خفايا دهاليز آلية العفو الرئاسي الضخمة في عهد ترامب

كاي ويغينز - جو ميلر - ستيفانيا بالما

بينما كان سام بانكمان-فرايد يتابع إصدار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عشرات قرارات العفو عن المحتالين والمجرمين من ذوي الياقات البيضاء هذا العام، ظل يتساءل قطب العملات المشفرة السابق عن كيفية الانضمام إلى صفوفهم.

ووفقاً لمصادر مطلعة، تواصل ممثلوه مع برايان لانزا، الشريك في مجموعة الضغط «ميركوري» في واشنطن، والذي عمل مع ترامب عام 2016، ويروّج لسجله الحافل بالعمل مع البيت الأبيض.

واتبع بانكمان-فرايد، المتبرع السابق للحزب الديمقراطي والذي يقضي عقوبة بالسجن 25 عاماً بتهمة الاحتيال، نهجاً شائعاً لتقديم التماس إلى رئيس أمريكي أصدر عفواً عن عشرات الأشخاص، بمن فيهم متبرعون وحلفاء سياسيون، حيث أخذ ينشر على الإنترنت منشورات حول «الفساد» الذي «استشرى في وزارة العدل في عهد بايدن».

وتمت الاستعانة أحياناً بجماعات ضغط للسعي للحصول على عفو في عهد إدارات سابقة، إلا أن هذه الجهود كانت أقل شيوعاً بكثير مما هي عليه خلال ولاية ترامب الثانية.

وقد لاقت بعضها - مثل عفو بيل كلينتون عن تاجر النفط مارك ريتش عام 2001، الذي انتهك العقوبات - انتقادات لاذعة.

وقال أحد محامي الدفاع إن السعي للحصول على عفو في عهد ترامب أصبح «أمراً عقلانياً» للمدانين والمتهمين. يحدث هذا باستمرار.. إنها عملية منفصلة خارج نظام العدالة الجنائية، بهدف إسقاط القضية

وبدلاً من الاعتماد كلياً على المحامين، يلجأ بعض الساعين إلى العفو أو تخفيف الأحكام إلى وسطاء - يتقاضون في بعض الحالات ما يصل إلى مليون دولار - لعرض قضيتهم على البيت الأبيض.

وقال أحد المحامين المطلعين على الخفايا والإجراءات: «نشهد اليوم ازدهاراً كبيراً في مجال العفو الرئاسي».

تؤدي الإدانات أحياناً إلى إلزام المجرمين بدفع مبالغ طائلة للحكومة وتعويض ضحاياهم. ويمكن للعفو أن يُنهي هذه الالتزامات، ويعرّض بعض المجرمين المدانين على الوسطاء نسبة مئوية من أي أموال يوفرونها. وهذا قد يصل إلى ملايين الدولارات.

وقام ترامب بتعيين حليفه إد مارتن محامياً للعفو، وهو منصب لا يحظى سابقاً باهتمام كبير، وكان عادةً ما يشغله موظفو وزارة العدل ويبقى بعيداً عن البيت الأبيض. كما عين الرئيس السجينة السابقة أليس ماري جونسون كأول «مسؤولة» عن العفو.

والأهم، بحسب المشاركين في تقديم التماسات العفو من ترامب، هو الوصول إلى الدائرة المقربة من الرئيس.

لعب روجر ستون، الذي عفا عنه ترامب عام 2020 بعد إدانته بعرقلة تحقيق الكونغرس في التدخل الروسي في الانتخابات، دور الوسيط بين الرئيس الهندوراسي السابق خوان أورلاندو هيرنانديز والرئيس الأمريكي.

وهيرنانديز، الذي أُدين بالمساعدة في تهريب 400 طن من الكوكايين إلى شوارع أمريكا، عفا عنه الرئيس في وقت سابق من هذا الشهر. وقال ترامب إنه لم يكن يعرف «الكثير» عن هيرنانديز، لكن هندوراس «استخدمت حكومتها كسلاح» ضده. وقال ستون إنه لم يتقاضَ أي أجر مقابل مساعدة هيرنانديز.

