رنا فوروهار
تشير مجموعة كبيرة من الأدلة التجريبية إلى أن الدول ذات مستويات الفساد المرتفعة تعاني من ضعف في النمو وعوائد أسعار الأسهم، علاوة على مستويات أعلى من التقلبات الاقتصادية والسوقية. فما الذي يمكن فهمه إذن من حقيقة أن رأسمالية المحسوبية أصبحت الآن سمة بارزة من سمات السوق الأمريكية؟
فمن تطبيق اللوائح التنظيمية بشكل مستهدف، إلى استثناءات بالتعريفات الجمركية، وعقود ممنوحة للأصدقاء والعائلة، وغيرها من أشكال المساومات بين إدارة ترامب ودول وشركات حول العالم، يصعب القول إن «احتكار القلة» لا يتزايد في أمريكا.
على سبيل المثال، يمتلك ديفيد ساكس، خبير الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة في إدارة ترامب، مئات الاستثمارات التكنولوجية التي يتوقع أن تستفيد من سياسات ترامب. والسؤال المهم هو متى وكيف يتم حساب المخاوف الأخلاقية في أسعار الأصول الأمريكية؟
وقد قدّمت رسالة حديثة للمستثمرين حول هذا القضية من شركة الاستشارات الاستثمارية «جيه سي جودجال» إطارا مفيدا للتفكير في مختلف عوامل الأوليغارشية الفاعلة في أمريكا حاليا. وتُحدد الرسالة خمسة جوانب للمعاملات في ظل إدارة ترامب، بما في ذلك دخول الحكومة كمستثمر (مثلما حدث في حالة إنتل)، واستخدام التعريفات الجمركية كأداة سياسية، والنظام المتساهل للعملات المشفرة، والقوة غير المسبوقة للمانحين، والصفقات الرئيسية لجهات فاعلة مفضلة في السوق.
وفي حين أن أذرع عائلة ترامب قد شقت طريقها إلى العديد من القطاعات، من التمويل والتكنولوجيا إلى العقارات والدفاع، فإن الأصول الرقمية ربما تكون المكان الأكثر وضوحا لتضارب المصالح الذي قد يُلحق الضرر بالاقتصاد ككل.
وهناك على سبيل المثال مؤيدو ترامب مثل الأخوين وينكلفوس، اللذين اتُهمت منصتهما «جيميني» ببيع أصول غير مسجلة خلال إدارة بايدن، فقط ليتم تسوية الأمر مع هيئة الأوراق المالية والبورصات هذا العام. ويُعد التوأم وينكلفوس من كبار المتبرعين الجمهوريين (حتى أنهما ساهموا في بناء قاعة رقص جديدة في البيت الأبيض). لذلك، ليس من المستغرب أن يتم دمج منصتهما نفسها بشكل أعمق وأسرع في البنية التحتية للعملات المشفرة الأمريكية مقارنة مع العديد من المنافسين الآخرين. وهذا الخريف، أعلنت جيميني عن شراكة مع ناسداك.
لا شيء من هذا مفاجئ؛ في الواقع، لقد أصبح ذلك يشكل خلفية لهذه الإدارة. لكن عاجلاً أم آجلاً، فإن الواقع فكرة «الدفع مقابل اللعب» سيكون له بلا شك تأثير ملموس على السوق. وكما تشير رسالة «جيه سي جودجال»، فإنه عندما يبدو دليل القواعد قابلاً للتعديل بما يتناسب مع الجهات الفاعلة ذات العلاقات الوثيقة، تبدأ الأسواق في تضمين توقعات المعاملة التفضيلية في حساباتها. وهذا التوقع، بدوره، يُشوّه تكوين رأس المال، ويوجه التدفقات نحو الشركات التي يُنظر إليها على أنها «محمية سياسياً» لتبتعد بذلك عن المبتكرين الأصغر حجماً الذين يمتلكون تكنولوجيا مماثلة أو ربما أفضل، لكن لديهم إمكانية أقل للوصول.
ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن كل هذا لا يحدث على أطراف النظام المالي، بل يحدث في قلبه. لذلك، باتت البنوك الكبيرة التي كانت تتجنب العملات المشفرة سابقاً، تُقرض الآن بضمان حيازات عملائها من العملات المشفرة. ويفكر تجار التجزئة في إصدار عملاتهم الخاصة.
والعملات المشفرة متقلبة. وخلال الأسابيع القليلة الماضية وحدها، خسرت شركات العملات المشفرة حوالي تريليون دولار من قيمتها السوقية، مما أدى إلى محو المكاسب المحققة منذ بداية العام. وهذا يتماشى مع تقلب الأصول والنمو المعتاد في الجوانب التي تكون فيها مؤشرات الفساد أعلى.
والسؤال الآن هو كيف لكل هذا أن ينتهي؟ سينتهي كل هذا. لأنني أراهن أنه في مرحلة ما، ستؤدي أزمة العملات المشفرة في الولايات المتحدة إلى تباطؤ في السوق، يتفاقم بسبب بيع سندات الخزانة من قِبل منصات العملات المشفرة الكبرى التي تمتلك الآن عدداً من هذه السندات يعادل ما تمتلكه بعض الدول (على سبيل المثال تمتلك «تيثر» عدداً أكبر من السندات من ألمانيا أو كوريا الجنوبية). وفي ظل الأوضاع الجيوسياسية الراهنة، يمكن أن تُسارع الصين وغيرها من خصوم الولايات المتحدة إلى بيع سندات الخزانة أيضاً، مما قد يفاقم الأوضاع كثيراً.
وسيكون لهذا النوع من التباطؤ المالي تأثير أكبر على الاقتصاد الحقيقي مقارنة بالماضي. فالأمريكيون ليسوا الآن أكثر انكشافاً على الأسواق من أي وقت مضى فحسب، بل إنهم أيضا يدخرون أقل مما كانوا عليه قبل جائحة (كوفيد 19). وفي الوقت نفسه، فإن دورة السوق الطبيعية قد تمددت كثيراً - بغض النظر عن الانخفاض القصير على شكل حرف V الذي شهدته الجائحة. فقد مرت 15 عاماً منذ أن شهدت الولايات المتحدة والعالم ركوداً متزامناً. ويعني ذلك أن أي تباطؤ سيكون له على الأرجح تأثير أكبر من الانكماشات السابقة.
لكن ما هي التداعيات السياسية لكل ذلك؟ سيكون هناك مزيد من الشعبوية في الداخل، بالتأكيد، وربما أيضاً بعض التغييرات الجذرية في النظام المالي العالمي. وعلى سبيل المثال، أتخيل أن الصين وحلفاءها قد يستغلون هذه اللحظة للتوجه إلى صندوق النقد الدولي والتفاوض على الانتقال من النظام المدعوم بالدولار إلى نظام أكثر توازناً عالمياً. ومن المؤكد أن الدفاع عن هذا التحول سيكون أسهل إذا كان ينظر إلى هذا النظام على أنه معرض للخطر سياسياً.
وعموماً، فإنه في حين أن رأسمالية المحسوبية قد تحقق مكاسب قصيرة الأجل للبعض، إلا أن تكاليفها على المدى الطويل ستكون باهظة للغاية.
