ما فرص ترامب في ربح قضية العشرة مليارات دولار ضد «بي بي سي»؟

أليستر غراي - سوزي رينغ

نفذ دونالد ترامب تهديده الذي أطلقه الشهر الماضي بمقاضاة هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، مدعياً أن هيئة البث الوطنية البريطانية قد شوهت سمعته في فيلم وثائقي.

ويطالب الرئيس الأمريكي بتعويض قدره 10 مليارات دولار، قائلاً: إن المؤسسة الممولة من المال العام سعت «عمداً وبسوء نية» إلى تضليل المشاهدين في نسخة معدلة من خطاب ألقاه في واشنطن في 6 يناير 2021، عرضها برنامج «بانوراما».

وشهد الفيلم الوثائقي «ترامب: فرصة ثانية؟» دمج بعض تصريحات ترامب من خطابه في مبنى الكابيتول. وألمح البرنامج إلى أن ترامب شجع أنصاره على اقتحام مبنى الكابيتول أثناء مصادقة المشرعين على خسارته أمام جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020. وفي البرنامج، ظهر ترامب وهو يقول لأنصاره «سنتوجه سيراً على الأقدام إلى مبنى الكابيتول» وأنهم «سيقاتلون بشراسة»، وهو تعليق أدلى به في جزء آخر من الخطاب. وفي الواقع، فقد أعقب ترامب تصريحه بشأن السير إلى مبنى الكابيتول بقوله: إن مؤيديه «سيهتفون لأعضاء مجلس الشيوخ والنواب الشجعان».

وتم عرض الفيلم الوثائقي لأول مرة في أكتوبر 2024، أي قبل أكثر من عام. لكنه لم يثر ضجة إلا أخيراً، بعدما تم تسريب مذكرة انتقادية أرسلها مايكل بريسكوت، المستشار المستقل السابق للجنة معايير هيئة الإذاعة البريطانية إلى مجلس إدارتها. ولفت بريسكوت الانتباه إلى البرنامج، متهماً هيئة الإذاعة البريطانية بجوانب تقصير أوسع في تغطيتها، ليس فقط فيما يتعلق بترامب، بل أيضاً بالحرب الإسرائيلية على حماس. وأدى الخلاف الناتج إلى استقالة المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية، تيم ديفي، ورئيسة قسم الأخبار، ديبورا تورنيس. ثم جاء ترامب ليهدد برفع دعوى قضائية في اليوم التالي. وأصدرت الهيئة اعتذاراً، واصفة التعديل بأنه «خطأ في التقدير».

فعلى أي أساس بني ادعاء ترامب؟ في الدعوى القضائية، التي رفعت هذا الأسبوع في محكمة اتحادية بالمنطقة الجنوبية من فلوريدا، قال محامو ترامب: إن طريقة تقطيع الخطاب خلقت سرداً زائفاً. وأضافوا: إن التعديل صور ترامب زوراً على أنه يدعو صراحة إلى العنف والشغب. وقد رفعت الدعوى بناءً على تهمتين قانونيتين: الأولى هي التشهير، والثانية هي انتهاك قانون فلوريدا للممارسات التجارية الخادعة وغير العادلة.

وتستند دعوى التشهير إلى ادعاء أن «بي بي سي» عرضت تصريحات كاذبة «بسوء نية» - وهو مفهوم في قانون التشهير الأمريكي يعني أن الناشر كان يعلم أن التصوير كاذب، أو أنه تصرف باستهتارٍ صارخٍ بالحقيقة. وجاء في الدعوى: «خلافاً لادعاء هيئة الإذاعة البريطانية بأن تقطيعها وتلاعبها وتشويهها للخطاب كان «خطأً تحريرياً» غير مقصود، تشير أدلة قوية إلى أن هذا كان «جهداً متعمداً وخبيثاً». ويدعي محامو ترامب أن التعديل الذي عرضه برنامج بانوراما كان جزءاً من «نمط طويل الأمد» لتشويه صورة ترامب، مستشهدين بمحتوى آخر، بما في ذلك بث ببرنامج «نيوزنايت» الإخباري عام 2022».

ويتعلق الجزء الثاني من الدعوى القضائية بالسلوك التجاري للهيئة، حيث تقول: إن «بي بي سي» تمارس «نشاط التجارة» في فلوريدا، وأن تلاعبها التحريري يعد ممارسة «غير عادلة» بموجب قانون ممارسات التلاعب والفساد في فلوريدا. ويطالب ترامب بتعويضات مالية وعقابية، إذ تزعم الدعوى أنه تكبد «ضرراً اقتصادياً هائلاً لقيمة علامته التجارية، وأضراراً جسيمة لآفاقه المالية المستقبلية». لكن هل للمحكمة اختصاص قضائي؟ وهل شاهد سكان فلوريدا البرنامج أصلاً؟ هذه الأسئلة هي جوهر القضية. ويقول بامبوس تسياتالو، مؤسس شركة ستوكو بارتنرشيب للمحاماة في المملكة المتحدة: «من المرجح أن يكون الاختصاص القضائي هو محور الخلاف الرئيسي في هذه القضية».

