توجه عالمي لتناول الطعام في المنزل يضر بالمطاعم ويحفّز خدمات التوصيل

ستيفاني ستايسي

تنتشر حالة من عدم الرضا بين رواد المطاعم، بسبب ارتفاع تكلفة تناول الطعام في الخارج. ويُغذي هذا التوجه اقتصاداً متنامياً لـ«تناول الطعام في المنزل»، حيث يتجنب المستهلكون تجربة تناول الطعام في الخارج، بحثاً عن الراحة والرفاهية، وتوفير التكاليف في غرف معيشتهم.

يُمثل هذا نوعاً جديداً من المنافسة للمطاعم، التي تواجه بالفعل تحديات خدمات التوصيل الشائعة، حيث تعاني بالفعل من ارتفاع تضخم أسعار الغذاء والعمالة، لا سيما في المملكة المتحدة. ويقول سيمون ستينينغ مؤسس شركة الاستشارات «فيوتشر فود سيرفيس»: «أصبح تناول الطعام في الخارج أكثر تكلفة بكثير، في وقت يتعرض فيه المستهلكون للضغط».

ومع معاناة المطاعم، ازدهرت أيضاً خدمات التوصيل، فبين عامي 2023 و2024، نمت قيمة سوق التوصيل في المملكة المتحدة بنسبة 8.2 %، متجاوزةً بكثير ارتفاعاً بنسبة 2.5 % في تناول الطعام في المطاعم، وفقاً لشركة يورومونيتور. وكان هذا التحول أكثر وضوحاً في الولايات المتحدة، حيث توسع سوق التوصيل بنسبة 18 % العام الماضي، بينما انكمش سوق تناول الطعام في المطاعم.

ويراهن القطاع على أن الاندماج سيفتح الأبواب أمام توسع أكبر. فقد وافقت شركة «دور داش»، ومقرها سان فرانسيسكو، على شراء «ديليفرو»، في صفقة بقيمة 2.9 مليار جنيه إسترليني، في مايو، منهيةً بذلك فترةً مضطربةً لشركة توصيل الطعام البريطانية في الأسواق العامة.

والدوافع الاقتصادية واضحة، فقد دفعت أسعار الفائدة المرتفعة والخوف من الصدمات الاقتصادية الأسر البريطانية إلى كبح الإنفاق أكثر من أي مكان آخر في دول مجموعة السبع، منذ عام 2020. وعبر المحيط الأطلسي، أدت المخاوف من تباطؤ سوق العمل، والتداعيات الاقتصادية الناجمة عن فرض الرئيس دونالد ترامب للرسوم الجمركية، إلى تثبيط الإنفاق.

لكن إلى حد ما، يُعدّ هذا التوجه جزءاً من تحوّل في ما بعد الجائحة، نحو الابتعاد عن التجمعات في أماكن مثل المقاهي ودور السينما والنوادي، والتوجه نحو حياة منزلية أقلّ اجتماعيةً وأكثر راحةً. ويقول سيمون ستينينغ إنّ طلب الطعام عبر التوصيل «أمرٌ سهلٌ ومعتاد». «يمكننا الحصول على جميع أطباقنا المفضلة من جميع العلامات التجارية الكبرى - طالما أننا نعيش في متناول أيدينا».

ويعد اقتصاد تناول الطعام في المنزل مربحاً للبعض، فيما كان وقتاً عصيباً بالنسبة للآخرين. فقد انخفضت زيارات مطاعم الوجبات السريعة في المملكة المتحدة بنسبة 8 % تقريباً، في الأشهر التسعة حتى سبتمبر، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، وفقاً لمزودة بيانات الضيافة «مينينغفول فيجن».

وأعلنت بيتزا هت، سلسلة المطاعم العائلية، بالفعل، إغلاق 68 مطعماً في جميع أنحاء المملكة المتحدة خلال الأسبوع الماضي، ما أدى إلى فقدان 1210 وظائف.

