شركات البيانات الضخمة نقاط اختناق محتملة خاصة للأوروبيين

آلان بيتي

إذا كنت تحاول التحقق من رصيدك المصرفي، أو تعلّم لغة أجنبية، أو حتى لعب ألعاب عبر الإنترنت يوم الاثنين الماضي، فيمكن أن تكون شعرت ببعض الإزعاج، بعدما تعطلت خدمة الحوسبة السحابية من أمازون ويب سيرفيسز (AWS) لساعات عدة.

في هذه الحالة، كان الانقطاع خللاً فنياً تم إصلاحه بسرعة كبيرة. ومن المؤكد أن أحد مقاييس المخاطر الاقتصادية العالمية - أسواق الأسهم، لم تتأثر.

لكن الحادثة سلطت بعض الضوء على كيف أصبحت شركات البيانات الضخمة نقاط اختناق للتجارة العالمية. ويمكن إصلاح مثل هذه الحوادث، لكن تخيل كيف يمكن التلاعب بهذه القنوات ضد المنافسين الاقتصاديين أو السياسيين من قبل جهة مارقة.

إن إصدار الولايات المتحدة أوامر لشركاتها بتقييد الوصول إلى البيانات لقطاعات بأكملها أو اقتصادات أجنبية سيكون أمراً استثنائياً، ولكنه ليس مستحيلاً.

لذلك، ففي مجال الخدمات السحابية، كما هي الحال مع تقنيات الشبكات الأخرى مثل أقمار الإنترنت، تسارع القوى الاقتصادية الكبرى الأخرى إلى بناء قدرتها للصمود في وجه مثل هذا الأمر الاستثنائي الأمريكي.

لكن كالعادة، يتعثر سعي الاتحاد الأوروبي إلى «الاستقلال الاستراتيجي» بسبب فشله في التنسيق واعتماده على التنظيم بدلاً من المال النقدي.

لقد نجحت الولايات المتحدة في ترسيخ مكانتها الرائدة في مجال الخدمات السحابية من خلال ابتكارات القطاع الخاص. لكن المنافسة ولدت شركات ذات قوة سوقية هائلة.

تسيطر كل من «أمازون ويب سيرفيسز» و«مايكروسوفت أزور» و«جوجل كلاود» مجتمعة على ما يقرب من ثلثي السعة العالمية للخدمات السحابية، وفقاً لبيانات مجموعة الأبحاث «سينيرجي».

من جانبها، اعتمدت الصين على صناعة محلية بنيت برعاية حكومية واسعة النطاق، لكنها مغلقة إلى حد كبير أمام الغرباء. وانخرطت أستراليا، في المقابل بكل قوتها مع حليفها الأمني الوثيق، الولايات المتحدة، حيث تتعاون حكومتها مع «أمازون ويب سيرفيسز» لإنشاء«سحابة سرية للغاية».

وبالعودة إلى الاتحاد الأوروبي، فإن بروكسل تخشى الصراع مع ترامب.

وكما هي الحال في اعتماده على الحماية الأمنية الأمريكية ضد روسيا، أصبح الاتحاد الأوروبي مرتاحاً لاستخدام الخدمات السحابية الأمريكية وأرجأ بناء خدماته الخاصة. لذلك، تفتقر أوروبا إلى شركات سحابية عالمية المستوى.

وتقول شركة سينرجي إن حجم سوق الخدمات السحابية في الاتحاد الأوروبي قد تضاعف منذ عام 2021، من حوالي 30 مليار يورو سنوياً إلى حوالي 60 مليار يورو، لكن حصة مزودي الخدمات السحابية الأوروبيين ظلت ثابتة عند حوالي 15% فقط.

وبدلاً من تقديم إعانات كبيرة لا يستطيع تحملها عموماً على مستوى الكتلة، يستخدم الاتحاد الأوروبي عادة إغراء الوصول إلى قاعدة العملاء لتنظيم المنافسة والتوريد من الشركات المحلية والأجنبية على حد سواء.

لكن المشكلات الأمنية المصاحبة للاعتماد على الموردين الذين يقع مقرهم الرئيسي في الولايات المتحدة تعني أن هذا ليس النموذج المناسب للخدمات السحابية.

من جانبها، لا تكف شركات التكنولوجيا الأمريكية عن التأكيد على موثوقيتها.

وقد أعلنت شركة أمازون ويب سيرفيسز عن تأسيس «سحابة أوروبية سيادية» مستقلة، تديرها وحدات مسجلة في أوروبا وفريق إداري يضم مواطنين من الاتحاد الأوروبي مقيمين في الاتحاد.

ومع ذلك، قد يمتد تأثير قانون الحوسبة السحابية الأمريكي، الذي يمنح الحكومة الأمريكية صلاحيات واسعة على مزودي البيانات، إلى الاتحاد الأوروبي.

وبغض النظر عن ما يقوله القانون أو المحاكم الأمريكية، فإن ضغوط ترامب على المديرين التنفيذيين الأمريكيين قد يؤثر بلا شك على قراراتهم العالمية.

وإحدى الأفكار المطروحة هي أن يستخدم الاتحاد الأوروبي لوائح تنظيمية من نوع الترخيص لتقييد وصول الموردين الذين قد يشكلون خطراً كبيراً، على غرار الطريقة التي تتحقق بها حكومات الاتحاد الأوروبي من موردي شبكات الهاتف المحمول من الجيل الخامس.

وفي حالة الخدمات السحابية، قد يقيد هذا مشاركة المزودين الأمريكيين والصينيين على حد سواء.

والمشكلة أن تطبيق فكرة كهذه لن يتطلب فقط شجاعة سياسية لتحدي ترامب، بل سيتطلب أيضاً تحمل الأعباء المالية والبيئية لتوسيع خدمات الحوسبة السحابية المحلية.

على سبيل المثال، كان البرلمان والحكومة الهولنديان في مقدمة من حث الاتحاد الأوروبي على تقليل الاعتماد على المزودين الأمريكيين.

لكن هولندا نفسها شهدت سلسلة من القيود وقرارات الوقف المؤقت لبناء مراكز البيانات، لا سيما في أمستردام، نظراً للمخاوف بشأن استهلاكها للطاقة والمياه.

عموماً، فإنه في التعامل القضايا الجيوسياسية المتتالية - فرض عقوبات على روسيا، والدفاع عن أوكرانيا، وتأمين إمدادات المواد الخام الأساسية - فشل الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير في التنسيق وحشد الإرادة السياسية لفعل ما هو لازم.

وقد لا يكون هناك احتمال كبير لاستخدام ترامب للخدمات السحابية الأمريكية كسلاح، لكن التكاليف في حال قيامه بذلك قد تكون كارثية. وإذا أراد الاتحاد الأوروبي حماية اقتصاده وأن يصبح قوة استراتيجية، فعليه أن يتصرف بما يقتضيه ذلك.