هل يستطيع ترامب منع الهند والصين من شراء النفط الروسي؟

ريتشل ميلارد - ديفيد شيبارد - ليزلي هوك - أناستازيا ستوجني

تعدّ العقوبات الأمريكية المفروضة على أكبر شركات النفط الروسية الإجراء الأقوى حتى الآن ضد اقتصاد روسيا، كما تعدّ هذه هي المرة الأولى التي تضع فيها إدارة الرئيس دونالد ترامب تكاليف مباشرة على موسكو.

وأعرب ترامب عن أمله في رفع عقوباته «الهائلة» قريباً مع تسوية الحرب. لكن، هل ستجبر هذه العقوبات روسيا على الجلوس على طاولة المفاوضات؟ وإلى أي مدى سيرتفع سعر النفط في هذه الأثناء؟ ومن هم أكبر من يشتري النفط الخام الروسي؟

تصدر روسيا نحو 5 ملايين برميل من النفط الخام يومياً، ويذهب معظمها إلى الهند والصين، حيث تستورد الهند حوالي 1.5 مليون برميل، والصين 2.2 مليون برميل أخرى.

وكانت الهند تستورد كمية صغيرة فقط من النفط الخام الروسي قبل اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في فبراير 2022، لكن ذلك تغير في أواخر عام 2022 عندما بدأ مشترون آخرون في تجنب النفط الروسي بعدما فرض أعضاء مجموعة السبع حدوداً سعرية وقيوداً أخرى.

لكن هذه الخطوة حققت مكاسب غير متوقعة لمصافي النفط الهندية، التي استحوذت على الكثير من براميل النفط الخام الروسي المخفض السعر قبل معالجته وتحويله إلى بنزين وديزل وبيعه دولياً بأسعار السوق العادية.

ومن بين المشترين الآخرين للنفط الخام الروسي تركيا، التي تستورد حوالي 400 ألف برميل يومياً، بينما تذهب كميات أصغر أيضاً إلى بيلاروسيا وعدد قليل من الدول الأخرى.

وتعد الشركتان اللتان فرضت عليهما عقوبات حديثاً - روسنفت المملوكة للدولة بأغلبية أسهمها ولوك أويل المملوكة للقطاع الخاص - أكبر منتجي النفط في روسيا وتمثلان حوالي نصف إجمالي صادراتها من النفط الخام، وفقاً لمحلل «إس إي بي» أولي آر هفالبي.

لكن كيف تعمل العقوبات؟ العقوبات الأمريكية لها مدى بعيد، وذلك من خلال تهديدها بفرض ما يسمى «عقوبات ثانوية» على أي مؤسسة مالية تتعامل مع الكيانات الخاضعة للعقوبات، أي أن الولايات المتحدة تجبر بذلك الشركات التي تشتري النفط الروسي على الاختيار: هل ترغب في الاحتفاظ بإمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال الأمريكية، أم ترغب في التعامل مع هذه الشركات الروسية؟

بالنسبة للعديد من الشركات الدولية، الخيار واضح، إذ إن خطر فقدان إمكانية الوصول إلى التمويل بالدولار والنظام المالي الغربي الأوسع كبير للغاية. ويعني ذلك أن العقوبات الأمريكية، في الواقع، تعتبر بمثابة قائمة سوداء - بافتراض أن إدارة ترامب قررت تطبيقها بصرامة.

وكانت روسيا حققت بعض النجاح في الالتفاف على سقف الأسعار الذي فرضته مجموعة السبع سابقاً، والذي صمم للحفاظ على تواجد نفط موسكو في السوق .

- ولكن بسعر مخفض - لمنع ارتفاع الأسعار العالمية، لكنها بذلك فرضت عقوبات مالية على موسكو، حيث أدى انخفاض أرباح شركات النفط الروسية إلى انخفاض الضرائب التي تذهب للحكومة. والعقوبات الجديدة هي محاولة لتعزيز هذا التأثير.

إذن، ماذا قد يفعل مشترو النفط الروسي رداً على العقوبات الأمريكية؟ يجب على مشتري النفط الروسي اتخاذ قرارات سريعة بشأن كيفية الرد، فبالنسبة لمصافي النفط العالمية.

قد يكون فقدان الوصول إلى أسواق رأس المال الأمريكية كارثياً، حتى لو رغبت الحكومتان الهندية والصينية في تجنب الانطباع بأنهما تتعرضان للضغط من واشنطن.

ولذلك، أعلنت شركة ريلاينس إندستريز، إحدى أكبر الشركات متعددة الجنسية في الهند والمالكة لأكبر مصفاة في العالم، أنها ستعيد تقييم نهجها تجاه النفط الروسي.

وقالت حليمة كروفت من «آر بي سي كابيتال ماركتس»: إن العقوبات الثانوية «ستجبر مصافي النفط التي تعتمد على الوصول إلى أسواق رأس المال الأمريكية على البحث عن مصادر بديلة للإمداد». وهناك خطر إضافي على شركات النفط يتمثل في منعها من الوصول إلى أسواق التأمين والشحن الغربية. ففي حين أن روسيا بنت أسطولها الخاص من السفن منذ عام 2022، ستظل الشركات تعاني إذا منعت عملياتها الأوسع من الوصول إلى الأسواق الغربية.

