لماذا لا تحذو أوروبا حذو رئيس وزراء كندا في حزمه مع ترامب؟

إدوارد لوس

علّق كثيرون بإسهاب على أن استراتيجية الأمن القومي الجديدة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعادي أوروبا الديمقراطية الليبرالية، مع أن كندا واليابان وأستراليا وغيرها، تعدّ هي الأخرى مستهدفة ضمنياً، لكن ما أراه أكثر إثارة للاستياء، هو الفكرة المحورية للتقرير.

لقد دأب ترامب وأمثاله، خاصة إيلون ماسك، على إلقاء المحاضرات علينا حول الحضارة الغربية - وهو موضوع كان كلاهما سيرسب فيه في المرحلة الابتدائية. وكثيراً ما يقول ماسك إن «أكبر نقاط ضعف الحضارة الغربية هي التعاطف». لذلك، ليس غريباً أن يكون هو نفسه الرجل الذي تفاخر بتقليصه لميزانية المساعدات الأمريكية. ومن المهم هنا استحضار ما ذكره بيل غيتس لزميلي ديفيد بيلينغ، في واحدة من أهم الأقوال بالنسبة لي هذا العام: «إن صورة أغنى رجل في العالم وهو يقتل أفقر أطفال العالم، ليست جميلة على الإطلاق».

وخلال العام الماضي، زرت كندا خمس مرات، فجارة أمريكا الشمالية من أفضل المواقع لتقييم صدمة التغيير الحاصل اليوم. ولا شك لدى معظم الكنديين الذين تحدثت إليهم، بأن الولايات المتحدة لم تعد حليفهم. ولدى كندا مارك كارني، الزعيم المعاصر الأكثر فاعلية في الغرب، في اعتقادي. فعلى عكس معظم نظرائه على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، يمتلك كارني رؤية واضحة وبسيطة. هدفه هو تقليص اعتماد كندا على الولايات المتحدة بشكل تام، اقتصادياً وأمنياً.

ويتمتع كارني بميزة إضافية، وهي أن معظم الكنديين يفهمون رؤيته ويتفقون معها. لذلك، بدأت القهوة الكندية تحل محل القهوة الأمريكية في المقاهي الكندية. ما لم تكن تعرف هدفك بوضوح، ويكون هذا الهدف جلياً لناخبيك، فلن يكون لديك أي فرصة للنجاح. كذلك، فإن ترامب، وباستثناء الحديث عن غرينلاند، لم يعد يطمع في الأراضي السيادية لأي حليف غربي آخر. ومن اللافت للنظر، أنه منذ أن حلّ كارني محل جاستن ترودو، الذي كان أداؤه متواضعاً إلى حد ما، في مارس الماضي، قلّ حديث ترامب كثيراً عن انضمام كندا إلى الولايات المتحدة، لتصبح الولاية الحادية والخمسين.

إن الفترة القصيرة لرئاسة كارني للوزراء حتى الآن، تقدم دليلاً على أمرين، وكلاهما نموذج جيد، يُمكن لقادة أوروبا الرئيسين، لا سيما كير ستارمر، الاقتداء به. أولهما ضرورة التنويع، مع أنني أُدرك أنه حتى المستثمرين الجمهوريين اليوم لا يستطيعون الحديث عن تنويع محافظهم الاستثمارية، خشية اتهامهم بدعم التنوع والإنصاف والشمول. لكن التنويع هدف قيّم في مجالات عديدة. ولأن ما يقرب من ثلاثة أرباع صادرات كندا تذهب إلى الولايات المتحدة، فإن هدف كارني هو خفض هذه النسبة إلى أقل من النصف. وهذا يعني إبرام اتفاقيات مع دول أخرى.

وقد ورث مارك كارني علاقات ثنائية متوترة مع الصين والهند. بالنسبة للأولى، كان رد فعل شي جين بينغ سيئاً تجاه احتجاز كندا لمسؤولة تنفيذية رفيعة المستوى في شركة هواوي، بناءً على طلب الولايات المتحدة. وفي الثانية، تحدثت كندا عن تورط مسؤولين هنود في اغتيال اثنين من الكنديين السيخ المؤيدين لحركة خالستان عام 2023. وهكذا، باتت هاتان العلاقتان الثنائيتان الحيويتان مجمدتين.

وخلال قمة آسيا والمحيط الهادئ في أواخر أكتوبر، بادر كل من شي جين بينغ وناريندرا مودي، إلى مد يد التقارب لكارني. وأُعيد ضبط العلاقات الثنائية بين الجانبين. لذلك، يتعين على بقية دول الغرب التفكير والتصرف بجرأة، للحد من انكشافها على أمريكا.

