ريوتاروه ساتوه
انخفضت أسعار الغاز القياسية الأوروبية إلى ما دون 30 يورو للميجاواط/ ساعة الأسبوع الماضي لتصل إلى أدنى مستوى لها منذ مايو 2024. واعتباراً من يوم الخميس، كان أقرب عقود «نقطة نقل الملكية في هولندا» وهي أكبر معيار للغاز الطبيعي في أوروبا - يتداول عند حوالي 29.2 يورو/ميجاواط/ساعة. وقد أدى هذا الانخفاض إلى استمرار موجة بيع بدأت بعد تسريب مسودة اتفاق محادثات وقف إطلاق النار التي تقودها الولايات المتحدة بين كييف وموسكو. وتتجه الأسعار نحو الانخفاض منذ الشتاء الماضي. وقالت شركة وود ماكنزي في تقرير لها: إن التجار تفاعلوا مع «التأثيرات المتتالية» لوقف إطلاق النار المحتمل. وتشمل هذه التأثيرات احتمال انخفاض هجمات الطائرات الأوكرانية المسيرة على المصافي الروسية، واحتمال «تخفيف» خطط الاتحاد الأوروبي لحظر واردات الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب.
وقال توم مارزيك مانسر، مدير الغاز الأوروبي في وود ماكنزي: «قد نشهد تقلبات حادة في أسعار الغاز الأوروبية بالجملة. ومع ذلك، إذا تم التوصل إلى حل للحرب في أوكرانيا بحلول عيد الشكر، فمن المرجح أن ينخفض السوق بشكل كبير».
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد صرح بأنه يتوقع اختتام المحادثات بحلول الموعد النهائي لعيد الشكر، لكنه تراجع عن هذه التصريحات يوم الثلاثاء، قائلاً: إنه لم يتم تحديد موعد نهائي.
وكانت المفوضية الأوروبية فرضت عقوبات على الغاز الروسي، بما في ذلك حظر على عقود الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل الجديدة اعتباراً من يناير 2027. كما اتفقت مع الدول الأعضاء على التخلص التدريجي من واردات الغاز عبر خطوط الأنابيب من البلاد بحلول عام 2028، على الرغم من أن هذا الإجراء يتطلب موافقة البرلمان الأوروبي. من المصادر المحتملة الأخرى للضغط على الأسعار وانخفاضها احتمال رفع واشنطن عقوباتها على منشأة الغاز الروسية «أركتيك إل إن جي 2» في حال وقف إطلاق النار. ووفقاً لتقرير صادر عن أرجوس ميديا، فإن مثل هذه الخطوة ستزيد من المعروض العالمي وتدفع الأسعار إلى الانخفاض.
صرحت ناتاشا فيلدينج، مديرة تحرير قسم الغاز والغاز الطبيعي المسال والكتلة الحيوية في أرجوس، أن انخفاض عقد الشهر الأول يوم الاثنين كان الأكثر حدة منذ نوفمبر 2020، عندما أدت جائحة كوفيد 19 والركود العالمي إلى انخفاض كبير في الطلب على الطاقة. وأضافت أن التجار راجعوا توقعاتهم لدرجات حرارة الشتاء بعد أن أشارت التوقعات إلى موسم أكثر دفئاً من المعتاد.
ويظل الطقس الشتوي عاملاً رئيسياً في تحديد استهلاك الغاز في أوروبا. وقالت فيلدينج: «سيسمح انخفاض استهلاك الغاز الآن لشركات الطاقة بالحفاظ على احتياطياتها الجوفية من الغاز، ما يزيد من احتياطياتها لمواجهة أي موجات برد أو انقطاع في الإمدادات في وقت لاحق من الشتاء».
كما ساعد ارتفاع تكاليف شحن الغاز الطبيعي المسال في خفض أسعار الغاز الأوروبية. وارتفعت أسعار تأجير السفن بشكل مطرد منذ أكتوبر مع زيادة إنتاج كبار المصدرين مثل الولايات المتحدة ونيجيريا. وارتفعت أسعار الشحن القياسية للرحلات ذهاباً وإياباً من الولايات المتحدة إلى شمال غرب أوروبا بأكثر من الضعف، من حوالي 55 ألف دولار يومياً في نهاية أكتوبر إلى 130 ألف دولار الأسبوع الماضي، وفقاً لأرغوس.
ونظراً لأن الرحلات من الولايات المتحدة إلى آسيا تستغرق وقتاً أطول بكثير من الرحلات المتجهة إلى أوروبا، فقد أصبح إرسال الشحنات شرقاً أقل ربحية. وقد أدى ذلك إلى تحويل المزيد من الشحنات نحو أوروبا، ما زاد من الضغط على الأسعار.
ومع ذلك، أبدى بعض مراقبي السوق تشككهم في أن يعيد اتفاق بين كييف وموسكو الوضع الاستراتيجي لأوروبا إلى ما كان عليه قبل عام 2022. وتوقعوا استمرار العقوبات وفك الارتباط الأوسع لسلاسل توريد الطاقة، في ظل استمرار الحكومات الأوروبية في التعامل مع روسيا بحذر.
على صعيد آخر، أعلنت حكومة المملكة المتحدة أنها ستسمح لشركات حفر النفط بتطوير حقول نفط جديدة في بحر الشمال، شريطة أن يكون الحقل الجديد «مجاوراً» لحقل قائم وأن يستخدم البنية التحتية القائمة. وتقدر شركة وود ماكنزي لاستشارات الطاقة وجود 1.4 مليار برميل إضافية من الاحتياطيات المجدية اقتصادياً بالقرب من المواقع الحالية، وهو ما يكفي لتزويد البلاد لمدة عام ونصف العام تقريباً. وفي حين أن الاحتياطيات المحتملة ليست كافية لتحقيق استقلال المملكة المتحدة التام في مجال الطاقة على المدى الطويل، يشير الخبراء إلى أنها ستطيل على الأرجح عمر المجالات المتقادمة وتعزز الأمن الاقتصادي.
يأتي ذلك فيما تجدد النقاش حول الطاقة النووية، حيث تتجه شركات التكنولوجيا العملاقة بشكل متزايد إلى هذا المصدر للحصول على كهرباء موثوقة ومنخفضة الكربون. وقد وجدت مراجعة حكومية بريطانية أن بريطانيا هي أغلى دولة في العالم لبناء محطات نووية جديدة، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى نهجها الحذر للغاية في الحد من مخاطر الإشعاع. ونشرت النتائج قبل أن تعلن حكومة حزب العمال عن مقترحات ميزانيتها، التي تعد ببدء ما وصفه الوزراء بـ«العصر الذهبي للطاقة النووية الجديدة».
وازداد الاهتمام بالتكنولوجيا النووية عالمياً في ظل مواجهة الحكومات لتقلبات أسعار الكهرباء في السوق الفورية الناتجة عن التوسع السريع في مصادر الطاقة المتجددة. ومن المتوقع أيضاً أن يرتفع الطلب على الكهرباء من مراكز البيانات، مدفوعاً بشكل رئيسي بقوة الحوسبة اللازمة للذكاء الاصطناعي، والتي يعتبرها العديد من صانعي السياسات عاملاً رئيسياً في تحديد القدرة التنافسية الوطنية. كما تأثر سوق الطاقة الأسبوع الماضي بالتقدم المحرز في المحادثات بشأن وقف إطلاق النار المحتمل بين روسيا وأوكرانيا.
هل يتواصل انخفاض أسعار الغاز بأوروبا وسط الحديث عن السلام بأوكرانيا؟
