اللغز الأمريكي: الاقتصاد بخير لكن المستهلكين ساخطون!

روبرت أرمسترونغ - هاكيونغ كيم

الأمور على ما يرام، لكنها تبدو سيئة مجدداً. قبل أسبوعين، وبالنظر إلى تقرير مبيعات التجزئة لشهر سبتمبر، الذي كان ضعيفاً بعض الشيء، ونتائج الربع الثالث لمعظم متاجر التجزئة الأمريكية الكبرى، كان تفسيرنا هو أن «المستهلكين انتقائيون نوعاً ما، ويهتمون بالقيمة. وباستثناء ذوي الدخل المنخفض، فإنهم ليسوا تحت ضغط حاد. واقتصاد المستهلك عادي، وليس في حالة تراجع ملحوظ».

الآن، بعد صدور تقرير الوظائف لشهر نوفمبر وتقرير مبيعات التجزئة المؤجل لشهر أكتوبر، علاوة على بيانات وحكايات أخرى حديثة، نميل إلى تعديل هذا التقييم قليلاً - من «عادي» إلى شيء أكثر إيجابية وإن كان لا يزال غامضاً بعض الشيء. لذلك، سنختار وصفه بأنه «بخير».

ولنبدأ بتقرير التوظيف. كان العنوان الرئيسي محبطاً: فقد ارتفع معدل البطالة إلى 4.6%، لكن الصورة المعدلة لإضافات الوظائف في القطاع الخاص، والتي تتجاهل الاضطرابات في التوظيف الحكومي الفيدرالي، لا تبدو سيئة للغاية.

لا سيما أن تقليص الهجرة وشيخوخة السكان قد خفضا معدل نمو الوظائف «المحايد» بشكل كبير. وقد شهدنا أخيراً اتجاهاً صعودياً.

وكان هناك بعض الأخبار الجيدة في خضم الأخبار السيئة: فقد ارتفع معدل البطالة بسبب عدد مفاجئ من العائدين إلى سوق العمل، بالإضافة إلى العمال المسرحين مؤقتاً. وقد ينعكس هذا الوضع. كذلك، كان هناك أيضاً أخبار سيئة وسط الأخبار الجيدة.

فقد تركزت إضافات الوظائف في القطاع الخاص في نوفمبر بشكل كبير في قطاع الرعاية الصحية، وهو بذلك ليس مؤشراً دقيقاً على قوة الاقتصاد الدوري.

وبلغت إضافات الوظائف في جميع القطاعات الأخرى بضعة آلاف فقط. وبالنسبة للـ 25.000 وظيفة جديدة في قطاع البناء - وهو ثاني شهر قوي في الأشهر الثلاثة الماضية – فهي تقدم مؤشراً إيجابياً على قوة الاقتصاد الدوري.

وإذا انتقلنا إلى مبيعات التجزئة في أكتوبر، فباستثناء مبيعات السيارات والبنزين (التي تأثرت سلباً بانتهاء العمل بالإعفاء الضريبي للسيارات الكهربائية وانخفاض أسعار النفط، على التوالي)، ارتفعت المبيعات بنسبة 0.5% عن شهر سبتمبر، أي بمعدل سنوي يقارب 7%.

ورغم تقلب البيانات، إلا أن النظر إلى المتوسطات المتحركة لثلاثة وستة أشهر يظهر نمواً مطرداً في المبيعات الحقيقية بنحو 5% بالقيمة الاسمية، وربما أكثر من 2% بالقيمة الحقيقية. وهذا أمر جيد.

أما مبيعات المجموعة الضابطة، التي تستبعد السلع المتقلبة كمواد البناء والمواد الغذائية، فقد كانت أفضل؛ كما كان أداء مبيعات التجزئة غير المباشرة قوياً أيضاً. وللتدقيق في التفاصيل، نجد أن المطاعم والحانات شهدت انخفاضاً، مسجلة أسوأ أداء لها منذ فبراير. لذا، ينبغي مراقبة هذا القطاع.

وقد عزز التحسن الطفيف في توقعات مبيعات التجزئة التباين بين ما يفعله المستهلكون وما يصرحون به عن مشاعرهم. بعد موجة من التفاؤل النسبي في عامي 2023 و2024، عاد المستهلكون إلى مستويات السخط والتذمر التي شهدناها آخر مرة في عام 2022، عندما كان التضخم في ذروته وسوق الأسهم في حالة انهيار.

إننا نميل عادة إلى تجاهل جانب المشاعر في البيانات والتركيز على الوظائف والنشاط الاقتصادي، فأرقام الاستطلاعات لم تتأثر سلباً بردود فعل الديمقراطيين المتذمرة - مع أن المستقلين يشعرون بالإحباط أيضاً، وتشير قراءات الجمهوريين إلى بلوغها ذروتها.

وبالنسبة للتضخم، الذي انخفض كثيراً عما كان عليه ولكنه لا يزال مرتفعاً بما يكفي للملاحظة في فئات حيوية، فيثير غضباً حاداً ومستمراً لدى الجميع. مع ذلك، يبقى التباين الصارخ بين ثقة المستهلك والنشاط الاقتصادي مقلقاً، فالذي يشعر به المستهلكون، بشكل جماعي، لا نجده في الأرقام المباشرة.