صعود عالمي متسارع لشركات التكنولوجيا الحيوية الصينية

إليانور أولكوت-هاوهسيانغ كو-ويليام ساندلوند

أبرمت شركات الأدوية الصينية عدداً قياسياً من الصفقات هذا العام لبيع تراخيص في الخارج، ما أدى إلى ارتفاع كبير لأسهم التكنولوجيا الحيوية، حيث يراهن المستثمرون على أن البلاد ستصبح قوة دافعة في مجال اكتشاف الأدوية عالمياً.

ووفقاً لمزودة البيانات الصينية «فارم كيوب» فقد تم إبرام 93 صفقة ترخيص خارجية في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، بقيمة إجمالية بلغت 85 مليار دولار أمريكي، حيث باعت الشركات المحلية الحقوق الدولية للأدوية المحلية.

وتتجه القيمة الإجمالية للصفقات إلى تحقيق رقم قياسي سنوي سادس على التوالي، ما يؤكد سرعة الانتشار العالمي لقطاع الأدوية في البلاد.

وفي الوقت نفسه يشير النمو السريع للتجارب السريرية والأدوية في مراحل التطوير المبكرة من الشركات الصينية، خصوصاً «جيانغسو هينجروي» و«أكيسو»، إلى أن اتجاه شركات التكنولوجيا الحيوية الصينية لبيع أدويتها لشركات الأدوية العالمية سيستمر - وهو ما يعاكس تماماً ما كان عليه الوضع قبل عقد من الزمن، فقبل عشر سنوات لم يكن لدى الصين قطاع يذكر في مجال التكنولوجيا الحيوية.

في الأغلب، كانت الشركات تطور أدوية جنسية، أما اليوم فتجري جميع شركات الأدوية الكبرى معظم عملياتها في الصين بحثاً عن علاجات جديدة، حسبما يشير براد لونكار، الخبير في التكنولوجيا الحيوية الصينية.

أدخلت بكين إصلاحات في منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ما سهل على شركات التكنولوجيا الحيوية جمع رأس المال والسعي نحو الابتكار، وقد أدت هذه التغييرات، إلى جانب السرعة النسبية وانخفاض تكلفة تطوير الأدوية والتجارب السريرية، إلى تعزيز النمو القوي لهذه الصناعة، وقد ارتفع مؤشر هانغ سنغ للتكنولوجيا الحيوية في هونغ كونغ بأكثر من 80% هذا العام، بفضل تزايد حماس المستثمرين.

وتعد جيانغسو هينجروي خير تجسيد لتحول الصين من مصنع مقلد للأدوية المطورة في الخارج إلى مركز للأبحاث، وتأسست عام 1970، لكنها قضت أول عقدين من عمرها شركة صغيرة مملوكة للدولة تصنع مطهرات منخفضة التكلفة، ثم في تسعينيات القرن الماضي بدأت الشركة بتطوير أدوية جنسية مضادة للسرطان، وفي عام 1997 تمت خصخصتها، وبدأت بالاستثمار في بناء قدراتها البحثية الخاصة.

واليوم، تمتلك الشركة واحدة من أكثر خطوط الإنتاج تنوعاً في البلاد، ويشمل إنتاجها علاجات إنقاص الوزن، وأدوية الأورام، وعلاجات الزهايمر.

وصرح توني رين، رئيس أبحاث الرعاية الصحية في آسيا في شركة ماكواري كابيتال، بأن هينجروي كانت «مؤشراً رائداً» لصناعة الأدوية في الصين.

وقال: «تقدم الشركة مزيجاً نادراً من عمليات البحث والتطوير المجربة، وعدداً من صفقات الترخيص الخارجي العالمية، ومهارات المبيعات المتمحورة حول الصين، والإدارة المهنية، والحوكمة الرشيدة للشركات». وأبرمت هينجروي اتفاقيات ترخيص مع شركات ميرك، وبريف هارت بيو، وجلين مارك في العام الماضي وحده. وفي يوليو أبرمت صفقة مع شركة الأدوية البريطانية جي إس كيه لتطوير ما يصل إلى 12 دواء.

وقال لونكار: «في الصين يمكن توسيع نطاق الأدوية واختبارها على البشر بشكل أسرع بكثير من الولايات المتحدة أو أوروبا»، وإذا كانت لديك فكرة لدواء فيمكنك الحصول على إجابة حول مدى فعاليته قبل عام أو عامين في الصين.

وبالنسبة للعديد من شركات التكنولوجيا الحيوية الصينية وفرت طفرة الشراكات الدولية رأس مال ضرورياً بعد سنوات صعبة اتسمت بإصلاحات لتسعير الأدوية، ضغطت على هوامش الربح في المبيعات المحلية.

وصرح تشاو بينغ، محلل الأدوية في شركة هواجينغ للأوراق المالية، بأن شركات التكنولوجيا الحيوية الصينية قد تكون عرضة لتقلبات الإيرادات من اتفاقيات الترخيص، والتي ترتبط بتحقيق مراحل محددة في التجارب السريرية مع تمويل جزء كبير من إنفاقها المتزايد على البحث والتطوير.

