هل يعزز ارتفاع الإنفاق الدفاعي الاقتصاد الأوروبي؟

تشارلز كلوفر- دلفين شتراوس - سيلفيا فايفر- لورا بيتيل

في صباح غائم من شهر سبتمبر، هبطت مجموعة من طائرات الركاب الصغيرة في مطار شركة بي إيه إي سيستمز بالقرب من بارو إن فورنيس، وهي بلدة ممطرة على ساحل كمبريا في إنجلترا.

كان على متن إحداها الملك تشارلز الثالث ملك بريطانيا، ووزير الدفاع جون هيلي، وجون فيلان وزير البحرية الأمريكية؛ بينما حملت الطائرات الأخرى مجموعة من كبار الشخصيات، جاءوا جميعاً لمشاهدة تدشين غواصة إتش إم إس أجاممنون؛ إحدى أحدث غواصات الهجوم البريطانية من فئة أستوت.

كان هذا حدثاً نادراً في مدينة عانت من أوقات عصيبة منذ نهاية الحرب الباردة. واعتاد سكان المدينة التجمع على ضفاف قناة والني للهتاف عند سحب الغواصات لبدء التجارب البحرية.

ومنذ عام 1991، لم يُقم هذا الطقس سوى تسع مرات. كما انخفض عدد القوى العاملة في صناعة الغواصات من ذروة بلغت 16,000 إلى ما يزيد قليلاً على 4,000 في التسعينيات، وفقاً لرئيس بلدية المدينة، فريد تشاتفيلد.

يقول تشاتفيلد: «كان الاقتصاد هنا في حالة انهيار تام». ويرسم قوساً في الهواء بإصبعه لتوضيح الذروات التي شهدتها المدينة التي بنت جميع الغواصات الـ 312 التي أُنتجت في المملكة المتحدة منذ عام 1901. «ها هي الحرب العالمية الأولى»، يقول، محركاً سبابته لأعلى ثم لأسفل. وتمثل قمتان أخريان الحرب العالمية الثانية، ثم الحرب الباردة.

ويضيف: «عندما بدأوا في صنع الغواصات النووية، كانت الأوقات جيدة، لكن بعد عام 1988، وصلنا إلى القاع». وفقاً للعديد من المقاييس، تُعد المدينة الآن واحدة من أكثر الأماكن معاناة من الحرمان في إنجلترا.

لكن تشاتفيلد وآخرين لديهم الآن أمل في أن يتحول المد، حيث تخطط المملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى لزيادة الإنفاق على الدفاع انعاكساً لاندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا وزيادة عزلة الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب.

وبينما تستعد الغواصة أجاممنون للخدمة، يجري حالياً قطع أول قطعة فولاذ لسفينة «إتش إم إس كينغ جورج» السادسة، إحدى أربع سفن من فئة «دريدنوت» ستحمل الرادع النووي البحري للمملكة المتحدة. وبعد انقطاع دام ثلاثة عقود، عادت الغواصات إلى صميم خطط البحرية الملكية، وسط تركيز جديد على روسيا وبحر الشمال.

وعلى مدى الـ 15 - 20 عاماً قادمة، من المقرر أن تُكمل أحواض بناء السفن في «بارو إن فورنيس» - المملوكة لشركة بي إيه إي سيستمز، المُدرجة في مؤشر فوتسي 100 للمقاولات الدفاعية - بناء 4 غواصات «دريدنوت» يليها ما يصل إلى 12 غواصة هجومية من فئة «أوكوس» مُصممة لدوريات ممرات الشحن في شمال الأطلسي بدءًا من أواخر ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين.

ويقول تشاتفيلد: «نحن الآن في بداية طفرة جديدة، لكن الجزء الصعب هو إقناع الجميع بأننا سنكون مدينة مزدهرة». وبينما كان يتجول في الشارع الرئيسي، أشار إلى واجهات المتاجر الفارغة. وأضاف: «لم نرغب في أن يأتي الملك هنا».

إن «بارو إن فورنيس» هي مجرد نموذج مصغر لنشاط أوروبي واسع، حيث يأمل القادة في جميع أنحاء القارة أن يُسهم الإنفاق الدفاعي المتزايد ليس فقط في حماية القارة من التهديدات الجديدة، بل أيضًا في توليد نمو اقتصادي تشتد الحاجة إليه - لا سيما في المناطق التي تضررت بشدة من تراجع الصناعات التقليدية – علاوة على تحفيز البحث والتطوير.

