تيج باريك
تحل هذه الأيام ذكرى مرور عام على الانتخابات الأمريكية لعام 2024. لذا فكرت أنه من المناسب أخيراً أن أقبل تحدي قارئ متحمس «لإجراء تحليلٍ مُخالفٍ للإجماع لولاية دونالد ترامب الثانية».
فهمتُ ذلك على أنه من المهم استعراض بعض الإيجابيات الاقتصادية لبرنامج سياسة دونالد ترامب - سواء عن قصدٍ أو غير ذلك.
أولاً، أرغمت أجندة ترامب «أمريكا أولاً» القادةَ حول العالم على زيادة الإنفاق، وسنّ إصلاحات، والسعي إلى صفقاتٍ وعلاقات تجارية جديدة. وعلى سبيل المثال، أدى تهديد إدارته بتقليص تمويل حلف الناتو إلى زيادة التزامات الإنفاق الدفاعي الأوروبي. وقد عزز هذا أسواق الأسهم الإقليمية والشركات المُصنّعة.
كما دعمت انعزالية الرئيس الأمريكي - في مجالي التجارة والأمن - توجه البرلمان الألماني لتخفيف «كبح الديون» المُكرس دستورياً، مما مكّن من إحداث تحول كبير في أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي بعيداً عن التقشف المالي.
كما شرع صانعو السياسات العالميون في تحسين القدرات التنافسية. ففي كندا، ازداد الدعم الشعبي لخفض الحواجز التجارية بين المقاطعات مع تصعيد ترامب لتهديداته بفرض رسوم جمركية.
وبادر رئيس الوزراء الكندي مارك كارني ببذل جهود لتحرير السوق الداخلية للبلاد. كما أنه في الهند، أدت الرسوم العقابية إلى تسريع الإصلاح الضريبي.
ومع ارتفاع جدار الرسوم الجمركية حول الولايات المتحدة، سعت الدول والكتل بنشاط إلى إبرام صفقات تجارية.
وعلى سبيل المثال، فإنه منذ إعادة انتخاب ترامب، أبرم الاتحاد الأوروبي ثلاث اتفاقيات تجارة حرة - مع ميركوسور والمكسيك وإندونيسيا، فيما يُسرّع الخطى لإبرام اتفاقية أخرى مع الهند. كما وقّعت الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) منذ أيام اتفاقية تجارة حرة مُعززة.
ويقول ماركو بابيك، كبير الاستراتيجيين في«بي سي ايه ريسيرش»: «لقد وصلت رسالة تحذير إلى العالم بأنه لا يمكنه الاستمرار في الاستفادة مجاناً من إنفاق ومستهلكي الولايات المتحدة».
الآن، ثمة حافز لمواصلة الإصلاحات وتخفيف الاعتماد على أمريكا، مما يدعم النمو الاقتصادي والاستقرار على المدى الطويل. ومن الصعب تصور وضع مناقض للواقع، حيث كانت ستُجرى تغييرات في السياسات بنفس السرعة والتركيز.
ومن «الجوانب الإيجابية» الأخرى ضعف الدولار الأمريكي: يقول دومينيك وايت، كبير الاقتصاديين في شركة «أبسلوت استنراتيجي ريسيرش»: ضعف الدولار يميل إلى أن يكون مفيداً للنمو العالمي، خاصة للأسواق الناشئة.
فهو يعزز الميزانيات العمومية للمقترضين بالدولار وشروط التبادل التجاري». وقد أسهمت إجراءات الإدارة - من الحمائية والهجوم على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، إلى استغلال حالة عدم اليقين - في انخفاض قيمة العملة الخضراء.
وفي الواقع، كان النشاط الاقتصادي العالمي، والتجارة تحديداً، قوياً بشكل مُفاجئ هذا العام. وقد لعبت الجهود المبذولة لاستباق الرسوم الجمركية دوراً في ذلك، إلى جانب الاستجابات السياسية لترامب وانخفاض قيمة الدولار.