ويقول نيكولاس فاوند المستشار في شركة «ريتيل إيكونوميكس»، «إن أصعب نقطة في السوق، هي في المنتصف، فالأسر ذات الدخل المتوسط - شريان الحياة لمطاعم السوق المتوسطة - تعيد تخصيص إنفاقها، في ظل مواجهتها لضغوط مالية فريدة من نوعها». ويضيف أن هذه الفئة «تتطلع إلى تقليل استهلاكها، وخفض الطلبات، والتحول إلى حصص أصغر، أو العودة إلى تناول الحلويات المنزلية».

وتشهد الولايات المتحدة قصة مماثلة. فقد حذّرت كل من «آي إتش أو بي» و«داين براندز»، مالكة «ابلبيز»، و«سويت جرين» و«وينديز»، المستثمرين في أغسطس من أن تردد المستهلكين الأمريكيين في الإنفاق، يضر بالمبيعات.

ووفقاً لبيانات من شركة أبحاث السوق «سيركانا»، تناول الأمريكيون مليار وجبة أقل في المطاعم بين يناير ومارس، مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي. وقبل هذا الانخفاض، ظلت نسبة الوجبات التي يتم تناولها في المنزل، مقارنةً بالمطاعم، ثابتة تقريباً منذ عام 2023.

وكتب جيفري بيرنشتاين محلل المطاعم في باركليز الولايات المتحدة، في مذكرة إلى العملاء: «ظهرت علامات واضحة في الأرباع الأخيرة على أن المستهلكين يعانون من «إرهاق أسعار قوائم الطعام»، ما دفع المطاعم إلى أن تصبح أكثر نشاطاً في الترويج للقيمة، وأكثر جرأة في الخصومات، استجابةً لذلك».

وفي الولايات المتحدة، تضررت مطاعم الوجبات السريعة بشكل أكبر، حيث قلص المستهلكون الأفقر إنفاقهم بشكل كبير. وقال برايان هاربور المحلل في مورغان ستانلي، في مذكرة للعملاء، إن شركات سلاسل الوجبات السريعة كانت «الجزء الأضعف في السوق»، حيث «لا يزال العملاء من ذوي الدخل المنخفض انتقائيين للغاية ومقيدين».

وقال الرئيس التنفيذي لشركة ماكدونالدز، كريس كيمبزينسكي، في مكالمة الأرباح في أغسطس، إن العلامة التجارية كانت تشعر بتأثير «الكثير من القلق وعدم الارتياح»، بين المستهلكين ذوي الدخل المنخفض. «نتيجة لذلك، نرى الناس، إما يتخطون الوجبات.. أو يميلون إلى تناول الطعام في المنزل».

وتواجه المطاعم في المملكة المتحدة مجموعة من المشكلات. كما هو الحال في مختلف الأماكن بالعالم الغربي، فقد ارتفعت الأسعار بشكل كبير منذ عشية الجائحة، وبحسب بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية، كانت تكلفة تناول الطعام في المطاعم والمقاهي، أعلى بنحو الثلث في سبتمبر 2025، مقارنة بديسمبر 2019.

ويواجه أصحاب المطاعم البريطانية أيضاً ارتفاعاً في تكاليف العمالة، عقب زيادة الحد الأدنى للأجور، ومساهمات التأمين الوطني، التي أُدرجت في ميزانية وزيرة المالية، راشيل ريفز، لعام 2024، والتي دخلت حيز التنفيذ في أبريل.

يقول دوغلاس جاك المحلل في شركة بيل هانت: «المطاعم في وضع صعب: فكلما ارتفعت تكلفة العمالة، زادت الحاجة إلى زيادة الأسعار، وبالتالي، قد ينخفض عدد الزبائن». ويضيف: «مع ارتفاع معدلات الضرائب على المطاعم، أصبح تناول الطعام في المنزل هو الحل الجديد».

ويقول جوناثان ستينبرغ الخبير الاقتصادي في شركة كوفاس للتأمين الائتماني: «شهدنا ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الإعسار، منذ ميزانية العام الماضي، في القطاعات ذات الأجور المنخفضة، مثل قطاع الضيافة».

