ما السبب وراء التباين الواضح في أداء شركات التكنولوجيا الكبرى؟

روبرت أرمسترونغ

عند النظر إلى بيانات النفقات الرأسمالية في شركات التكنولوجيا الخمس الكبرى، التي تجري أكبر الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي، من السهل ملاحظة أن نمط زيادة الإنفاق متشابه في جميعها.

إلا أن حجم الزيادة يختلف، فقد ضاعفت مايكروسوفت إنفاقها الرأسمالي للمنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي، وزادت ألفابت وأمازون وميتا إنفاقها ثلاث مرات، أما أوراكل فقد رفعت إنفاقها أحد عشر ضعفاً.

وكان لهذا التفاوت في الإنفاق تأثير متباين على التدفق النقدي الحر في الشركات الخمس، ففي مايكروسوفت وألفابت ينمو التدفق النقدي التشغيلي بقوة كافية، للحفاظ على استقرار التدفق النقدي الحر تقريباً، في ظل زيادة الإنفاق الرأسمالي، أما في ميتا فقد بدأ التدفق النقدي بالتراجع (ومن المتوقع أن يتراجع أكثر في العام المقبل).

وشهدت أمازون، حيث تتسم التدفقات النقدية بتقلبات مستمرة، انخفاضاً حاداً أيضاً، وأخيراً بدأت أوراكل في استنزاف سيولتها النقدية بشكل كامل.

لذلك نرى أن الأسواق، بدلاً من ضخها الأموال بشكل عشوائي في شركات الذكاء الاصطناعي وشركات التكنولوجيا الكبرى، تجري تمييزات تبدو قائمة على توليد السيولة النقدية، ويستمر هذا الأمر في البروز مؤخراً، حيث تراجعت أسهم أوراكل بشدة، بينما تعاني أسهم ميتا، وقد أبدت أسهم ألفابت مرونة نسبية.

ويعود ذلك جزئياً إلى بيعها بأقل من قيمتها الحقيقية سابقاً، بسبب المخاوف بشأن مستقبل أعمال البحث، وقد يستغرب البعض عدم تأثر أسهم أمازون بشكل أكبر، بالنظر إلى انخفاض التدفقات النقدية الحرة، لكنها كانت دائماً تعطي الأولوية لإعادة الاستثمار على الربح.

وهكذا من الواضح أن صبر السوق تجاه أوراكل وميتا قد نفد، فهل سيحدث الشيء نفسه للشركات الثلاث الأخرى قريباً؟

يرى جيسون توماس من شركة «كارلايل» أن ذلك محتمل، ويقول، إن الشركات الخمس قد انتقلت من نموذج برمجيات خفيف الأصول يستحق تقييماً عالياً إلى نموذج أقرب إلى النموذج الصناعي، لكنها لا تزال تقيم بنفس الطريقة.

وعندما كانت هذه الشركات «خفيفة الأصول» كان دفع سبعة أضعاف قيمتها الدفترية منطقياً للغاية.

لكن مع نسب السعر إلى القيمة الدفترية الحالية، فإنه عندما تستحوذ هذه الشركات على أصول مراكز بيانات بقيمة 100 مليون دولار يطلب من المساهمين فعلياً دفع مليار دولار، في المتوسط، مقابل عملية الشراء، فهل هذا منطقي بالمرة؟

إننا إذا افترضنا أن الأصول الثابتة والممتلكات في الميزانية العمومية يجب تقييمها بالتكلفة، وخصصنا مضاعف سعر إلى قيمة قدرها 10 أضعاف لبقية الأصول.

فإن القيمة السوقية لهذه الشركات ستكون بنصف قيمتها الحالية تقريباً، وربما يكون هذا افتراضاً تقييدياً للغاية، لكنه يوفر إطاراً للتفكير في التقييمات في عصر باتت فيه الشركات التي كانت تعتبر «افتراضية» سابقاً بحاجة إلى الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة للعصر الصناعي، مثل استغلال الطاقة الإنتاجية ومعدلات الاستهلاك.

