ريادة «أوبن أيه آي» مهددة بقوة مع بدء منافسيها تقليص الفجوة

ميليسا هيكيلا - تيم برادشو - جورج هاموند

تتعرض صدارة «أوبن أيه آي» في سباق الهيمنة على الذكاء الاصطناعي لأكبر ضغوط منذ إطلاق «شات جي بي تي» مع تقدم منافسيها خاصة «جوجل» و«أنثروبيك» في مجال هذه التقنية المتطورة.

وبعد ثلاث سنوات من إطلاق روبوت الدردشة الشهير، تواجه الشركة الناشئة، التي تبلغ قيمتها الآن 500 مليار دولار، واقعاً مغايراً مع ارتفاع تكاليف مراكز البيانات، والتحديات التقنية للبقاء في طليعة الذكاء الاصطناعي، خاصة المعركة المستمرة للاحتفاظ بالكفاءات الرئيسية.

كما تشعر الشركة بالتهديد من الانتعاش القوي لجوجل، مع إصدارها الأسبوع الماضي لـ«جيميناي 3»، أحدث نموذج لغوي ضخم من جوجل، والذي يعتبر البعض أنه تجاوز «جي بي تي 5» من «أوبن أيه آي» وحقق مكاسب من عملية تدريب النموذج التي استعصت على «أوبن أيه آي» خلال الأشهر الأخيرة.

وقال توماس وولف، المؤسس المشارك والمدير العلمي لشركة «هاجينج فيس» الناشئة للبرمجيات مفتوحة المصدر: «إنه فرق كبير عن العالم الذي كنا عليه قبل عامين، حيث كانت «أوبن أيه آي» تتصدر الجميع بوضوح. إنه بالفعل عالم جديد تماماً».

وحتى قبل إطلاق «جيميناي 3»، أخبر سام ألتمان، رئيس «أوبن أيه آي»، الموظفين في مذكرة الشهر الماضي أن الشركة «ستحتاج إلى الحفاظ على تركيزها في مواجهة ضغوط تنافسية قصيرة الأجل. ويجب أن تتوقعوا أن تكون الأجواء السائدة صعبة لبعض الوقت».

وقبل عام، كان الكثيرون يقللون من شأن جهود جوجل الفاشلة لتضييق الفارق الهائل مع «أوبن أيه آي». أدت المخاوف من أن محرك البحث المدر للدخل سيفقد الكثير لصالح «شات جي بي تي» وتطبيقات بحث جديدة أخرى مُدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل «بيربليكستي» إلى تراجع سعر سهم «ألفابيت»، الشركة الأم، بشكل كبير عن منافسيها من شركات التكنولوجيا الكبرى في مسيرة الارتفاع المدفوعة بالذكاء الاصطناعي خلال عامي 2023 و2024.

لكن مسيرة تحول «جوجل» بدأت في وقت سابق من العام الجاري، بعد سلسلة من التحديثات القوية في مؤتمرها للمطورين في مايو الماضي، والشعبية الجارفة لأداة تحرير الصور «نانو بنانا أيه آي» هذا الصيف. وقد ساعد ذلك في زيادة عدد مستخدمي تطبيق «جيميناي» للجوال إلى 650 مليون مستخدم شهرياً، ارتفاعاً من حوالي 400 مليون في مايو.

وقادت هذه التطورات إلى ارتفاع أسهم «ألفابيت» في الأشهر الأخيرة، حيث تقترب قيمتها السوقية الآن من 4 تريليونات دولار، وسط ثقة في وول ستريت بقدرة «جوجل» على الجمع بين مواقعها المهيمنة في مجالات البحث والبنية التحتية السحابية والهواتف الذكية لتقديم قدرات الذكاء الاصطناعي الجديدة لمليارات المستخدمين الحاليين. وصرح كوراي كافوكجوغلو، مهندس الذكاء الاصطناعي في جوجل والمدير التقني لشركة «ديب مايند» لصحيفة فاينانشيال تايمز أن مجموعة شركات التكنولوجيا الكبرى «رفعت أداءنا بشكل ملحوظ» من خلال تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها باستخدام رقائق جوجل المصممة خصيصاً. وأضاف: «إن القدرة على التواصل مع المستهلكين والعملاء والشركات، على هذا النطاق، أمر بإمكاننا تحقيقه بفضل نهجنا الكامل المتكامل».

ويتضمن هذا «النهج الكامل المتكامل» رقائق وحدة معالجة مخصصة، وهي التي سمحت لجوجل بتدريب جيميني 3 دون الحاجة إلى الاعتماد على رقائق «إنفيديا» باهظة الثمن التي تستخدمها معظم شركات الذكاء الاصطناعي. وقال كافوكجوغلو: «أعتقد أن لدينا نهجاً فريداً في هذا المجال».

وقال مايكل ناثانسون، المؤسس المشارك والمحلل في شركة «موفيت ناثانسون» لأبحاث الأسهم: «لطالما امتلكت جوجل هذه القوة لتستعرضها»، مضيفاً أن حدث مؤتمر المطورين أظهر «أنهم تمكنوا حقاً من إيجاد موطئ قدم لمنتجاتهم». وأضاف: «لقد انقلب الضغط بالتأكيد على سام ألتمان وقدرته على تحقيق الربح والحفاظ على استمرارية العمل».

وقد سارع باحثو ومستخدمو الذكاء الاصطناعي إلى الإشادة بتطورات جوجل. فقد تفوق النموذج الجديد على «جي بي تي 5» في العديد من المعايير الرئيسية. وقال مارك بينيوف، الرئيس التنفيذي لشركة «سيلزفورس»، في منشور على منصة «إكس»: يا إلهي! لقد استخدمت «شات جي بي تي» يومياً لمدة 3 سنوات. لكن بعدما قضيت ساعتين فقط على «جيميناي 3» فلن أعود لـ«شات جي بي تي. هذه قفزة جنونية.. أشعر وكأن العالم قد تغير مرة أخرى».