وعلى سبيل المثال، بلغ معدل الإعسار بين المطاعم وشركات خدمات الطعام المتنقلة، مثل المطاعم المؤقتة والشاحنات الصغيرة، في المملكة المتحدة، ضعف المتوسط في جميع القطاعات، وفقاً لأرقام «كوفاس». في غضون ذلك، حاولت بعض شركات المطاعم دخول سوق الطعام المنزلي.

فقد أضافت سلاسل المطاعم البريطانية، مثل «إيتسو» و«زيزي» و«بييتزا إكسبريس»، في السنوات الأخيرة، منتجات فاخرة جديدة، بما في ذلك السوشي المبرد، ونكهات البيتزا «المُحسّنة»، إلى مجموعاتها في المتاجر الكبرى. لكن آخرين يقولون إنه من المستحيل تكييف عروضهم الطازجة مع اشتراطات البيع بالتجزئة.

ويقول ديفيد روبرتس المتخصص في قطاع الضيافة في شركة المحاماة «سي إم إس»، والمالك المشارك لسلسلة مطاعم شرائح اللحم البريطانية «بلاك لوك»، إن مطعمه «يقدم مرقاً كنت سأشربه باللتر لو استطعت - لكننا لا نستطيع تقديمه في المتاجر الكبرى، لأننا سنضطر إلى وضع الكثير من المواد الكيميائية فيه، لضمان أن تكون له مدة صلاحية قابلة للتطبيق تجارياً».

لاحظ المحللون انقساماً متزايداً: فالمستهلكون يفضلون الاكتفاء بخدمة التوصيل وتناول الطعام في المنزل - إلا إذا كانوا سيحصلون على تجربة فريدة وشديدة التميز في المطاعم. ويقول كورت زديسار مؤسس مجموعة مطاعم تشوتو ماتي اليابانية البيروفية المختلطة: «لم يعد الجيد كافياً: لا بد أن تكون استثنائياً، أو أن يكون لديك شيء لا يمتلكه أحد غيرك».

وهكذا، بالنسبة للمطاعم، يتمثل التحدي الآن في إقناع الزبائن بأن تناول الطعام في الخارج لا يزال يستحق العناء. ويقول ستينينغ من شركة «فيوتشر فود سيرفيس»: «لم يعد بإمكاننا توقع خروج الناس إلى المطاعم، فقد فقدنا هذا الزخم. لذا، نحتاج إلى إعادة ابتكار أساليب جديدة باستمرار، لإغراء الناس بالخروج من منازلهم».

وبالنسبة لمجموعة مطاعم «ايفولف كوليكشن» الفاخرة، تطلّب هذا التوجه خلال الصيف، شحن 5 أطنان من الرمال لبناء شاطئ مؤقت في مطعمها الفرنسي «لو بون دي لا تور»، على ضفاف النهر في لندن. ويقول مارتن ويليامز الرئيس التنفيذي لشركة إيفولف: «يخرج الناس أقل مما كانوا يفعلون من قبل، لكن عندما يفعلون ذلك، فإنهم ينفقون أكثر، ويبحثون عن جودة أعلى.

لذلك، تتعرض المطاعم لضغوط لتقديم تجربة مختلفة». ويقول جيمس براون الرئيس التنفيذي لسلسلة مطاعم «بريتزوا إيتاليان» البريطانية «إن المستهلكين الآن يتوقعون المزيد من الطعام نفسه.. لقد تعلم الناس الطهي في المنزل، بفضل سهولة الوصول إلى دروس الطبخ على منصات مثل نتفليكس. وعندما يبذل الزبائن جهداً للذهاب إلى مطعم، ترتفع توقعات الجودة بشكل كبير».

لذلك، يبدي أصحاب المطاعم قدراً من الثقة بأنه على الرغم من العقبات الاقتصادية والهيكلية التي تواجه هذا القطاع، سيُقدّر المستهلكون دائماً تجربة قضاء ليلة في الخارج، أكثر من الذهاب إلى السوبر ماركت، أو طلب توصيل في علبة بلاستيكية.