ريتشارد ووترز
يلجأ بعض المحللين الماليين الآن إلى روبوتات المحادثة لدراسة المخاطر والعوائد المحتملة للبرامج استثمارية.. المهمة التي كانت تستغرق ما يزيد على 50 دقيقة تُنجز في 10 دقائق فقط.
هذه إحدى الحالات الواقعية التي تقول شركة أنثروبيك، المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، أنها رصدتها مؤخراً عندما طلبت من روبوت المحادثة «كلود» تحليل كيفية استخدامه في العمل.
لكن إثبات كيفية تحويل مهام كهذه إلى قيمة تجارية حقيقية لأصحاب العمل ليس بالأمر السهل.
ومن المتوقع أن يصبح هذا أحد المحاور الرئيسة في المنافسة بين شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة في عام 2026.
وقد صرّح سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» مؤخراً أن شركته تُحوّل تركيزها نحو عملاء المؤسسات سعياً منها لزيادة إيراداتها، وهو سوق أثبتت شركة «أنثروبيك» تفوقها فيه حالياً.
وهكذا، فإنه حتى لو بدأ العاملون استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في العمل، فإن معظم الشركات لا تستطيع بعد قياس ما إذا كانت هذه التقنية تُحسّن أداء الموظفين بشكل فردي، ناهيك عن تتبع أي مكاسب في الإنتاجية على مستوى الشركة ككل.
يُعدّ البحث عن آثار تقنية جديدة كالذكاء الاصطناعي على الاقتصاد ككلّ أكثر صعوبة. ومن المعروف أنه من الصعب تحديد تأثير تكنولوجيا المعلومات على إنتاجية العمل الإجمالية من البيانات الرسمية.
ولم يظهر تأثير التقنيات الرقمية في البيانات الاقتصادية الأمريكية لسنوات، إلى أن بدأ نمو الإنتاجية بالارتفاع باطراد بعد أواخر التسعينيات.
ومع ذلك، وبحلول بداية هذا العقد، تراجع النمو إلى مستواه السابق، عند نحو 1.5% سنوياً.
والخبر السار لشركات الذكاء الاصطناعي والمستثمرين فيها هو أن الكثيرين بدأوا بالفعل استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في حياتهم العملية.
فمثلاً، تلخيص التقارير المطوّلة، وصياغة العروض التسويقية، وتحليل البيانات المالية، هي أمثلة على ما جرّبه العاملون للمرة الأولى هذا العام.
وإذا ما انتشرت أيٌّ من هذه الاستخدامات على نطاق واسع، فإنه يمكن أن تكون آثارها على استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي كبيرة.
حتى الآن، يبرز للذكاء الاصطناعي التوليدي تطبيق رائد واحد في العمل، وهو مساعدو البرمجة الذين يستخدمهم مطورو البرامج، فقد كانت آثاره ضخمة بالفعل.
وعلى سبيل المثال، فإنه في مايو من هذا العام، كانت 11% من جميع الرموز التي تولدها النماذج اللغوية الكبيرة مرتبطة بهذه البرمجة، وفقًا لدراسة أجرتها شركة «أوبن راوتر» حول استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي، لكن بحلول نوفمبر، ارتفعت هذه النسبة إلى نحو 50%.
ويعتقد عدد كبير من العاملين أنفسهم أن الذكاء الاصطناعي بدأ يُحسّن من كفاءتهم.
ففي وقت سابق من هذا الشهر، ذكرت «أوبن ايه آي» أن العاملين الذين شملهم استطلاعها وجدوا أن الذكاء الاصطناعي يوفر لهم ما بين 40 و60 دقيقة يومياً.
ونحو 2.2 ساعة أسبوعياً، وهو تقدير كان يعتقد العاملون أنهم يوفرونه في دراسة مماثلة أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس قبل عام.
ويُعدّ هذا النوع من التقييم شديد الذاتية، مما يجعل دراسة «أنثروبيك» للمهام الواقعية أكثر دلالة، فاستناداً إلى 100.000 محادثة متعلقة بالعمل، قدّر روبوت المحادثة «كلود» أن الذكاء الاصطناعي يُقلّص 65 دقيقة من أصل 85 دقيقة تستغرقها المهمة في المتوسط.
ومع ذلك، فإن إظهار البراعة في المهام الفردية لا يُترجم مباشرة إلى ميزة تنافسية للعملاء، وهو ما تُقرّ به «أنثروبيك» نفسها.
ولا تُظهر الأرقام، على سبيل المثال، حجم العمل الإضافي المبذول في التحقق من مخرجات روبوتات المحادثة، أو كيف تؤثر الجودة الإجمالية على النتائج.
كذلك، فإن سهولة وسرعة الحصول على نتيجة من روبوت المحادثة قد تدفع الموظفين إلى إنتاج المزيد من التقارير أو رسائل البريد الإلكتروني، مما يؤدي إلى تراكم العمل غير المُنتج.
ولا يستطيع «كلود» أيضاً تحديد كيفية استغلال الموظفين للوقت الذي وفرته لهم التكنولوجيا.
ومن عيوب هذا النهج أيضًا أن التحليلات القائمة على المهام، والتي تُمثل جوهر معظم الدراسات حول تأثير التكنولوجيا على الإنتاجية، لا تُجسد واقع الحياة العملية. فبالنسبة لمعظم العاملين، لا ينقسم العمل إلى أجزاء منفصلة ومستقلة.
وكما تقر «أنثروبيك»، فإن النظر إلى المهام الفردية بمعزل عن بعضها البعض لا يُجسد المعرفة الضمنية والعلاقات الشخصية التي تؤثر على كيفية إنجاز العمل، أو الروابط بين المهام المختلفة.
ويبدو أن ذلك يفسر النتائج غير المتوقعة لإحدى الدراسات التي أجريت هذا العام، .
والتي وجدت أن مجموعة من المطورين ذوي الخبرة احتاجوا إلى وقت أطول بنسبة 19% لإنجاز مهمة ما عند استخدامهم أداة برمجة تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
إن الفوائد الكاملة للذكاء الاصطناعي التوليدي لن تتضح تماما إلا عندما تُعيد الشركات تصميم عمليات العمل بالكامل للاستفادة القصوى من هذه التقنية، وعندما تتغلب على الحواجز الثقافية التي لطالما وقفت في طريق هذا النوع من التغيير.
عموماً، فإنه مع بدء الموظفين في تجربة الذكاء الاصطناعي، يبدو واضحاً أن السباق قد انطلق بالفعل.