وفي وقت سابق من هذا العام، استعانت منصة تداول العملات المشفرة «باينانس» بخدمات تشيس ماكدويل، وهو أحد ممارسي الضغط السياسي ورفيق صيد لدونالد ترامب الابن.

والذي يُعلن عن «علاقاته القوية مع إدارة ترامب»، في ما تُشير إليه سجلات الضغط السياسي بـ«الإعفاء التنفيذي»، من بين أمور أخرى.

حصل تشانغبينغ تشاو، المؤسس المشارك لشركة باينانس، والذي أقر بذنبه في تهمة التقصير في الحماية من غسل الأموال، على عفو رئاسي من الرئيس ترامب في أكتوبر. وصرح ترامب لشبكة سي بي إس نيوز الشهر الماضي بأنه لا يعرف تشاو لكنه «سمع أن محاكمته كانت عبارة عن حملة اضطهاد سياسي من بايدن».

وحصل جوزيف شوارتز، مالك دار رعاية مسنين سابق حُكم عليه في أبريل على عفو رئاسي في نوفمبر بعد أن دفع 960 ألف دولار لجماعتي الضغط بقيادة جاك بوركمان وجاكوب وول، الداعمتين لترامب، لمساعدته في قضيته.

وصرح بوركمان لصحيفة فايننشال تايمز بأن شوارتز «رجل صالح، ونحن ممتنون للرئيس ترامب الذي منحه العفو بحكمته».

وصرح مسؤول في البيت الأبيض لصحيفة فايننشال تايمز بأنه «لم يلتق أي من مستشاري البيت الأبيض بجماعات الضغط التي مثلت شوارتز».

وأضاف المسؤول: «إن إنفاق الأموال للضغط من أجل العفو يعد إهداراً عبثياً للمال». وأكد أن العديد ممن استعانوا بجماعات ضغط لم يحصلوا على العفو من ترامب.

كما استعان مدانون آخرون، من بينهم مسؤول تنفيذي سابق في قطاع الرعاية الصحية أدين بالاحتيال، ومسؤولون تنفيذيون في مجال العملات الرقمية أقروا بتهم غسل الأموال، بجماعات ضغط أقل شهرة موالية لترامب.

يقول البيت الأبيض إن «فريقاً كاملاً من المحامين المؤهلين» يتولى كل طلب عفو. وصرح متحدث باسم البيت الأبيض لصحيفة فايننشال تايمز بأن ترامب «مارس سلطته الدستورية في إصدار قرارات العفو».

بينما خفف الرئيس السابق جو بايدن «أحكام مجرمين عنيفين، من بينهم قتلة أطفال ومدانون بارتكاب مجازر جماعية»، إضافة إلى إصداره عفواً عن أفراد من عائلاتهم.

وقال متحدث باسم وزارة العدل إن قرارات العفو «اتُخذت عبر القنوات الرسمية دون تدخل من المدعي العام».

ويُعتبر إقناع الرئيس، إلى جانب توظيف شخص ذي صلات بالإدارة، بوجود أعداء مشتركين، وأن النظام القضائي قد سخر ضده، تكتيكاً فعالاً للغاية للحصول على العفو، وفقاً لمصادر مطلعة على الإجراءات.

وقد صرح ترامب مراراً وتكراراً بأنه كان هدفاً لحملة اضطهاد سياسي من قِبل مدعين عامين فيدراليين وغيرهم خلال فترة رئاسة بايدن.

وقال روبرت راي، الشريك في مكتب ستيرلينغتون للمحاماة، والذي يسعى للحصول على عفو لموكله سليم زيركا، صاحب نادٍ ليلي وعقارات، لصحيفة فايننشال تايمز:

«لقد حاولنا إثبات أن هذا النظام المسيس، إذا كان من الممكن توجيهه ضد الرئيس ترامب، فإنه من الممكن بالتأكيد توجيهه ضد أي مواطن عادي».

