روبرت أرمسترونغ - هاكيونغ كيم
تبدو الإجراءات المتزايدة الحدة لإدارة ترامب في المياه قبالة سواحل فنزويلا غير مفهومة تقريباً لكثيرين، خصوصاً أن من بين الأمور التي تسير على ما يرام بالنسبة لأمريكا اقتصادياً، وللرئيس الأمريكي سياسياً، هو انخفاض أسعار النفط، وبالتالي تكلفة البنزين.
فلماذا التدخل في شؤون دولة منتجة للنفط إقليمية رئيسية غير مستقرة سياسياً؟ ما هي المكاسب المرجوة، خصوصاً على المدى القصير، علماً أنه إذا لم تسر انتخابات التجديد النصفي العام المقبل على ما يرام، فلن يكون أمام إدارة ترامب سوى المكاسب قصيرة المدى؟
الإجابة هنا تتألف من شقين؛ الشق الأول هو أن أسواق النفط العالمي تتمتع بوفرة كافية في المعروض، بحيث لن يكون لأي تقييد كبير للصادرات من فنزويلا تأثير يذكر على أسعار الطاقة. ولا تتجاوز صادرات فنزويلا مليون برميل يومياً، أي أقل من واحد بالمئة من السوق العالمية، ويتوقع العديد من المحللين أن يتحول السوق العالمي إلى فائض في عام 2026. وفي هذا السياق، قال كيفن بوك من شركة «كليرفيو إنرجي بارتنرز»:
إذا كنت قلقاً بشأن أسعار البنزين، فحتى لو توقف الإنتاج الفنزويلي بالكامل غداً، فمن المرجح أن يتراوح تأثير السعر بين 5 و20 سنتاً للجالون. وهذا الأمر يمكن أن يكون مهماً للمستهلكين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط وسائقي المسافات الطويلة، لكن الأسعار انخفضت بالفعل بهذا القدر أو أكثر منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة. وإذا كنت في البيت الأبيض، فهناك مجال فيما يتعلق بالنفط لاتباع سياسة قد ترفع الأسعار قليلاً.
في الوقت نفسه، فإن ممارسة ضغوط مباشرة متزايدة على نظام مادورو في فنزويلا يحقق أربعة أهداف استراتيجية مهمة لإدارة ترامب على الأقل:
* يرى ترامب أن الحصول على طاقة رخيصة أمر ذو أهمية استراتيجية، وفنزويلا تمتلك كمية هائلة منها، فاحتياطياتها النفطية المؤكدة، البالغة 300 مليار برميل، هي الأكبر في العالم، وهي بذلك أكبر من احتياطيات المملكة العربية السعودية.
* يعطي ترامب الأولوية لـ«الصفقات» لصالح الشركات الأمريكية، ويمكن لشركات النفط الأمريكية أن تجني أرباحاً طائلة من استخراج ونقل وتكرير النفط الفنزويلي. ويظهر انخفاض إنتاج النفط الفنزويلي إلى ثلث مستواه قبل 25 عاماً حجم الفرص التجارية الضخمة المتاحة.
* تؤكد الإدارة الأمريكية صراحة في استراتيجيتها للأمن القومي، وبموجب «مبدأ ترامب المكمل لمبدأ مونرو»: «نريد نصف الكرة الغربي خالياً من أي توغل أجنبي عدائي أو سيطرة على الأصول الرئيسية، وأن يدعم سلاسل الإمداد الحيوية، فتعزيز سلاسل الإمداد الحيوية في هذا النصف من الكرة الأرضية سيقلل من الاعتماد على الآخرين ويزيد من مرونة الاقتصاد الأمريكي».
* يرسل حصار ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات رسالة إلى المنافسين العالميين، حيث تعد الصين المستفيد الأكبر من النفط الفنزويلي الذي لا تصدره شركة شيفرون (حوالي ثلاثة أرباع الإجمالي). كما ترتبط روسيا بالعديد من ناقلات النفط الفنزويلية الخاضعة للعقوبات. وكتبت أغنيا غريغاس من المجلس الأطلسي أن «قضية فنزويلا تظهر أن واشنطن باتت أكثر استعداداً لمواجهة التهرب من العقوبات ليس فقط كخرق مالي، بل كمشكلة أمنية بحرية. وهذا أمر بالغ الأهمية لأن العديد من السفن والوسطاء وشركات التأمين وشبكات إدارة السفن نفسها تقدم خدماتها لنقل النفط الخام الروسي والإيراني والفنزويلي بشكل متبادل».
