حاجة ماسة لتدبير أموال كافية لاستعادة أوروبا مكانتها عالمياً

مارتن ساندبو
في الوقت الذي يعيد فيه دونالد ترامب الفائز بالانتخابات الأمريكية أيديولوجية «أمريكا أولاً» إلى الصدارة، يواجه الزعماء عبر الأطلسي حقيقة مفادها أن «أوروبا وحدها».

ويتعين عليهم أن يكونوا مستعدين لما هو قادم، فقد اعترفوا علناً على مدى ثماني سنوات بالحاجة إلى أن تقف أوروبا على قدميها، ومع ذلك ما زالوا يجدون أنفسهم محاصرين في عجز، مثل التلاميذ الذين أرجأوا أداء واجباتهم المدرسية إلى اللحظة الأخيرة.

ولكن يجب أولاً تحديد الأهداف التي ينبغي لأوروبا أن تسعى إلى تحقيقها الآن، وهي قد تكون أهدافاً مشتركة بين الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وهناك اتفاق على هدف مواجهة فلاديمير بوتن في أوكرانيا. ومن الواضح كذلك أن أوروبا لا بد أن تحقق التحول الكربوني الذي من شأنه أن يقلل من الضعف المتشابك المتمثل في تغير المناخ المزعزع للاستقرار واعتماد أوروبا على الطاقة.

أيضاً، يتعين على أوروبا أن تعزز الإبداع والاستثمارات المحلية لتحسين الإنتاجية حتى لا تصبح تحت رحمة التكنولوجيا والنمو من أماكن أخرى.

في حين لا يتصور كثيرون أن الأمر على هذا النحو، فإن الزعماء يدركون جيداً أنهم لا بد أن يجعلوا أوروبا عظيمة مرة أخرى، لكن كل النوايا الطيبة تظل تتعثر بسبب عدم القدرة حتى الآن على إرادة الوسائل اللازمة لتحقيق هذه الغايات.

والواقع أن العديد من الأفكار السياسية الجيدة، مثل تلك الواردة في تقارير إنريكو ليتا وماريو دراجي الأخيرة، تلقى بالموافقة، ثم يأتي السؤال المهم: لكن من أين ستأتي الأموال؟

إن أوروبا تعاني من قدر هائل من العجز المكتسب. وبطبيعة الحال لا بد من طرح أسئلة كبيرة بشأن ميزانية الاتحاد الأوروبي والاقتراض الوطني والمشترك.

ولكن حتى من دون تغيير كبير في ميزانية الاتحاد الأوروبي، فإن أوروبا، والاتحاد الأوروبي بشكل خاص، لديها موارد متاحة أكثر مما ترغب في الاعتراف به.

ولنبدأ بأوكرانيا، التي لا بد أن تكون أوروبا الآن على استعداد لتمويلها بالكامل بمفردها. وهناك إدراك لحقيقة أنه إذا خسرت أوكرانيا الحرب، فسوف يضعف أمن أوروبا بشكل دائم، وسيضيع استقلالها الجيوسياسي. ومن مصلحة أوروبا أن تسد الفجوة التي يمكن أن تخلفها نهاية الدعم الأمريكي الحاسم.

وعلى مدى نصف عام، عملت أوروبا وإدارة بايدن المنتهية ولايتها على تقديم 50 مليار دولار من الأرباح الخاصة المستمدة من أموال الدولة الروسية المحتجزة في المؤسسات المالية الغربية. وقد يتمكنون من تحقيق ذلك قبل تحول السلطة في واشنطن، لكن هذا بالكاد يكفي لإخراج أوكرانيا من الشتاء.

إن هذا الأمر في يد أوروبا، حيث إن معظم هذه الأموال محتجزة في مستودع يوروكلير البلجيكي للأوراق المالية، وبعضها في مؤسسات أوروبية أخرى (بما في ذلك في المملكة المتحدة).

الأمر يتلخص في توفر الإرادة السياسية الأوروبية. وقد تعهدت الحكومات الغربية مراراً وتكراراً بالاحتفاظ بالاحتياطيات حتى تدفع موسكو لكييف ما عليها.

وماذا أيضاً عن احتياجات الدفاع والاستثمار الأوروبية؟ من الطبيعي أن يرغب الساسة في أوروبا أن يوفر القطاع الخاص أكبر قدر ممكن من الأموال ويتطلعون إلى مؤسسات مثل البنك الأوروبي للاستثمار لجذب أحجام كبيرة من الأموال الخاصة مع توفر حصص ضئيلة من الإنفاق العام.

لكنهم نادراً ما يذكرون أنه مهما كانت الهندسة المالية، فإن الأموال الخاصة يجب أن تأتي من مكان ما، يجب سحب الموارد الحقيقية من استخداماتها الحالية إذا كان من المقرر تمويل استخدامات جديدة.

إن هذا يشكل تحدياً كبيراً بالنسبة لدولة مثل المملكة المتحدة، التي تعاني من عجز طويل الأمد في الحساب الجاري، ما يعني ضرورة تمويل الأولويات الجديدة إلى حد كبير من خلال إعادة تخصيص الموارد التي تم نشرها محلياً في السابق.

ولكن الاتحاد الأوروبي لديه فائض كبير في الحساب الجاري. ولا يستطيع زعماء الاتحاد الأوروبي أن يزعموا بحسن نية أن الموارد مفقودة.

فقد تم تصدير 450 مليار يورو من المدخرات الأوروبية الفائضة خلال الأرباع الأربعة الأخيرة، إلى حد كبير إلى اقتصادات مجموعة السبع الأخرى والمراكز المالية الخارجية.

والنقطة ليست استهداف فائض أصغر، فكما سيكتشف ترامب قريباً، فإن استهداف توازن خارجي معين أمر صعب، لأنه يعكس خيارات الادخار والاستثمار المحلية.

ولكن ينبغي لقادة الاتحاد الأوروبي أن يدركوا أن العالم الذي ينجح فيه التحول الاقتصادي الأوروبي بسهولة هو العالم الذي لم يعد فيه الاتحاد الأوروبي اقتصاداً فائضاً، بل ينشر كل موارده المحلية، ويتعامل مع الواردات بحذر، ويخرج من الاعتماد المفرط على الطلب على الصادرات.

صحيح أن هذا تحول عقلي كبير، لكنه مناسب تماماً لزعيم تجاري يمكنه إعادة التوازن إلى الاقتصاد العالمي. وتتمثل مهمة الاتحاد الأوروبي في جعل عملية إعادة التوازن هذه تعمل لصالح أوروبا.