ثانياً، هناك بعض «الجوانب الإيجابية» المحلية للرسوم الجمركية التي يُمكن للبيت الأبيض الحديث عنها، فقد أظهر تحليل أجراه مختبر ميزانية جامعة ييل أن الإنتاج الصناعي في «الصناعات الحساسة للرسوم الجمركية قد ارتفع بشكل حاد» هذا العام، وذلك استناداً إلى بيانات يوليو. ويُرجّح هذا التصنيف الإنتاج حسب حصة الواردات من الإنتاج ومعدلات الرسوم الجمركية الفعلية.
تحذّر مارثا جيمبل، المديرة التنفيذية لمختبر ميزانية جامعة ييل قائلة: «تشير جميع الأدلة إلى أن الرسوم الجمركية تُشكّل تأثيراً سلبياً صافياً على الاقتصاد الأمريكي بشكل عام.
ولكن هناك بالطبع شركات تستفيد من الحمائية. وبالنسبة للشركات التي تُنتج سلعاً بسيطة بمدخلات خارجية قليلة نسبياً، قد تكون الرسوم الجمركية تدعم الإنتاج بالفعل».
وعلى سبيل المثال، وجد استطلاع أجرته شركة الاستشارات «ويست مونرو» في يونيو أن أكثر من ثلث الشركات الأمريكية تقول إنها تسجل آثاراً إيجابية للرسوم الجمركية.
كما عوّضت عائدات الرسوم الجمركية بعضاً من القيود المالية المخففة التي وضعتها إدارة ترامب. وفي السنة المالية 2025، انخفض عجز الموازنة الأمريكية بشكل طفيف مع بلوغ إيرادات الجمارك مستوى قياسيًا.
وتتوقع مؤسسة الضرائب أن تبلغ قيمة الرسوم الجمركية 2.3 تريليون دولار على مدار العقد المقبل، حتى بعد احتساب آثارها الاقتصادية السلبية. وفي أغسطس، أبقت وكالة ستاندرد آند بورز جلوبال على تصنيفها الائتماني لديون الحكومة الأمريكية.
مشيرة إلى «دخل قوي من الرسوم الجمركية»، حتى مع استمرار القلق بشأن مسار ديون البلاد طويلة الأجل. وللعالم، فإن المراجعة القادمة للمحكمة العليا الأمريكية لشرعية رسوم ترامب الجمركية قد تُعرض هذه الإيرادات للخطر.
ثالثاً، تُسهم بعض إجراءات البيت الأبيض في تعزيز مرونة الاقتصاد الأمريكي على المدى القريب، والذي كان يُعاني من ضغوط قبل تولي ترامب منصبه. وفي هذا السياق، تقول إريكا يورك، نائبة رئيس السياسة الضريبية الفيدرالية في مؤسسة الضرائب:
«في حين أن قانون «مشروع القانون الكبير الجميل» له جوانب سلبية، فإن الأحكام الكاملة والفورية والدائمة المتعلقة بالنفقات للاستثمار قصير الأجل والبحث والتطوير هي أفضل تشريع لاسترداد تكاليف الشركات تم إقراره على الإطلاق.
ومن خلال خفض تكلفة رأس المال للاستثمارات الجديدة، سيدعم ذلك جهود نقل الصناعات إلى الداخل والاستثمارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي مستقبلاً».
وتعتقد جولدمان ساكس أن الحوافز الاستثمارية المتنوعة من إدارة ترامب قد ترفع التدفقات النقدية لشركات مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنحو 5% في عام 2026، وتشجع على زيادة الإنفاق على رأس المال والابتكار.
تتوقع مؤسسة الضرائب أن تؤدي الحوافز الاستثمارية الدائمة التي يتضمنها التشريع والمتعلقة بالمعدات والآلات إلى رفع الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي على المدى الطويل بنسبة 0.6%.
كما يتوقع أن تضع الحزمة الأوسع الولايات المتحدة مؤقتًا كثالث أفضل نظام ضريبي لاسترداد تكاليف رأس المال في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ارتفاعاً من المركز الحادي والعشرين، وفقاً لمؤسسة الأبحاث.
كذلك، فقد عززت تهديدات ترامب بالرسوم الجمركية وإبرام الصفقات العالمية زيادة في التزامات الاستثمار الأجنبي المباشر، لا سيما في أشباه الموصلات. ورغم تشككنا بشأن تعهدات الاستثمار.