وفي مقابلة حديثة يتبنى البروفيسور آندي وو، الأستاذ كلية هارفارد للأعمال، وجهة نظر معاكسة تقريباً، إذ يرى أن هذه الشركات بدلاً من تغيير نماذج أعمالها جذرياً فقد اتبعت استراتيجية ذكية، ومتحفظة في مجال الذكاء الاصطناعي.

لقد هيأت نفسها جيداً للاستفادة من صعود الذكاء الاصطناعي، لكنها لن تتكبد خسائر كبيرة إذا جاء نمو الذكاء الاصطناعي بوتيرة أبطأ من المتوقع.

ويقول: «أسندت مايكروسوفت معظم عمليات الذكاء الاصطناعي إلى طرف ثالث، وهو «أوبن أيه آي»، أما أمازون فستدعم أي نموذج ذكاء اصطناعي.

وقد أنفقت ميتا مليارات الدولارات لبناء نموذج ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر، تقدمه مجاناً للعالم. وعموماً لا تعتقد هذه الشركات أن تقنية الذكاء الاصطناعي الأساسية تشكل بحد ذاتها مشروعاً تجارياً مجدياً».

ويوضح أنه «بدلاً من ذلك تركز هذه الشركات على الربح من جميع المجالات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وغالباً ما أستخدم تشبيه حمى الذهب، فشركات مثل «أوبن أيه آي» و«أنثروبيك» و«إكس أيه آي» هي في واقع الأمر شركات تنقب عن الذهب.

وبالنسبة إلى «إنفيديا» هي بائع المعاول المحترف، تصمم الرقائق التي يحتاجها منقبو الذهب.

و«ميتا» هي صانع المجوهرات المحترف، فأعمال «ميتا» في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلان والأجهزة القابلة للارتداء والميتافيرس ستستفيد.

وتقدم «مايكروسوفت» بعضاً من خدمات المعاول وصناعة المجوهرات، لكن الأهم أنها ليست منشغلة بالتنقيب عن الذهب. ل

ذلك من المحتمل أن تحقق أمازون ومايكروسوفت وجوجل أرباحاً أقل من الحوسبة السحابية مما تريد إذا تباطأ نمو الذكاء الاصطناعي أو انخفض، لكنها لن تعاني من ضائقة مالية».

ويمكننا تلخيص وجهة نظر آندي وو بالقول، إنه رغم أن إنفاق شركات التكنولوجيا الكبرى على مراكز البيانات كبير إلا أنه يعد مكملاً لنماذج أعمالها الأساسية، التي لا تزال «افتراضية» أو ذات أصول قليلة هي لا تراهن على وجودها في مجال الذكاء الاصطناعي.

بل تنفق لضمان قدرة أعمالها الأساسية على التعايش مع الذكاء الاصطناعي، إذا ما دعت الحاجة، وهذا يعني ضمناً أنه ينبغي تقييم تلك الأعمال الأساسية بمضاعفات عالية للتدفقات النقدية.

لست متأكداً من موقفي من هذا، لكن السؤال المحوري هو: إلى متى سيستمر هذا المستوى المرتفع من الإنفاق؟

ثلاث سنوات أم عشر سنوات أم إلى الأبد؟ مع مرور الوقت سيصبح من الصعب الجزم بأن هذه الأعمال لا تزال، في جوهرها، أعمالاً افتراضية (مرة أخرى، لا ينطبق هذا الأمر بشكل واضح على أمازون، التي لطالما كانت أعمالها تجمع بين الطابع الصناعي والافتراضي)، وليس من الواضح أن أحداً يعرف إجابة هذا السؤال، لأنه يعتمد على كيفية تطور التكنولوجيا وسوقها.

وكما يشير جيسون توماس فإن السوق يعطي شركات التكنولوجيا الكبرى فرصة للشك، لكن مرة أخرى فإنها لا تفعل ذلك بدون تمييز، وهو ما يظهر من الأداء الضعيف لشركتي ميتا وأوراكل.