ويشهد على ذلك الإغلاق الحكومي المستمر، الذي يقترب الآن من أسبوعه الخامس.
ويتبنى المزيد من الأمريكيين الآن نظرة سلبية متزايدة تجاه «الآخر»، وهو ما يطلق عليه الباحثون «الاستقطاب العاطفي».
وفيما، قيّم المشاركون في استطلاعات العام 1980 الحزب المعارض بمتوسط 48 درجة على مقياس من 0 إلى 100، فإنه بحلول عام 2024، انخفضت هذه الدرجة بأكثر من النصف.
كما أن هناك شريحة متزايدة من الأمريكيين تُبدي كرهًا شديدًا وعدم ثقةٍ بكلٍّ من الحزبين الرئيسيين ومؤيديهما. وقد اتسعت الفجوة الأيديولوجية بالفعل بين أعضاء الكونغرس الديمقراطيين والجمهوريين حتى بلغت حد الهوة.
لكن للأسف، للأمر أهمية لأسباب متعددة، فالتكاليف الاقتصادية للاستقطاب - ناهيك عن تداعياته المجتمعية والديمقراطية - باهظة. وأولها هو التأثير الواضح للشلل الحكومي.
وقد يصبح هذا الإغلاق الأطول والأكثر تكلفة. وتقدر أكسفورد إيكونوميكس أن عمليات الإغلاق تكلف ما بين 0.1 و0.2 نقطة مئوية من نمو الناتج المحلي الإجمالي أسبوعيًا، أو ما يقارب 200 مليار دولار حتى الآن.
وهذا يترك مشكلات سياسية مهمة دون معالجة. وكانت الهجرة، حتى وقت قريب نسبياً، مصدراً للتوافق الحزبي في الولايات المتحدة.
وكان السياسيون من كلا الحزبين لسنوات مؤيدين للهجرة (بعد أن كانوا مناهضين لها لعقود).
ولكن منذ مطلع الألفية تقريباً، بدأ الجمهوريون يتبنون موقفاً أكثر سلبية تجاه هذه القضية، وهو اتجاه تسارع مع انتخابات عام 2016.
وينظر إلى ترامب الآن بأنه الرئيس الأمريكي الأكثر معاداة للهجرة منذ أكثر من قرن، وفقًا لتحليل آخر 140 عامًا من خطابات الكونغرس والرئاسة.
وقد وجدت دراسة حديثة أن المهاجرين إلى الولايات المتحدة يساهمون بشكل واضح في الابتكار، وكان الدرس الرئيسي من جائزة نوبل في الاقتصاد لهذا العام هو أهمية الابتكار لتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
والمنطق هنا بسيط، فالهيئات التشريعية المُستقطبة تُؤدي إلى حالة عالية من عدم اليقين السياسي، مما يدفع الشركات إلى التردد وتأخير قرارات الاستثمار.
ولننظر إلى التقلب في الدعم الفيدرالي للمشاريع الصناعية الخضراء بين إدارتي بايدن وترامب.
وفي الواقع، مع استبعاد ما يتم ضخه في معدات وبرامج معالجة المعلومات - حيث تتجلى الطفرة بشكل أوضح - انخفض الاستثمار الثابت فعلياً منذ الربع الثاني من عام 2024، وفقاً لمكتب التحليل الاقتصادي.
ببساطة، أصبح اندماج الشركات التي تختلف اختلافًا جوهرياً في التوجه السياسي أكثر صعوبة وتكلفة.
وهناك بطبيعة الحال تكلفة اقتصادية أكبر للتخلي عن إبرام الصفقات.
كذلك، امتدت العدوى إلى رأس المال الاستثماري، حيث أصبحت الاستثمارات تتماشى بشكل متزايد مع التوجهات السياسية.
وهناك المزيد، فالاستقطاب يؤثر على النتائج الاقتصادية من خلال التوقعات.
وتتقلب المشاعر الاقتصادية على أسس حزبية تبعًا لمن يشغل منصبًا في البيت الأبيض. لكن بعد كل هذا التشاؤم، هل يمكن أن يكون هناك بعض الأمل؟
ومن منظورٍ أبعد مدى، بلغ الفارق بين متوسط موقف اليسار واليمين أدنى مستوياته في فترة ما بعد الحرب، قبل أن يرتفع بسرعة إلى ما هو عليه اليوم.
وهناك توافق كبير، على سبيل المثال، مع اتفاق أغلبية كبيرة على خطوات معالجة تغير المناخ وتقييد الوصول إلى الأسلحة.
أحدها هو الإعلام، خاصة البرامج الإذاعية الحوارية والأخبار التلفزيونية.
يكما يُعد النظام الانتخابي الأمريكي، مع الانتخابات التمهيدية التي يبدو أنها تُفضّل المرشحين المتطرفين، مصدراً مهماً آخر.
ولم يُساعد قرار المحكمة العليا الأمريكية بمساواة الإنفاق غير المحدود على الحملات الانتخابية بحرية التعبير.
وبينما قال عالم السياسة فرانسيس فوكوياما في صحيفة فاينانشال تايمز إنه: «يمكن حل جميع هذه المشكلات بالإصلاح»، فإن هذا يبدو مستبعداً في المستقبل المنظور. مستبعد نعم، ولكنه ليس مستحيلاً.