فقد قفز الاستثمار الأجنبي المباشر الحقيقي المُحقق في الربع الثاني إلى أعلى مستوى له منذ عام 2022. ورغم المخاطر التي تُهدد الاستقرار، حافظ تخفيف الإدارة للقيود التنظيمية على الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة والقطاع المالي على ازدهار الأسواق وقطاعات القطاع الخاص.
في الواقع، يُبرز تحليل حديث أجراه بنك التسويات الدولية كيف أن «عوامل أخرى» قد عوضت، بل وتجاوزت، الآثار السلبية للرسوم الجمركية على مؤشر ستاندرد آند بورز 500، وعززت ارتفاعه منذ إعلان الرئيس ترامب في 2 أبريل عن «يوم التحرير».
وقد دعم ارتفاع سوق الأسهم الأمريكية، بدوره، الإنفاق بين الفئات الأكثر ثراء، بينما يواجه الأقل ثراء ضغوطاً متزايدة. وباختصار، عززت العديد من إجراءات البيت الأبيض النشاط الاقتصادي - لا سيما من خلال تحفيز طفرة التكنولوجيا - حتى لو قوضت سياساته الأوسع نطاقاً هذا النشاط.
في سياق متصل، تجدر الإشارة إلى الطفرة الإنتاجية التي شهدتها الولايات المتحدة هذا العام. ففي النصف الأول من عام 2025، نما إنتاج الساعة من العمل في قطاع السلع المعمرة بنسبة 4.9% على أساس سنوي، وفقاً لخوان مانويل كوريا من شركة «بي سي ايه» للأبحاث. ويُعدّ هذا النمو الأسرع منذ ما يقرب من عقدين، باستثناء فترات التعافي بعد الركود.
ويبدو أن هذا النمو سيستمر، فتقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي السنوي في الربع الثالث أقل بقليل من 4%.
ويُظهر تحليل للإنتاج الصناعي الأمريكي لكل ساعة عمل أن مكاسب الإنتاجية تتركز في قطاعات الأجهزة عالية التقنية، بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر والمعدات الكهربائية والفضاء.
ويضيف التحليل: «هذه القطاعات جزء من الجهود الأوسع لإنتاج الطاقة الحاسوبية وأشباه الموصلات ومراكز البيانات، وهي ليست كثيفة العمالة بشكل خاص».
ويشير إلى أن الإدارة تُسهم في هذه المكاسب التكنولوجية المتطورة من خلال حوافز الاستثمار، وإلغاء القيود، وإعفاءات التعريفات الجمركية. (كما أن فرض قيود أوسع على الهجرة يُشجع أيضاً على التحول نحو إنتاج أكثر اعتماداً على الآلات وأقل كثافة في العمالة).
إذن، هناك طفرة صناعية أمريكية محدودة من المرجح أن ترفع الإنتاجية، حتى لو لم تكن إحياءً صناعياً غنياً بالوظائف كما تعهّد ترامب. وبين مؤيدي «ماغا» المتحمسين وأولئك غير القادرين أو غير الراغبين في نسب أي شيء إيجابي، مهما كان تعريفه، إلى ترامب، لم تكن هذه مهمة سهلة.
وللتوضيح، لا تزال آرائي بشأن الآثار الاقتصادية طويلة المدى لسياسات إدارة ترامب سلبية بشكل عام. ومن الصحيح أيضاً أن بعض الإيجابيات ربما تكون قد حدثت في غياب ترامب.
وأنه كان محظوظاً إلى حد ما - على سبيل المثال، مع الاتجاهات طويلة الأمد في التكنولوجيا وانخفاض أسعار الفائدة. وبعض الفوائد غير مقصودة، بينما يعوض البعض الآخر فقط تأثير التدابير السلبية، التي قد تهيمن قريباً.
ومع ذلك، كانت هذه مهمة جديرة بالاهتمام، لأن البحث بشكل نشط عن البيانات التي تتعارض مع توقعاتنا المسبقة يحمي من التحيز ويعطي صورة اقتصادية أكثر اكتمالاً.