حان وقت دق ناقوس الخطر لتنامي المخاطر المالية العالمية

مارتن وولف
قبل الأزمة المالية 2007 - 2009، اكتسب بنك التسويات الدولية شعبية لدى السلطات النقدية حول العالم بعدما أشار إلى المخاطر الناجمة عن السياسات النقدية التيسيرية، والإفراط في استخدام الرافعة المالية، وارتفاع أسعار الأصول، وغياب الشفافية. 

لكن تم تجاهل هذه التحذيرات، وكانت النتيجة أزمة مالية كارثية، لم تسبب ركوداً اقتصادياً هائلاً فحسب، بل خلّفت أيضاً إرثاً من الدين العام المرتفع والسياسات الشعبوية.

مرة أخرى، يدق بنك التسويات الدولية ناقوس الخطر.

وقد أعرب عن قلقه إزاء المخاطر المالية منذ فترة، لكن الأسبوع الماضي فقط، قدم مديره العام، بابلو هيرنانديز دي كوس، المحافظ السابق لبنك إسبانيا، تقريراً صادماً عن «التهديدات المالية في ظل نظام مالي عالمي متغير».

وهو ينطلق هنا من حقيقة أن نسب الديون السيادية إلى الناتج المحلي الإجمالي في العديد من الاقتصادات المتقدمة بلغت أعلى مستوياتها بعد الحرب العالمية الثانية. وفي غياب تسارع النمو الاقتصادي المدعوم بالذكاء الاصطناعي، هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن هذه النسب ستستمر في الارتفاع.

وتشمل الأسباب احتمال حدوث المزيد من الصدمات الاقتصادية (بما في ذلك أزمة مالية أخرى)، وارتفاع عوائد السندات الحكومية، وشيخوخة السكان، والعداء للهجرة، وعدم الرغبة الواضحة في تحمل الألم السياسي الناجم عن كبح العجز المالي، والعديد من الضغوط الأخرى، لا سيما باتجاه زيادة الإنفاق على الدفاع.

ويُعدّ ارتفاع الدين العام أحد المخاوف. كما أن كيفية تمويله مصدر قلق آخر. وهذا جزء من تغيير أكبر، وهو التراجع النسبي للبنوك وصعود الوسطاء الماليين غير المصرفيين ضمن الحيازات العالمية للأصول المالية.

وهكذا، ارتفعت نسبة حيازات المؤسسات المالية غير المصرفية من الأصول المالية إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار 74 نقطة مئوية بين عامي 2008 و2023، بينما ارتفعت نسبة البنوك بمقدار 17 نقطة مئوية فقط.

ويُحذّر هيرنانديز دي كوس، من أن اقتران تزايد إصدار السندات الحكومية مع انكماش البنوك بعد الأزمة المالية قد خلق فجوة تتنامى باطراد بين المعروض من السندات الحكومية وأصول تجار البنوك اللازمة لدعم قدرة هذه الأسواق الحيوية على الوساطة.

وتشكل المؤسسات المالية غير المصرفية مجموعة غير متجانسة. وهناك فروق جوهرية بين مستثمري «الأموال الحقيقية»، مثل صناديق التقاعد وشركات التأمين، والمضاربين بالرافعة المالية خاصة صناديق التحوط.

فقد زادت المجموعة الأولى من مستثمري القطاع الخاص على المدى الطويل من حيازاتها من السندات الحكومية بشكل كبير، من مبالغ تعادل 82% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2008 إلى ما يزيد على 135% في عام 2023.

وفي الوقت نفسه، زادت صناديق أسواق المال وصناديق التحوط أيضاً من قيمة حيازاتها من 13% إلى 18% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال هذه الفترة.

ويحتاج العديد من هذه المؤسسات المالية غير المصرفية أيضاً إلى التحوط من مخاطر العملات الأجنبية، نظراً لارتفاع حيازاتها عبر الحدود، وهو ما أدى إلى قفزة هائلة في اعتمادها على مقايضات العملات الأجنبية.

فما تأثير هذه التحولات إذن على استقرار أسواق السندات الحكومية التي تعد الأصول المالية المرجعية؟ هناك فائدة واضحة واحدة، وهي أن البنوك أصبحت أقل انكشافاً للمخاطر.