سلطت صفقات هينجروي الدولية الضوء على قلق شركات الأدوية الصينية، التي تسعى للحصول على موافقة دولية على أدوية جديدة، ورفضت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مراراً وتكراراً أحد أدوية هينجروي لعلاج السرطان، مثيرة تساؤلات حول مراقبة الجودة في مواقع تصنيعها.

وهناك أيضاً شركة أكيسو، ومقرها غوانغدونغ، والتي استحوذت على اهتمام المستثمرين، بفضل تقدمها في مجال علم الأورام ووصفها بأنها «بارعة في اكتشاف الأدوية وتنفيذها سريرياً».

وقد قوبل علاج أكيسو الرئيسي، إيفونسيماب، بمزيج من الحماس والتشكك، وقد تمت الموافقة على هذا الجسم المضاد ثنائي التخصص، الذي يستهدف مسارين للسرطان، في الصين العام الماضي - وهو أول علاج من نوعه يصل إلى السوق - ما رفع أسهم الشركة بأكثر من 90% في عام 2025، وقد تمت الموافقة عليه في البداية للاستخدام مع مرضى سرطان الرئة، الذين خضعوا للعلاج بالفعل، ولكن تم توسيع نطاق استخدامه منذ ذلك الحين.

وفي التجارب السريرية الصينية تفوق إيفونسيماب على دواء كيترودا من شركة ميرك، والذي يعد دواء السرطان الأكثر مبيعاً في العالم، في منع تطور الورم.

ومع ذلك ففي تجربة عالمية حديثة من المرحلة الثالثة فشل العلاج في تكرار نتائجه بين المرضى في أمريكا الشمالية وأوروبا، حيث عادت سرطاناتهم، وتقدمت بشكل أسرع مما أشارت إليه الدراسات الصينية.

يقول المحللون إنه من السابق لأوانه الحكم على الآفاق العالمية للدواء، حيث توسع شركة «أكيسو» نطاق اختباراتها لأنواع أخرى من السرطان، بما في ذلك سرطان القولون والمستقيم.

وفي حين أن عقار إيفونسيماب لا يزال الدواء الرئيسي للشركة فإن لدى «أكيسو» أيضاً خط إنتاج واسع النطاق، يشمل علم الأورام وأمراض المناعة الذاتية والتمثيل الغذائي.

ويسلط المحللون الضوء على تركيزها المتزايد على مقترنات الأجسام المضادة للأدوية (ADCs)، التي توصل العلاج الكيميائي المستهدف مباشرة إلى الخلايا السرطانية، ما يقلل من تلف الأنسجة السليمة.

وأصبحت مقترنات الأجسام المضادة للأدوية محور اهتمام قطاع التكنولوجيا الحيوية في الصين، مستغلة نقاط قوتها في مجال التجارب المعملية واسعة النطاق.

وقال تشاو بينغ: «يتطلب تطوير مقترنات الأجسام المضادة للأدوية قدراً كبيراً من التجربة والخطأ. إنها مشكلة هندسية، والصين لديها فائض من المهندسين».

وهناك شركة ثالثة بارزة وهي ليجند بيوتك، التي تتخذ من نيوجيرسي مقراً لها، إلا أن جذورها تعود إلى الصين، ولا تزال شركة جين سكريبت، ومقرها الصين، أكبر مساهم فيها. تعد ليجند بيوتك من أبرز مطوري العلاج الجيني في الصين.

وقد برزت بعد شراكتها عام 2017 مع شركة جونسون آند جونسون لتطوير علاج «كار- تي» للورم النقوي المتعدد، وهو نوع من سرطان الدم، وتم توجيه بعض الانتقادات لهذه الصفقة التاريخية آنذاك، باعتبارها رهاناً محفوفاً بالمخاطر على صناعة التكنولوجيا الحيوية الناشئة في الصين آنذاك، لكنها أسهمت في إشعال موجة صفقات الترخيص الحالية.

وضخت الشركات الأمريكية الكثير من الموارد في العلاج الجيني، لكن العديد منها واجه عقبات، بسبب ارتفاع التكاليف والعقبات التنظيمية في السوق المحلية.

وعلى النقيض من ذلك دعمت الجهات التنظيمية في الصين هذا المجال من خلال السماح بإجراء تجارب بشرية مبكرة وزيادة المرونة في كيفية تصميمها.

وتمت الموافقة العام الماضي في الصين على علاج «كارفيكتي» من ليجند بيوتك، بالتعاون مع جونسون آند جونسون - والذي يهدف إلى إعادة هندسة الخلايا المناعية للمريض لاستهداف السرطان وتدميره - لمرضى الورم النقوي المتعدد، الذين عاودتهم الإصابة بعد علاجات سابقة، لكن بينما عززت الجهات التنظيمية الصينية الابتكار أجبر انخفاض أسعار الأدوية المحلية الشركات على البحث عن فرص استثمارية في الخارج.

وصرح براد لونكار قائلاً: «من خيبات الأمل الكبرى أن المبيعات التجارية لقطاع الأدوية الصيني لم تزدهر حتى الآن».