كاتي مارتن
يخفي الصعود القوي للأسهم الأمريكية هذا العام، ومعه التقلب المقلق في مواقف السياسة الرئاسية للبلاد، أحد أهم تحولات الأسواق العالمية في عام 2025 وهو أن بقية العالم تسابق أمريكا ويمكن أن تتفوق عليها.
وعادة ما يكون مديرو الصناديق من أصحاب الفكر العميق والذكاء الواضح، لكن الحقيقة هي أنهم - والصحفيون كذلك - لا يركزون عادة إلا على موضوع رئيسي واحد في كل مرة، أو تحت الضغط على موضوعين رئيسيين، وبعيداً عن ذلك، قد يصعب على التحولات الكبيرة في ديناميكيات السوق أن تبرز إلى السطح.
وهذا العام، من أبرز القصص التي تستحق بالتأكيد أن تجذب الانتباه هي تلك الانطلاقة المذهلة للأسهم الأوروبية. ويتصدر مؤشر «إيبكس» الإسباني قائمة هذه التحولات، حيث ارتفع بنسبة تزيد قليلاً على 40% هذا العام - وهي أكبر قفزة في أكثر من ثلاثة عقود - ليصل إلى مستوى قياسي. وفي إيطاليا كذلك، ارتفعت الأسهم بأكثر من 26%، وحققت فرنسا ارتفاعاً ضئيلاً نسبياً بنسبة 10 %.
ويجعل انخفاض الدولار في بداية هذا العام هذا الأمر أكثر دراماتيكية. والمستثمر غير المتحوط والمعتمد على الدولار الأمريكي كان ليحقق على مؤشر كاك 40 الفرنسي مكاسب بنسبة 23 % - وهي نسبة أعلى بكثير من نسبة 17 % في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأمريكي، كما كان له أن يحقق في إسبانيا ارتفاعاً بنسبة تقارب 60 %. على النقيض من ذلك، شهد المستثمر المعتمد على اليورو عوائد من مؤشر ستاندرد آند بورز بنسبة 4 % فقط.
فهل ترى البيروقراطيين الأوروبيين يضربون صدورهم وهم يصرخون بأن أوروبا موطن لبعض أكثر الأسواق إثارة في العالم؟ لا، على الإطلاق. بدلاً من ذلك، فإنهم فقط يأسفون على نقص الإصلاحات والتقدم نحو سوق رأس مال موحد حقاً. وهم قلقون بشأن النقص النسبي في معدلات النمو الاقتصادي، إنهم محقون في فعل ذلك لكن القليل من الحماس لـ«جعل أوروبا عظيمة مرة أخرى» لن يكون خطأ.
ومن المفارقات العجيبة أن الأوروبيين هم أكثر من يهاجمون أوروبا بشدة، ويشككون في قدرتها على إحداث التغيير. وتقول كارين وارد، كبيرة استراتيجيي السوق لأوروبا في «جيه بي مورغان» لإدارة الأصول: لا أستطيع أن أصف مدى رسوخ هذا الشعور. يكاد يكون من المستحيل العثور على أي متفائل بشأن النمو الاقتصادي في أوروبا، كما أننا شهدنا العديد من رؤى «الفجر الكاذب». ولكن كما تشير وارد، فإن ألمانيا على وشك الشروع في إنفاق مبلغ يعادل 12% من ناتجها الاقتصادي السنوي على مشاريع الدفاع والبنية التحتية، ومن الصعب جداً أن نرى كيف لا يترجم ذلك إلى بيئة أكثر إشراقاً للنمو في ألمانيا وحول القارة.
ويقول الاقتصاديون في بنك بي إن بي باريبا الفرنسي، إن نظرتهم الإيجابية للنمو الأوروبي هي إحدى الدعوات غير المتوافق عليها لعام 2026، مشيرين إلى أن الشكوك حول قدرة ألمانيا على إنفاق أموالها بسرعة، مع تحقيق الأثر المنشود المتمثل في انسياب العائدات إلى بقية الاقتصاد، هي السبب الرئيسي وراء من يعارضون هذه النظرة. وقال لويجي سبيرانزا، كبير الاقتصاديين في البنك، في عرض قدمه منذ أيام: «نحن نحافظ على الموقف القائل إن (أوروبا) سوف تفاجئنا بالارتفاع في العام المقبل».
ويضيفون: «إن قناعتنا هي أن التحفيز المالي سيكون أكثر فاعلية مما يفترضه الناس، وإن التقشف المالي الذي أعاق أوروبا، خصوصاً بالمقارنة مع الولايات المتحدة، في أعقاب الأزمة المالية الكبرى، أصبح شيئاً من الماضي.
والآن، تتمتع البنوك الأوروبية بوضع ممتاز». كما ارتفع مؤشر البنوك على «ستوكس 600» بنسبة تقارب 60 % هذا العام. كذلك هناك إنفاق واضح من جانب الحكومات، وحتى الخلل السياسي الدائم في فرنسا لم يتمكن من كبح الأسواق.
وهكذا، تستمر أسباب التفاؤل في التراكم، وقد جاء ارتفاع الأسهم هذا العام بنكهة مضاربة غير عادية. ولذلك، يشير ويليام سيلز، كبير مسؤولي الاستثمار العالمي في بنك «إتش إس بي سي» إلى أن صعود الأسهم الأمريكية يعد «أكثر صحة»، لأنه استمد قوته من أرباح الشركات. أما في أوروبا، في المقابل، فقد جاءت المكاسب من التوسع المتعدد - استعداد المستثمرين لدفع المزيد مقابل الشيء نفسه في الأساس.
ويمكنك قراءة ذلك بإحدى طريقتين: الأولى هي أن القليل من حماس المضاربة يحدث فرقاً كبيراً في الأسواق الصغيرة نسبياً، كما أن نسب السعر إلى الأرباح لا تزال بحاجة إلى اللحاق بالولايات المتحدة، أما الخيار الآخر فهو أن نكون أكثر تشاؤماً، وأن ننظر إلى الأداء الأوروبي المذهل هذا العام على أنه مجرد ومضة عابرة، وأن نواصل استثمار رأس المال في آلة توليد الأرباح التي تمثلها معجزة التكنولوجيا الأمريكية.
يخبرني مديرو الأصول أن ما يحدث في أوروبا يبقى في أوروبا، حيث لم يدرك المستثمرون الأمريكيون ما يحدث هناك، أو في آسيا تحديداً، والتي قد تنهي أيضاً عام 2025 بمكاسب مذهلة.
وقال ويليام سيلز: «سادت فترة وجيزة من التفاؤل بشأن أوروبا»، خصوصاً في الوقت الذي أعلنت فيه ألمانيا عن توسعها المالي الضخم في ربيع هذا العام، والذي كان الكثير منه بطيئاً في التحرك.
وأضاف أن اهتمام متعامليه بأوروبا لا يزال ضعيفاً نسبياً، بينما لا تزال الولايات المتحدة تتمتع بميزة «النجم» التي تولد حالة من الخوف الواضح من فوات الفرصة.
عموماً، بالنسبة للمستثمرين داخل الولايات المتحدة وخارجها، يعد تعزيز استثماراتهم في أسهم بقية دول العالم أمراً منطقياً للغاية، سواء من حيث أداء السوق أو من حيث تجنب خطر المزيد من انخفاض قيمة الدولار. وما تحتاج إليه أوروبا الآن هو القليل من الخوف الشديد من فوات الفرصة.