علاوة على ذلك، من الناحية النظرية، يُفترض أن تظل السندات الحكومية أكثر الأصول المالية أماناً، لكن مع تزايد أعباء الديون، يجب أن تصبح أقل أماناً.

كما أنه من المؤكد أن التغيرات في الوعي بالمخاطر ستكون متقطعة: تراخ في يوم، وذعر في اليوم التالي.

بالإضافة إلى ذلك، هناك قلق بشأن قدرة المؤسسات المالية غير المصرفية على تحمل المخاطر وقيود الميزانية العمومية عليها.

وهكذا، تسبب توافق آجال الاستحقاق من قبل صناديق التقاعد وشركات التأمين في حلقات تغذية مرتدة مزعزعة للاستقرار في صدمة سوق السندات الحكومية البريطانية عام 2022.

وهناك أيضاً خطر آخر يتمثل في إمكانية بيع السندات الحكومية بأسعار بخسة من قبل صناديق أسواق المال وغيرها من الوسطاء، حال حدوث اندفاع كبير على عمليات الاسترداد، لأنها الأصول الأكثر سيولة. وأخيراً، يمكن أن تؤدي خسائر العملات الأجنبية إلى هروب رؤوس الأموال وانهيار أسعار السندات.

هذه المخاطر معروفة جيداً الآن. لكن الخطاب يشدد أيضاً على مخاطر أحدث. يتعلق أحدها باستراتيجيات التداول بالرافعة المالية التي تتبعها صناديق التحوط.

فقد تمكنت هذه الأخيرة من اقتراض مبالغ تساوي، أو حتى تفوق، القيمة السوقية لضماناتها، دون أي تخفيضات على القيمة.

وعلى سبيل المثال، تُقدم حوالي 70% من اتفاقيات إعادة الشراء الثنائية التي تبرمها صناديق التحوط بالدولار الأمريكي دون أي تخفيضات على القيمة.

وقد يؤدي ذلك إلى تفاقم صدمات السوق، مع اختفاء التمويل. ومرة أخرى، فإن المستثمرين الأقل استخداماً للرافعة المالية، مثل صناديق التقاعد، معرضون، وفقاً لهيرنانديز دي كوس، «لمخاطر تحويل التمويل بالدولار المرتبطة باستخدامهم لمشتقات العملات الأجنبية».

وباختصار، «باستخدامهم لمقايضات العملات الأجنبية، فإنهم يحولون مخاطر العملة إلى مخاطر استحقاق». الخلاصة هي أن عدم الاستقرار الناجم عن عدم تطابق الرافعة المالية وآجال الاستحقاق لم يختفِ لمجرد أن البنوك أصبحت أقل أهمية مما كانت عليه.

وأحد الحلول هو ما يطلق عليه هيرنانديز دي كوس «التنظيم المُطابق»: فعندما تتشابه نقاط الضعف، ينبغي أن يكون التنظيم كذلك هو الآخر. لكن التباين الشديد بين الأطراف الفاعلة سيجعل هذا الأمر بالغ الصعوبة، لا محالة.

وبشكل أكثر تحديداً، يرى دي كوس ضرورة زيادة استخدام المقاصة المركزية وفرض حد أدنى من تخفيضات القيمة السوقية.

ويحذر من أن تخفيضات القيمة السوقية الصفرية الحالية تسمح لبعض المشاركين في السوق «بالعمل بأقصى قدر يرغبون فيه». ولا يمكن أن ينتهي هذا الأمر على خير.

ويبرز هنا درسان آخران: الأول هو أنه كلما زادت هشاشة المؤسسات المالية غير المصرفية، زادت الحاجة إلى مزيد من الرقابة على استقرار البنوك التي تمولها. والثاني هو الحاجة إلى مزيد من الشفافية. في النهاية، فإن جولة أخرى من الأزمات المالية ستكون بمثابة كابوس، لكن الأمر سيكون أسوأ بكثير لو فقدت الدول جدارتها الائتمانية وأموالها باتت غير سليمة.

ويشير البعض، خطأ، إلى أن الحل يكمن في السماح للبنوك باستبدال المؤسسات المالية غير المصرفية مرة أخرى، فالحل الأفضل بكثير هو جعل مالية الحكومات أكثر أماناً.