطر الاستراتيجية المتزايدة، من المرجح أن يطالب المجتمع بفوائد حقيقية وملموسة - وسيبدو محرك بحث أسرع بشكل طفيف خياراً غير مُجدٍ. أما الخطر الاستراتيجي الأكبر فيكمن في أنه بينما قد تربح الولايات المتحدة المعركة الأولية في مجال الذكاء الاصطناعي، فقد ينتهي بها المطاف إلى خسارة الحرب بسبب اعتمادها على طاقة الهيدروكربونات.
