وتتكون توربينات الغاز هذه من آلاف القطع الدقيقة الملليمترية، التي صُنعت وجُمعت على مدى عامين على الأقل، ويزن وزنها إجمالاً أكثر من طائرة بوينج 747.
وفي أوقات معينة من السنوات الماضية، لم يكن زوار مصنع التجميع مترامي الأطراف المملوك لشركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة يرون أي نشاط يُذكر داخل هذا المبنى.
حتى وقت قريب، كان الغاز في موقف دفاعي في ظل ازدهار الطاقة المتجددة وزيادة تعهدات صافي الانبعاثات الصفرية.
وبالنسبة للشركات المصنعة الثلاث التي تسيطر على حوالي ثلثي الإمدادات العالمية من توربينات الغاز - شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة اليابانية، وشركة سيمنز للطاقة الألمانية، وشركة جنرال إلكتريك فيرنوفا الأمريكية - بدا أن السوق قد انكمش بشكل لا رجعة فيه.
ولذلك، أعلنت شركة سيمنز للطاقة تسريح 6900 موظف في عام 2017 بسبب «اضطراب غير مسبوق النطاق والسرعة»، وتوقعت أن يستقر الطلب عند 110 وحدات كبيرة سنوياً، مقابل 400 وحدة يمكن أن تنتجها الصناعة.
وكان ريتش فوربيرج، رئيس شركة سيمنز للطاقة في أمريكا الشمالية آنذاك، أكثر حسماً في وقت لاحق: «توربينات الغاز ماتت في عام 2022».
بل من المتوقع أن تزيد الطلبات إلى 1025 وحدة هذا العام، منها 183 وحدة كبيرة، وهو أعلى رقم منذ عام 2011، ويمثل زيادة بنسبة 50% تقريباً عن المتوسط خلال السنوات الخمس السابقة، وذلك وفقاً لشركة «دورا بارتنرز»، وهي شركة استشارية متخصصة في مجال الطاقة.
ويُعزى انتعاش الغاز إلى الطلب المتزايد على الكهرباء من مراكز البيانات التي تُغذي طفرة الذكاء الاصطناعي.
في عام 2024، توقعت وزارة الطاقة الأمريكية أن تستهلك مراكز البيانات ما بين 6.7 و12 % من كهرباء الولايات المتحدة بحلول عام 2028، ارتفاعاً من 4.4 % في عام 2023. وتتطلب القدرة الحاسوبية اللازمة لتوسيع نطاق الذكاء الاصطناعي طاقة موثوقة على مدار الساعة، ما يجعل الولايات المتحدة بسرعة المركز العالمي لبناء محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالغاز.
على سبيل المثال، تقوم شركة الطاقة الأمريكية «إنتيرجي» ببناء ثلاث محطات طاقة جديدة تعمل بالغاز في لويزيانا مرتبطة بمركز بيانات «هايبريون» العملاق التابع لشركة «ميتا».
ويقول ياسوهيرو فوجيتا، وهو من قدامى العاملين في شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة: «هناك طلب هائل حالياً لدرجة أننا لا نستطيع تلبية جميع الطلبات».
ويضيف: «أشعر بأن هذه الطفرة هائلة لأنها عالمية. وفي الوقت الحالي، هناك طلب كبير من أمريكا الشمالية، بصفة خاصة».
ويعني نقص الإمدادات أن على العملاء الآن الانتظار ثلاث سنوات على الأقل إذا أرادوا شراء توربين من هذه الشركة، حيث تعمل هذه الشركات الثلاث على زيادة إنتاجها، ولكن ليس بالسرعة الكافية لتلبية الطلب المتزايد.
ويقول نشطاء المناخ إن الاندفاع نحو الغاز يتناقض بقوة مع اتفاقية باريس للمناخ الملزمة قانوناً، الموقعة عام 2015، للحد من الاحتباس الحراري إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين مقارنةً بمتوسطات ما قبل الثورة الصناعية.
وبينما يجري تطوير توربينات قادرة على حرق الهيدروجين لتوليد طاقة خالية من الانبعاثات، يبقى توافر الوقود النظيف لتوليد الكهرباء موضع شك.
ولطالما اعتُبر الوقود الأحفوري الأقل انبعاثات كربونية بمثابة «جسر» بين الفحم ومصادر الطاقة المتجددة للاقتصادات الناشئة.
وقد يمنع الاختناق في إمدادات التوربينات الدول الآسيوية النامية من استكمال بناء محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز في الوقت المناسب لتلبية الطلب المتزايد.
لذلك، فإنه حتى لو أرادت شركات المرافق الآسيوية تقديم طلب، فعليها الانتظار أربع أو خمس سنوات، ما يعني أنها ستبقى عالقة خلال السنوات الأربع أو الخمس المقبلة».
كما أن محدودية توافر الطاقة تهدد بحرمان الولايات المتحدة واليابان من أداة قوية للتأثير الإقليمي - وهي توفير التوربينات التي لا تزال الصين بعيدة عن إتقان صناعتها.
ومع توقف الغاز عن التداول وضعف البنية التحتية للشبكات الذي يحد من مصادر الطاقة المتجددة، يقول محللو الطاقة إن آسيا ستضطر إلى اللجوء إلى محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم، والتي غالباً ما تستخدم التكنولوجيا الصينية، للحفاظ على استمرارية الكهرباء.
وقال تاكاو تسوكوي، رئيس شركة ميتسوبيشي باور، الذراع التوربينية لشركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة، إن الأمر مختلف تماماً عما كان عليه قبل ثلاث سنوات فقط عندما كان التحول في مجال الطاقة أشبه بتعويذة.
وأضاف أنه في المؤتمر السنوي لصناعة الطاقة الآسيوية في بانكوك عام 2022، «كان الحديث عن الفحم أشبه بخطيئة.
لكن اليوم، تغيرت الأحوال بدرجة كبيرة».