وسبق أن رد محامو هيئة الإذاعة البريطانية بعدم اختصاص محكمة فلوريدا بنظر القضية. وأوضحت الهيئة أن الفيلم الوثائقي لم يوزع في الولايات المتحدة، وأن خدمة البث المباشر «آي بلاير» التابعة لها كانت محظورة جغرافياً على المشاهدين. ورد محامو ترامب بأن البرنامج كان متاحاً في فلوريدا لمشتركي «بريت بوكس»، وهي خدمة بث مدفوعة. وأضافوا أيضاً أن المشاهدين ربما استخدموا الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، التي تخفي موقع مستخدم الإنترنت، للتحايل على قيود الحظر الجغرافي. وقالت أديليد لوبيز، المحامية المؤهلة في التقاضي بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة في مكتب ويغين للمحاماة: «سيتعين عليهم إثبات هذا الاستخدام، وقد يكون ذلك صعباً».

وتشير دعوى ترامب أيضاً إلى أن التصوير جرى في منتجع مارالاغو في فلوريدا، وأن لهيئة الإذاعة البريطانية مكتباً في الولاية. ومن المرجح أن يمنع قانون التقادم لمدة عام واحد لدعاوى التشهير ترامب من رفع دعوى قضائية في إنجلترا وويلز. أما في فلوريدا، فمدة التقادم لرفع دعوى تشهير هي سنتان.

في ضوء ذلك كله، ما مدى قوة القضية؟ يشكك العديد من المحامين في فرص فوز ترامب في المحكمة. ووصف جيفري سميل، رئيس قسم النزاعات الإعلامية والاتصالات في شركة «سيمونز مويرهيد بيرتون»، الادعاء بأنه «مبالغ فيه، وأن لدى «بي بي سي» أسباباً وجيهة للدفاع عن موقفها». وأضاف سميل أن الرئيس الأمريكي «سيواجه صعوبة في إثبات وقوع ضرر حقيقي»، مشيراً إلى أن ترامب «لم يكن على علم بالمقطع المعدل في ذلك الوقت»، وأن ذلك «من الواضح أنه لم يؤثر بشكل كبير على انتخابات 2024 لأنه فاز بها».

مع ذلك، فقد سبق لترامب أن حقق بعض النجاح في الحصول على تسويات في دعاوى قضائية منفصلة ضد وسائل إعلام أمريكية. فقد وافقت شركة باراماونت، المالكة لشبكة «سي بي إس» على دفع 16 مليون دولار لتسوية دعوى التشهير التي رفعها ترامب بشأن مزاعم قيام الشبكة بتعديل لقطات من مقابلة مع كامالا هاريس، منافسته الديمقراطية في انتخابات 2024، لجعلها تبدو أكثر تماسكاً. كما رفع ترامب دعوى قضائية ضد شبكة «إيه بي سي» بتهمة التشهير بسبب تعليقات أدلى بها جورج ستيفانوبولوس، أحد أبرز مذيعيها، على الهواء مباشرة. ووافقت الشبكة على دفع 15 مليون دولار لتسوية الدعوى. وقال إيان ويلسون، الشريك الإداري في شركة بريت ويلسون المتخصصة في قوانين الإعلام: إن ترامب «لا شك أنه يأمل في أن يؤدي الضغط على هيئة الإذاعة البريطانية محلياً ودولياً إلى تسوية مرضية سياسياً وشخصياً». وأضاف: «من الواضح أن الهيئة ستضع في حسبانها تكلفة الدفاع ضد دعوى قد يطول أمدها، حتى لو كانت تعتقد أن لديها فرصة جيدة للفوز بها».

وقالت هيئة الإذاعة البريطانية: «كما أكدنا سابقاً، فإننا سندافع عن هذه القضية. ولن ندلي بمزيد من التعليقات حول الإجراءات القانونية الجارية». وقال مكتب رئيس الوزراء البريطاني: إنه «سيدافع دائماً عن مبدأ وجود هيئة إذاعة بريطانية قوية ومستقلة»، مضيفاً أن «أي إجراء قانوني هو شأن يخص هيئة الإذاعة البريطانية نفسها».

وقال دومينيك كروسلي، رئيس قسم تسوية المنازعات في شركة «باين هيكس بيتش»: إنه «من وجهة نظر محامٍ بريطاني، تبدو الدعوى مبالغاً فيها بشكلٍ مثير للسخرية، ومن غير المرجح أن تصمد أمام التدقيق القانوني الجاد». لكنه حذر من أن الدعوى تعني أن هيئة الإذاعة البريطانية «يتم جرها إلى ولاية فلوريدا، وهي ولاية غير مألوفة لها، وتعتبر معقلاً للمدعين، وتعد معقلاً لخصمها في القضية». وذكر كروسلي بأن: «ترامب نجح في تحقيق تسويات إيجابية من بدايات أقل تفاؤلاً».