ويقول اللورد سايمون كيس، الرئيس السابق لمكتب مجلس الوزراء البريطاني ورئيس «فريق بارو»، وهي مؤسسة مدعومة حكومياً تهدف إلى تحسين المهارات ومستويات التعليم في المدينة، إن البلاد لطالما طالبت أماكن مثل بارو بالكثير في زمن الحرب. «لكن في زمن السلم، نميل إلى هذه العادة السيئة المتمثلة في تجاهلهم التام».

لكن لتلبية التوقعات، ستحتاج أوروبا إلى زيادة كفاءة إنفاقها، وتوسيع قدرتها التصنيعية بسرعة، والقضاء على العديد من اختناقات سلسلة التوريد. والحجم الهائل للزيادة المقترحة في الإنفاق الدفاعي .

- حيث يقدر معهد الدراسات المالية أن المملكة المتحدة وحدها ستنفق ما يعادل 36 مليار جنيه إسترليني سنوياً خلال عقد - يعني أنها يمكن أن توفر دفعة قصيرة الأجل للناتج المحلي الإجمالي.

وإن لم تكن بالضرورة بنفس حجم إنفاق الأموال على مجالات أخرى. ويلفت الاقتصاديون إلى أن هذا لن يستمر إلا إذا ساعدت الأموال في إعادة بناء المهارات والبنية التحتية وتعزيز الصادرات.

ويجب أيضاً أن تحفز الابتكارات الشركات الصغيرة لتعزيز الإنتاجية في جميع أنحاء الاقتصاد، بدلاً من مجرد تضخيم أرباح الشركات متعددة الجنسيات العملاقة التي تصنع سلعاً باهظة الثمن مثل الدبابات والصواريخ.

إنه تحدٍ هائل، حسبما يؤكد لويس نايت من شركة ثيرد بريدج، وهي شركة أبحاث الأسهم، والذي يحذر من أن القارة لديها «قاعدة صناعية مستنفدة وغير مجهزة بالمرة للزيادة المستمرة في الطلب».

في بقعة أخرى- بلدة نونفايلر الصغيرة بولاية سارلاند في المانيا التي تُعدّ البيتزا المجمدة من أكبر مصادر دخلها، تعمل شركة «دايل ديفينس»، وهي شركة عائلية لتصنيع الصواريخ، على توسيع مواقع إنتاجها، استجابةً للطلب المتزايد على منتجات مثل نظام الدفاع الجوي «إيريس- تي».

تخطط ألمانيا لإنفاق 650 مليار يورو على الدفاع خلال الفترة من عام 2025 إلى نهاية عام 2029 - أي أكثر من ضعف المبلغ الذي أنفقته في السنوات الخمس السابقة. ومن الطبيعي أن يبدأ هذا الازدهار في التسرب بالفعل إلى أماكن مثل سارلاند، الواقعة على الحدود مع كل من لوكسمبورغ وفرنسا.

وفي فرايزن، على بُعد حوالي 20 دقيقة بالسيارة من نونفايلر، من المتوقع أن يضيف قسم من شركة «كيه إن دي إس» الفرنسية الألمانية لصناعة المركبات العسكرية، والمتخصص في صيانة الدبابات، مئات الوظائف الجديدة إلى عدد موظفيه المحليين البالغ 700 موظف.

وتخطط شركة باتريا الفنلندية للمقاولات الدفاعية لبناء ما يصل إلى 3500 ناقلة جنود مدرعة تعاقدت على تسليمها للجيش الألماني في منشأة فرايزن.

ويقول كريستوف كوردز، الرئيس التنفيذي لشركة «كيه إن دي إس» الفرعية، إن العقد سيضمن العمل لعقود، لأنك «عندما تُسلم المركبات، يتعين عليك أيضاً صيانتها. لذا، سيكون لديك عمل على مدار العشرين أو الثلاثين أو ربما الأربعين عاماً القادمة».

ويرى بول هولينغسوورث، رئيس قسم اقتصاديات الأسواق المتقدمة في بنك بي إن بي باريبا، أن برلين قادرة على المضي قدماً في برنامجها الضخم للمشتريات دون إزاحة القطاع الخاص، تحديدًا لأن القطاع الصناعي في البلاد يعاني من نقصٍ متزايد في الطاقة الإنتاجية.

ويضيف: «في الاقتصاد الأوروبي، نمر بمرحلة حاسمة، حيث انتهى نموذج النمو القائم على التصدير الذي كان سائداً قبل الجائحة، وستشهد العديد من الدول انخفاضاً ديموغرافياً. الرهان الآن هو ضمان نمو الاقتصاد من خلال الطلب المحلي».