وبعيداً عن الخوض في مدى شرعية أهداف الإدارة الأمريكية، سواء من الناحية الاستراتيجية أم الأخلاقية أم العملية، فإن هذه الأهداف تجعل الصراع هناك، مع تصاعده وتفاقمه، اختباراً مهماً لعزيمة الإدارة الأمريكية. فلطالما كانت إحدى الفرضيات الأساسية للبعض أن التزامات ترامب الأيديولوجية والاستراتيجية ضعيفة، وسيتم التخلي عنها بسهولة أمام الضغوط الاقتصادية أو السوقية أو السياسية. وهذا هو السبب الرئيسي وراء شعور الأسواق بالارتياح تجاه ترامب، وما يفعله مع فنزويلا.
على صعيد آخر، جرى وصف تقرير مؤشر أسعار المستهلك في أمريكا لشهر نوفمبر، بأنه «تقرير مذهل» بكل المقاييس، وفقاً لتصريحات كيفن هاسيت أو إدارة ترامب. فقد ارتفع المؤشر بنسبة 2.7% مقارنة بالعام السابق، وهو أقل بكثير من نسبة 3% المسجلة في سبتمبر، وأقل من توقعات المحللين البالغة 3.1%.
لكن، كما حذر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، خلال اجتماع السياسة النقدية، فمن المرجح جداً أن يكون إغلاق الحكومة وتوقف جمع البيانات قد شوه البيانات بشكلٍ كبير، ما يجعل من الصعب أخذها على محمل الجد. وبحسب باول، فإن البيانات «ليست أكثر تقلباً فحسب، بل مشوهة أيضاً». وتقدر بوجا سريرام من بنك باركليز أن الرقم الرئيسي قد يكون أقل بنحو 20 إلى 25 نقطة أساس. أما الأسواق، فلم تصدق هذا التقرير المذهل: إذ لم يشهد عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عامين، الحساس للسياسة النقدية، أي تغيير يذكر.
وتكمن المشكلة الرئيسية في أرقام الإيجار وما يعادله من إيجار الملاك، فزيادة الإيجار بنسبة 0.06% شهرياً، ومعدل إيجار المالك المكافئ بنسبة 0.13%، منخفضة بشكل مثير للشك مقارنة بمتوسط الثلاثة أشهر البالغ 0.51% حتى سبتمبر. وباستثناء انهيار كامل في الإيجارات، يبدو أن الطريقة الوحيدة لانخفاض هذه الأرقام إلى هذا الحد هي افتراض عدم وجود أي تغيير في أكتوبر. وتشير المقارنة مع أرقام الإيجار من «زيلو» إلى ذلك.
ووفقاً لعمير شريف من شركة «إنفليشن إنسايتس»: من شبه المؤكد أن أكتوبر انتهى بصفر، وهو ما كان مصدر القلق. وقد أشرت إلى أنه من المستبعد جداً أن يفترض مكتب إحصاءات العمل شيئاً كهذا، نظراً لتطبيقه تغييراً لمدة شهرين على جميع المكونات الأخرى، ولكن يبدو أن «أفضل الممارسات» تمثلت في ترحيل بيانات شهر سبتمبر دون إجراء أي تعديلات على ثلث مؤشر أسعار المستهلك.
ويظهر استبعاد الخدمات الأساسية أن هذه الفئة لا تزال ثابتة وتتجاوز 4% على أساس سنوي. ومع ذلك، تبشر أسعار السلع الأساسية، التي ارتفعت بنسبة 1.4% فقط عن العام السابق، ببعض التحسن. والجدير بالذكر أن القطاعات المعرضة للتعريفات الجمركية لم تشهد أي زيادة. ولكن هذه الفئة تأثرت أيضاً بتأخر جمع البيانات.