وظهر بانكمان-فرايد، المدان بسرقة مليارات الدولارات من أموال عملاء بورصة إف تي إكس لتمويل رهانات محفوفة بالمخاطر، هذا العام في مقابلة من داخل السجن مع الإعلامي المحافظ تاكر كارلسون، حيث ردد صدى كلام ترامب، بأنه كان ضحية «تسييس» وزارة العدل.

كما كتب بانكمان-فرايد على منصة «إكس» الأسبوع الماضي: «يعلم ترامب مدى عمق الفساد الذي استشرى في وزارة العدل في عهد بايدن».

ويمكن للدعم الشعبي الواسع أن يكون عاملاً مهماً في الحصول على العفو. وأشار أحد المطلعين على إجراءات العفو إلى روس أولبريشت، مؤسس سوق «طريق الحرير» على الإنترنت المظلم.

والذي حُكم عليه بالسجن المؤبد عام 2015 لإدارته منصةً تُستخدم لشراء وبيع المخدرات وغيرها من المواد غير المشروعة.

وقد صدر عفوٌ عنه مع بداية ولاية ترامب الثانية، حيث كان من بين مؤيدي أولبريشت شبابٌ محافظون وليبرتاريون، غالبيتهم من الذكور، والذين أصبحوا كتلةً سياسيةً مهمةً لترامب.

كذلك، يرتبط بعض المشمولين بالعفو بعلاقاتٍ ماليةٍ مع الدائرة المحيطة بترامب. فقد تبرع تريفور ميلتون، مؤسس شركة «نيكولا» لصناعة الشاحنات الكهربائية، والذي أُدين بالكذب على المستثمرين عام 2022 وحصل على عفوٍ في مارس، بما يقارب مليون دولار لمجموعةٍ كانت تدعم حملة ترامب الرئاسية لعام 2024.

وصرح ميلتون لصحيفة «فايننشال تايمز» بأن محاميه تقدموا بطلب العفو عبر القنوات الرسمية، والذي «تمت معالجته في الوقت المناسب بناءً على وقائع تُثبت براءتي».

وأضاف أن العفو عنه وتبرعاته مسجلة في السجلات العامة، مؤكداً أنه «لا توجد أي صلة بين الأمرين».

يشار كذلك إلى أن براد بوندي، المحامي في شركة بول هاستينغز والذي مثل ميلتون خلال قضيته الجنائية التي رُفعت ضده عام 2021، هو شقيق بام بوندي، وزيرة العدل في إدارة ترامب.

وهذا الأسبوع، أبلغت مجموعة من الديمقراطيين في الكونغرس وزارة العدل عن «مخاوف جدية» بشأن «نمط مقلق» من التدخلات في القضايا التي يشارك فيها براد بوندي «والتي يحابى فيها موكوه باستمرار»، بما في ذلك قضية ميلتون.

لكن من المهم الإشارة أيضاً إلى أنه لا يزال بعض المجرمين المدانين البارزين غير مشمولين بالعفو رغم تبنيهم مواقف داعمة للإدارة.

فقد صرح بوب مينينديز، عضو مجلس الشيوخ والديمقراطي السابق عن ولاية نيوجيرسي، والذي أُدين بتهم رشوة بعد قبوله سبائك ذهبية مقابل نفوذه، بأنه يأمل أن «»يُطهّر ترامب المستنقع» الذي أدى إلى إدانته.

وقد صور نفسه كضحية لنظام قضائي فاسد، ولكنه لا يزال في السجن. واستعان شريكه في القضية، فريد دايبس، بكيث شيلر، الحارس الشخصي السابق لترامب والمسؤول السابق في البيت الأبيض، مقابل مليون دولار، سعياً وراء «إعفاء تنفيذي». وصرح محامي دايبس لصحيفة فايننشال تايمز بأن موكله لم يعد يعمل مع شيلر.