محمد العريان - أستاذ بكلية وارتون وكبير المستشارين الاقتصاديين في أليانز ورئيس مجلس إدارة غرامرسي لإدارة الصناديق
من الممكن أن يكون التأثير الفوري لخيار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المرتقب لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي على الأسواق أقل حدة مما يزعم البعض، لكن في المقابل، قد يكون التأثير طويل المدى على أهم بنك مركزي في العالم أكثر خطورة.
ومع إشارة الرئيس أخيراً إلى أنه سيعلن عن اختياره مطلع العام المقبل، انصب التركيز على التوقعات بأن يكون رئيس الاحتياطي الفيدرالي الجديد أكثر استعداداً لخفض أسعار الفائدة من الرئيس الحالي، جيروم باول. وينطبق هذا بشكل خاص على كيفن هاسيت، الذي برز بصفته الأوفر حظاً بين المرشحين الخمسة المدرجين في القائمة المختصرة، ويعتبر الأكثر ميلاً إلى التيسير الكمي.
وقد دفع هذا البعض إلى القول: إن تعيينه، على وجه الخصوص، من شأنه أن ينذر بتحول في أسعار السوق، بما في ذلك انخفاض عوائد السندات الحكومية قصيرة الأجل، وضعف الدولار، وارتفاع توقعات التضخم. وهذا الأمر الأخير من شأنه أن يوسع الفجوة بين أسعار الفائدة قصيرة وطويلة الأجل.
وهناك سببان يجعلان من المرجح أن تكون مثل هذه التحركات السوقية، إذا تحققت عقب الإعلان (وهو أمر مستبعد للغاية)، غير مستدامة إذا استندت فقط إلى المرشح، بغض النظر عن هويته.
أولاً، تميل الأسواق إلى الكفاءة في تسعير الأخبار قبل الإعلان عنها. وقد كان كيفن هاسيت بالفعل المرشح الأوفر حظاً في أسواق التنبؤ، وبفارق كبير.
ثانياً، وهو الأهم، سيحتاج أي رئيس جديد وقتاً حتى يتمكن من فرض سلطته على لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية المسؤولة عن وضع السياسات، والتي أصبحت أكثر انقساماً، وتفتقر إلى رؤية استراتيجية موحدة في ظل تعاملها مع إشارات متضاربة تهدد كلا جانبي التفويض المزدوج للبنك المركزي- تحقيق أقصى قدر من التوظيف واستقرار الأسعار، بالإضافة إلى معالجة مخاوف الاستقرار المالي.
وسيرث الرئيس القادم أيضاً لجنة اعتمدت بشكل مفرط على البيانات التاريخية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسات. وهذا يصعب من التعامل مع بعض الأسئلة الشائكة، مثل أسباب ضعف سوق العمل. علاوة على ذلك، يجب على الرئيس الجديد أن يوجه لجنة تضم أعضاء حساسين تجاه أي ادعاء بالخضوع للضغوط السياسية، وقد يقاومون حتى رئيساً جديداً حازماً.
كل ذلك يشي بأن التأثير الفوري للتعيين على السوق قد يكون أقل مما يتوقعه الكثيرون. ومع ذلك، يمكن للتأثير على المدى الطويل أن يكون عميقاً. ومن الواضح أن جميع المرشحين المختارين يدركون تماماً الحاجة الملحة لإصلاح الاحتياطي الفيدرالي – الذي بات يمثل مؤسسة تعثرت في السنوات الأخيرة في تحليلاتها وتوقعاتها وتنفيذ سياساتها وتواصلها. والتوقعات المتذبذبة الأخيرة للقرار الذي سيتم إعلانه اليوم لا يمكن أن تكون سمة مميزة لإطار عمل سياسي راسخ أو توجيهات استباقية فعالة بشأن السياسات.
كذلك، فقد تفاقم الضرر الذي لحق بالسمعة بسبب قضايا الحوكمة، بما في ذلك مزاعم سوء السلوك المالي ضد العديد من المسؤولين في السنوات الأخيرة، على الرغم من أن بعض الأنشطة المزعومة لم تثبت مخالفتها للقوانين، بينما لم يثبت البعض الآخر بالمرة.
نتيجة لذلك، أصبح الاحتياطي الفيدرالي أكثر عرضة للهجمات السياسية من اليسار واليمين على حد سواء. أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب في أكتوبر أن 9% فقط من الأمريكيين اعتبروا أداء الاحتياطي الفيدرالي «ممتازاً»، مقارنة بـ 27% منحوه تقييماً «ضعيفاً»، و35% منحوه تقييماً «مقبولاً».
إذن، يتعين على الرئيس القادم لمجلس الاحتياطي الفيدرالي التركيز على إصلاحات تعزز أداءه، وبالتالي تحمي استقلاليته. وقائمة المطالب طويلة، وتشمل طريقة تحديد هدف التضخم، وتعديل نشر «مخطط النقاط» الذي يظهر توقعات صانعي السياسات بشأن أسعار الفائدة، وممارسات التواصل الأخرى. كما يحتاج المجلس إلى تحديث إدارة الميزانية العمومية، وتعزيز المساءلة، وترسيخ ثقافة الامتثال. كما يتطلب الأمر التحول من الهوس بإدارة الطلب في الاقتصاد إلى إيلاء اهتمام أكبر لتطورات جانب العرض.
في نهاية المطاف، فإننا نعيش فترة من التغيير الهيكلي الكبير - من تجزئة النظام الاقتصادي العالمي إلى صعود الذكاء الاصطناعي – وهي لم تعالجها نماذج الاحتياطي الفيدرالي ذات النظرة الرجعية بشكل كافٍ، بل لا يمكنها معالجتها.
هذه هي التغييرات التي ستحدث فرقاً مستداماً في الاقتصاد الأمريكي. لذلك، إذا استطاع الرئيس الجديد للمجلس دفع الاحتياطي الفيدرالي نحو الأمام، فسيكون قد حقق إنجازاً أهم بكثير من مجرد خفض أسعار الفائدة. وسيستعيد فعالية ومصداقية مؤسسة ضرورية للغاية لتوجيه الاقتصاد خلال هذه الأوقات المتغيرة.