الصفة البارزة الثانية لكارني، هي استعداده الواضح لمواجهة ترامب. فعلى النقيض من خضوع بريطانيا، لم يُقدم كارني أي تنازلات تُذكر. ورغم أنه تجنب في الغالب الدخول في مواجهات مع ترامب، إلا أن كارني ظل حازماً في رفضه التنازل قيد أنملة أمام مطالب ترامب الأكثر فظاعة، فيما تتواصل عملية التفاوض على اتفاقية نافتا 3.0، والتي تتضمن أيضاً زعيمة المكسيك، كلوديا شينباوم، التي لا تقل حزماً. وحتى الآن، لم يُعاقب كارني على عدم ركونه إلى التملق. بل من الواضح أن ترامب يحترمه بطريقة يلا يظهرها في تعامله مع كل من كير ستارمر وإيمانويل ماكرون. أما بالنسبة لفريدريش ميرز رئيس الوزراء الألماني، فلا يزال الحكم عليه معلقاً حتى الآن.

على أية حال، فإن العالم يحتاج بالفعل إلى المزيد من أمثال كارني. فإذا لم يستطع بقية الغرب الدفاع عن أسلوب حياتنا وحريتنا، فسوف ينهار حتماً. كما أننا يمكن في أفضل الأحوال، أن نصبح ملاذاً أو مصدر إلهام لملايين الأمريكيين الذين يشعرون بنفس الشعور. وهكذا، برفضنا الخضوع، يمكننا المساهمة في معالجة مشاكل أمريكا. وهنا، من الجيد أن أتوجه إلى زميلي العزيز، جدعون راتشمان، كاتب عمود الشؤون العالمية في «فاينانشال تايمز»، بالسؤال التالي: هل هناك ما يدعو إلى التفاؤل بشأن قدرة بقية دول الغرب على إعادة بناء عالمنا؟ وما الخطوات العملية التي يمكن للاتحاد الأوروبي اتخاذها للحماية من أسوأ نزعات ترامب؟

رد جدعون راتشمان قائلاً: إنني أجد ما قلته حول التباين بين كارني ورد فعل الاتحاد الأوروبي/المملكة المتحدة على ترامب مثيراً للاهتمام. بالنسبة لي، كان أحد أسوأ أحداث عام 2025، هو فشل الاتحاد الأوروبي في الرد على تعريفات ترامب الجمركية. وكم كان اجتماع تيرنبيري، حيث ظهرت أورسولا فون دير لاين وهي ترفع إبهامها بجانب ترامب المبتسم، بعد موافقة الاتحاد الأوروبي المترددة على فرض تعريفة جمركية بنسبة 15 %، مُهيناً. كذلك، لم يكن رد بريطانيا أكثر حزماً.

ومن وجهة نظري، هناك أسباب عديدة لهذا التباين في ردود الفعل، لكنني سأركز على اختلاف طبيعة التهديد الأمني. فقد تعرضت كندا لتهديد مباشر من ترامب، ورد الشعب الكندي عبر نتائج الانتخابات، ومقاطعة بعض المنتجات الأمريكية. لذا، يمتلك كارني تفويضاً واضحاً بإمكانية الابتعاد عن الولايات المتحدة، رغم أن هذا أمرٌ بالغ الصعوبة على كندا اقتصادياً. أما الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، فيعتبران روسيا التهديد الأمني الرئيس لهما، ولا يزالان يعتبران الولايات المتحدة عنصراً أساسياً في دفاعاتهما ضد روسيا، فالولايات المتحدة توفر أكثر من 40 % من أصول حلف الناتو في أوروبا، بما في ذلك أصول يصعب استبدالها، مثل الاستخبارات وطائرات النقل الثقيل وغيرها.

إن الأوروبيين باتوا يدركون جيداً أنهم لا يستطيعون الاعتماد على أمريكا على المدى الطويل، لكنهم يعتقدون أن الأمر قد يستغرق عقداً من الزمن للوصول إلى وضع يمكّنهم من تأمين دفاعهم بالكامل. لذا، فهم الآن يسترضون ترامب، ويكسبون الوقت، بينما يحاولون تنويع مصادرهم بهدوء.

هذه هي الاستراتيجية، ولا أحد يدري إن كانت منطقية حقاً أم لا. إذ لماذا نعتقد أن أمامنا عقداً من الزمن؟ ومن يظن أن ضمانات ترامب موثوقة؟ إضافةً إلى ذلك، لا ننسى أبداً أن الاتحاد الأوروبي تحالف دول، وهو تحالف دائماً عرضة للانهيار تحت الضغط - انظروا إلى الصراع لتمرير قرض أوكرانيا، المدعوم بأصول روسية. أما بالنسبة للمملكة المتحدة، فنحن ندرك تماماً اعتمادها الخاص على أمريكا - في الأسلحة النووية والاستخبارات - وقد ازداد اعتمادها على واشنطن، بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

هذه تفسيرات.. وليست أعذاراً. لكن من الواضح أن على الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة التحرك بشكل أسرع، لتقليل الاعتماد على «أمريكا ترامب».