ورحبت «أوبن أيه آي» علناً بالمنافسة. قال مارك تشين، كبير مسؤولي الأبحاث في أوبن أيه آي «نحن دائماً متحمسون لرؤية التقدم في هذا المجال - المنافسة تدفع النظام البيئي بأكمله إلى الأمام». وأضاف: «تواصل نماذجنا وضع معايير الأداء والموثوقية والفائدة العملية، وسنواصل إصدار المزيد من النماذج ذات الكفاءة العالية». لكن داخلياً، يشعر الموظفون بضغوط المنافسة على جبهات متعددة مع منافسين ينفقون عشرات المليارات على تطوير الذكاء الاصطناعي. وصرح أحد المقربين من الشركة: «لا يقتصر مسار أي شركة ناشئة سريعة النمو على الصعود فحسب».

ويقول بعض الخبراء إن شركة «أوبن أيه آي» قد أفرطت كثيراً في سعيها للتوسع بأي ثمن. فقد أمضت المجموعة العام الماضي في طرح منتجات جديدة بوتيرة متسارعة، بدءاً من أدوات برمجة الكمبيوتر الآلية ووصولًا إلى تطبيق الفيديو «سورا» واسع الانتشار. وقال شريك في شركة رأس مال استثماري في وادي السيليكون، دعمت العديد من مطوري نماذج الذكاء الاصطناعي، لكن ليس «أوبن أيه آي»: «تنتشر «أوبن أيه آي» بشكل كبير. من المستحيل عليهم القيام بكل شيء على أكمل وجه».

وتعهدت الشركة، التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقراً لها، بإنفاق 1.4 تريليون دولار على مدى السنوات الثماني المقبلة على قوة الحوسبة، وأبرمت صفقات ضخمة مع «إنفيديا وأوراكل وأيه إم دي وبرودكوم». وهذا المبلغ يفوق مبيعات «أوبن أيه آي» الحالية بأضعاف مضاعفة، مما يتطلب من شركائها استخدام الديون لتمويل التوسع. وقالت سارة مايرز ويست، المديرة التنفيذية المشاركة لمعهد «أيه آي ناو»، وهي منظمة غير ربحية: «هذا رهان محفوف بمخاطر شديدة للغاية بالنسبة لأي شركة».

ويكمن التحدي الأكبر الذي تواجهه «أوبن أيه آي» في إيجاد مصدر دخل كافٍ لدعم هذا الاستثمار الاستثنائي. وتعتقد الشركة أنها قادرة على جذب مئات الملايين من أصحاب الاشتراكات المدفوعة إلى «شات جي بي تي» في السنوات المقبلة. لكن خطتها قصيرة المدى لزيادة إيراداتها من الإعلانات، وهو أمر ألمح ألتمان إلى أنه سيستكشفه مع «سورا»، ستنقلها إلى سوق مشبع بالفعل بشركات كبرى مثل «ميتا» و«ألفابيت».

ولم يتسبب «شات جي بي تي» في إضعاف ريادة جوجل القوية في سوق الإعلانات بعد، خاصة أن الشركة الناشئة للتو بدأت في دمج ميزات الإعلانات والتسوق في روبوت الدردشة الخاص بها. وفي الوقت نفسه، قامت «أنثروبيك»، التي أسسها موظفون سابقون في «أوبن أيه بي» عام 2021، والتي تخوض حالياً جولة تمويل جديدة من المتوقع أن تُقيّم الشركة بأكثر من 300 مليار دولار، ببناء أعمال تجارية كبيرة وسريعة النمو.

وطغى النجاح الهائل الذي حققه «شات جي بي تي» على روبوت الدردشة «كلود» من «أنثروبيك» لكن التركيز طويل الأمد على سلامة الذكاء الاصطناعي ساعد «أنثروبيك» على إنشاء أداة أكثر موثوقية لعملاء الشركات، حسبما يقول داعموها، وتعتبر أدوات البرمجة الخاصة بها على نطاق واسع الأفضل في فئتها. لكن مع أكثر من 800 مليون مستخدم أسبوعياً، لا تزال «أوبن أيه آي» تتمتع بحصة سوقية مهيمنة بشكل كبير في استخدام روبوتات الدردشة بشكل عام، وإن الناس يقضون الآن وقتاً أطول في الدردشة مع «جيميناي» مقارنة بـ«شات جي بي تي»، وفقاً لبيانات من شركة تحليلات الويب «سيميلارويب».

ودفع إطلاق «جيميناي 3» تطبيق الذكاء الاصطناعي من «جوجل» إلى مرتبة أعلى في تصنيفات متجر تطبيقات «آيفون» في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ومع ذلك، احتفظ «شات جي بي تي» بمكانته كأفضل تطبيق ذكاء اصطناعي، وفقاً لشركة «سنسورتاور»، التي تتتبع استخدام الأجهزة المحمولة. وشدد إريك برينجولفسون، المؤلف والأستاذ في معهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي المتمركز حول الإنسان، على أنه من السابق لأوانه استبعاد «أوبن أيه آي»، حيث تعد مجموعتها الواسعة من التطبيقات الجديدة وسيلة جيدة لإيجاد مصادر دخل جديدة لتمويل قدراتها البحثية الأساسية. وقال: «جميع هذه الشركات لديها فائض من الفرص المربحة للغاية من حولها. هناك مجال لشركات متعددة لتحقيق أداء ممتاز لأن الفرص المتاحة كبيرة جداً».