فهناك ميل للتركيز على الريادة الكبيرة للولايات المتحدة في مجال أشباه الموصلات، وأبحاثها المتطورة في مجال الذكاء الاصطناعي، واستثماراتها الضخمة في مراكز البيانات.
وحتى عام 2023، شكلت الصين 22.6 في المئة من الإجمالي العالمي، مقارنة بـ 20.9 في المئة من أوروبا و13 في المئة من الولايات المتحدة، وفقاً لتقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي لجامعة ستانفورد لعام 2025.
كما تتفوق الولايات المتحدة على الصين في أفضل المواهب البحثية في مجال الذكاء الاصطناعي - لكن الفجوة تضيق.
وقد يؤدي تشديد إدارة ترامب للقيود على حاملي تأشيرات H-1B الأجانب إلى عودة المزيد من باحثي الذكاء الاصطناعي الصينيين في الولايات المتحدة إلى ديارهم. وقد تتجه نسبة المواهب لصالح الصين.
وفيما يتعلق بالتكنولوجيا نفسها، أنتجت المؤسسات الأمريكية 40 من أبرز نماذج الذكاء الاصطناعي في العالم في عام 2024، مقارنة بـ 15 نموذجاً صينياً.
لكن الباحثين الصينيين تعلموا إنجاز المزيد بموارد أقل، وتتفوق أقوى نماذجهم اللغوية الكبيرة - بما في ذلك «ديب سيك – في 3» مفتوح المصدر و«كوين 2.5- ماكس» من «علي بابا» على أفضل النماذج الأمريكية من حيث الكفاءة الخوارزمية.
ومن المرجح أن تتفوق الصين في المستقبل في تطبيق هذه النماذج مفتوحة المصدر، إذ يُظهر أحدث تقرير صادر عن «أير ستريت كابيتال» أن الصين قد تجاوزت الولايات المتحدة من حيث عدد التنزيلات الشهرية لنماذج الذكاء الاصطناعي.
وفي مجالات التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تتفوق الصين بالفعل على أمريكا. ولعل أكثر تطبيقات الذكاء الاصطناعي إثارة للاهتمام - وربما الأكثر إنتاجية - قد تأتي في مجال الأجهزة، خاصة الطائرات بدون طيار والروبوتات الصناعية.
سعي الصين لهندسة المستقبل»، الضوءَ عن حق على نقاط قوة الدولة الهندسية الصينية في مجال التصنيع، حتى وإن كان قد أظهر أيضاً الآثار الضارة لتطبيق هذه العقلية الهندسية في المجال الاجتماعي.
وتقول إن جيفري دينغ، في كتابه «التكنولوجيا وصعود القوى العظمى» يطرح في هذا السياق نقطةً غير بديهية، حيث يبين أنه بالنسبة لتكنولوجيا عامة الأغراض مثل الذكاء الاصطناعي، غالباً ما تتلخص الميزة طويلة المدى في مدى انتشار التقنيات وعمقها في المجتمع. والصين في وضع جيد للفوز بهذا السباق (مع أن مسألة «السحق التكنولوجي» قد يكون مبالغاً فيه بعض الشيء!).
وحتى مع توسع برامج الرقائق المحلية، لا تزال فجوة الأداء في القمة قائمة. ومع ذلك، دفعت هذه القيود نفسها الشركات الصينية إلى اتباع نهج مختلف: تجميع الحوسبة، وتحسين الكفاءة، وإصدار نماذج مفتوحة.
على سبيل المثال، استخدم تشغيل تدريب «ديب سيك - في 3» 2.6 مليون ساعة فقط من وحدات معالجة الرسومات - وهو أقل بكثير من نطاق نظيراتها الأمريكية. كما أن نماذج «كويم» من «علي بابا» تصنف الآن من بين الأكثر تنزيلاً على مستوى العالم.
وتقوم شركات مثل «شيبو» و«ميني ماكس» ببناء نماذج متعددة الوسائط ونماذج فيديو تنافسية. وتساعد السياسات الصناعية للصين على سرعة انتقال النماذج الجديدة من المختبر إلى التنفيذ. وتطرح الحكومات المحلية والشركات الكبرى بالفعل نماذج التفكير في الإدارة والخدمات اللوجستية والمالية.
وليس أكيدا أن «دولة الهندسة» تعكس تماماً علاقة الصين بالتقنيات الجديدة، لكن عقوداً من بناء البنية التحتية والتنسيق من أعلى إلى أسفل جعلت النظام فعالاً بشكل غير عادي في دفع التبني على نطاق واسع، وغالباً مع مقاومة اجتماعية أقل بكثير مما تراه في أي مكان آخر.
ويرى الكثيرون في الحكومة والصناعة الآن أن الذكاء الاصطناعي شرارة ضرورية. يمكن أن يكون التفاؤل وقوداً قوياً، لكن قدرته على الاستمرار في ظل تباطؤ النمو لا تزال سؤالاً مفتوحاً. ولا تزال السيطرة الاجتماعية جزءاً من الصورة، لكن نوعاً مختلفاً من الطموح يتبلور.
يُعد الجيل الجديد من مؤسسي الذكاء الاصطناعي الصينيين الأكثر توجهاً نحو العالمية، حيث يتنقلون بسلاسة بين هاكاثونات وادي السيليكون واجتماعات العروض التقديمية في دبي، ويتقن معظمهم اللغة الإنجليزية ويواكبون إيقاعات رأس المال الاستثماري العالمي.