تاريخياً، كانت الهند أقل استعداداً لشراء براميل النفط الخاضعة للعقوبات الأمريكية من دول مثل إيران مقارنة بالصين. ومن المرجح أن تواجه مصفاة نايارا في الهند، المدعومة من روسنفت والخاضعة بالفعل لعقوبات من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، المزيد من الضغوط.

وتبقى علامة الاستفهام الأكبر حول سلوك الشركات الصينية، بما في ذلك المصافي المستقلة والمدعومة من الدولة، التي قد تأمل في أن تكون في وضع أفضل يسمح لها بتجاهل التهديدات الأمريكية.

وتشتري الصين بعض النفط الروسي مباشرة عبر خط أنابيب بموجب اتفاقيات توريد طويلة الأجل، يصعب تتبع كمياتها مقارنة بالشحنات المنقولة بحراً، فيما طلبت بكين من العديد من شركات النفط الحكومية الصينية الكبرى تعليق مشترياتها من النفط الروسي المنقول بحراً في أعقاب العقوبات الأمريكية والأوروبية، وذلك وفقاً لمتعامل صيني يعمل مع إحدى المجموعات المملوكة للدولة، لكنه صرح بأن هذا التوقف قد يكون مؤقتاً فقط.

لكن هل سيدفع ذلك روسيا إلى طاولة المفاوضات؟ تشكل عائدات النفط والغاز حوالي ربع الميزانية الفيدرالية الروسية، وفقاً لوزارة المالية الروسية.

لذا فإن أي انخفاض كبير في الصادرات والإيرادات سيؤثر سلباً على موارد موسكو المالية، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبدى استعداده لتحمل ضغوط كبيرة، ومن غير المرجح أن يستسلم لأي تسوية تبدو وكأنها خسارة ماء الوجه.

كذلك، فقد استخدم بوتين إمدادات الطاقة كسلاح في الماضي، ما تسبب في أزمة الطاقة التي رافقت بدء الحرب في أوكرانيا من خلال تقليص إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا.

قال بنيامين هيلجنستوك، رئيس قسم أبحاث واستراتيجيات الاقتصاد الكلي في معهد كييف للاقتصاد: «المشكلة أن العقوبات تأتي في وقت «تشهد فيه الميزانية الروسية ضعفاً متزايداً»».

ووفقاً لبيانات وزارة المالية، انخفضت عائدات الطاقة الروسية، التي تأتي أساساً من النفط، بنسبة 20 % على أساس سنوي في الأشهر التسعة الأولى من عام 2025.

ومع ذلك، نصحت ألكسندرا بروكوبينكو، الباحثة في مركز كارنيغي - روسيا وأوراسيا، بعدم المراهنة على تحرك بوتين لإبرام صفقة سريعة، معتبرة أن «أهدافه تتجاوز المنطق الاقتصادي بكثير».

الآن، ماذا تعني العقوبات بالنسبة لسعر النفط؟ لقد ارتفع سعر خام برنت بالفعل بنسبة 9 % من أدنى مستوى له عند 60 دولاراً للبرميل في بداية الأسبوع، ما يشير إلى قلق واسع النطاق بشأن تأثير العقوبات.

وفي حين أن ارتفاع أسعار النفط قد لا يكون مرحباً به من جانب ترامب، الذي تعهد بخفض التضخم، إلا أنها تنطلق الآن من مستوى منخفض، بعد أن تراجعت كثيراً منذ أن أدى اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى ارتفاع سعر النفط الخام إلى ما يزيد على 100 دولار للبرميل. وقالت أمريتا سين، مؤسسة شركة إنرجي أسبكتس، إنها تتوقع أن يتجاوز السعر 70 دولاراً للبرميل.

وأوضحت: «تحاول الأسواق تحديد التأثير الحقيقي، ولكن إذا تجاوز الاضطراب، حتى لو كان مؤقتاً، مليوني برميل يومياً، فسيكون هناك ضغوط تصاعدية على الأسعار».

في الوقت الحالي، تتمتع الأسواق بإمدادات جيدة نسبياً، وقامت «أوبك+» بزيادة الإنتاج خلال الأشهر الأخيرة. وانخفضت الأسعار بنسبة 10 % خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من أكتوبر.

وقال مايكل هايغ، رئيس أبحاث السلع في سوسيتيه جنرال، إنه لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين، بما في ذلك بشأن مقدار انخفاض الإنتاج الروسي أو ما إذا كان بإمكان روسيا إيجاد مشترين بديلين إذا ابتعدت الهند. وقال هايغ: «لا نعرف كيف ستسير الأمور». «يبدو أن الأسواق تقول: اشترِ الآن، واسأل لاحقاً».