محطات طاقة الرياح البحرية تواجه عواصف اقتصادية وسياسية

راشيل ميلارد

يتميز بحر الشمال ببعض من أفضل سرعات الرياح في العالم لتوليد الطاقة، حيث يتجاوز متوسطها 9 أمتار في الثانية. لكن عندما عرضت الحكومة الألمانية موقعين رئيسيين أمام مطوري طاقة الرياح البحرية هذا الصيف، لم تتلق أي عرض.

وشكل فشل المزاد في أغسطس تناقضاً صارخاً مع ما حدث قبل عامين، عندما وافقت شركتا النفط «بي بي» و«توتال إنرجيز» على دفع مبلغ إجمالي قدره 12.6 مليار يورو مقابل حقوق تطوير مزرعتي رياح كبيرتين في المياه الألمانية في بحري الشمال والبلطيق.

لقد انهارت حماسة هذه الصناعة مع ارتفاع أسعار الفائدة وضغوط سلسلة التوريد التي تضغط على الجدوى التجارية للمشاريع إلى حد الانهيار. كذلك، فقد تراجع الدعم السياسي في الولايات المتحدة مع سعى الرئيس دونالد ترامب إلى عرقلة المشاريع وتعليق التصاريح.

وقال سفين أوترمولن، رئيس قسم طاقة الرياح البحرية في شركة الطاقة الألمانية «آر دبليو إي»، التي جمدت خططها للاستثمار في طاقة الرياح البحرية في الولايات المتحدة: «تمر طاقة الرياح البحرية بمرحلة عصيبة».

يعود هذا في المقام الأول إلى ارتفاع التكاليف، كما يعود ذلك إلى مناخ سياسي عام تباطأت فيه إلى حد ما جهود مكافحة تغير المناخ والسعي نحو إزالة الكربون والتحول في مجال الطاقة، ما أتاح المجال لبروز أولويات أخرى.

ومنذ عام 2023، تم إلغاء مشاريع لتوليد 24.1 جيجاواط من طاقة الرياح البحرية واتفاقيات الشراء، وفقاً للأرقام الصادرة من شركة وود ماكنزي للاستشارات في مجال الطاقة. يمكن لجيجاواط واحد أن يغذي ما يعادل مليون منزل في المملكة المتحدة.

وتقدر وود ماكنزي أيضاً أنه خارج الصين، قد تكون حوالي 100 جيجاواط من الطاقة المركبة جاهزة للعمل بحلول عام 2030 - أي أقل بـ 140 جيجاواط من الأهداف العالمية لإجمالي الطاقة المركبة لذلك العام.

وتأتي معاناة الصناعة بعد نمو سريع في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة للغاية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وأوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، حيث نمت القدرة المركبة من حوالي 3 جيجاوات في عام 2010 إلى 78.5 جيجاوات بحلول نهاية العام الماضي، نصفها تقريباً في الصين. وفي الوقت نفسه، ضغط المطورون المتنافسون على المشاريع الجديدة والعقود الحكومية على سلاسل التوريد لخفض التكاليف. وقد تغيرت هذه الديناميكيات منذ جائحة كورونا، حيث ارتفعت أسعار الفائدة ودفعت الشركات في سلسلة التوريد إلى التراجع. ويقول المحللون في شركة «تي جي إس 4 سي»: إن الإنفاق الرأسمالي للصناعة قد ارتفع إلى 3 ملايين يورو لكل ميجاوات، مقارنة مع 2.5 مليون يورو في عام 2022.

وتم إلغاء المشاريع أو انخفضت تقييماتها، بينما تجنب المطورون مزادات الرياح البحرية الحكومية المطروحة من هولندا والدنمارك إلى الهند. بموازاة ذلك، ضاعفت شركات النفط من استخدام الوقود الأحفوري.

واضطرت شركة أورستيد الدنماركية، أكبر شركة لتطوير طاقة الرياح البحرية في العالم، إلى جمع 9 مليارات دولار إضافية من المستثمرين، وأعلنت هذا الشهر أنها ستخفض ربع قوتها العاملة البالغ عددها 8000 موظف.

كما قامت شركة كوريو جينيريشن، ومقرها لندن، والمدعومة من ماكواري، بخفض الوظائف، بينما انسحبت شركة بلو فلوت إنرجي الإسبانية المطورة للطاقة من السوق.

وتتناقض مشكلات هذه الصناعة مع النمو الهائل للطاقة الشمسية، التي تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تمثل 80 % من الإضافة المتوقعة البالغة 4600 جيجاواط في سعة الطاقة المتجددة العالمية هذا العقد، في ظل الانخفاض الواضح للتكاليف وسهولة الحصول على التصاريح نسبياً.

ويتوقف مستقبل صناعة طاقة الرياح البحرية على مدى دعم الحكومات وشركات المرافق العامة والشركات للتكاليف المرتفعة، ما يساعد على توفير اليقين اللازم للصناعة وسلسلة التوريد للاستثمار.

وخفضت وكالة الطاقة الدولية هذا الشهر توقعاتها لنمو طاقة الرياح البحرية من 212 جيجاواط إلى 140 جيجاواط بحلول عام 2030، إلا أن الوتيرة المنخفضة ستظل أكثر من ضعف ما كانت عليه في السنوات الخمس السابقة.

في غضون ذلك، شهدت آفاق صناعة طاقة الرياح في الولايات المتحدة تراجعاً حاداً في عهد ترامب، الذي وصف طاقة الرياح بأنها «أسوأ أشكال الطاقة».

وفي أبريل، أمرت إدارته شركة إكوينور النرويجية بوقف العمل في مشروعها «إمباير ويند» قبالة سواحل نيويورك، قبل أن تسمح لها بالمضي قدماً في مايو.

وفي أغسطس، أمرت الحكومة شركة أورستيد بوقف العمل في مشروعها «ريفولوشن ويند»، على الرغم من أن أورستد أقنعت قاضياً برفع الأمر مؤقتاً.

وتستثمر شركات تصنيع توربينات الرياح الرائدة، مثل سيمنز جاميسا الإسبانية وفيستاس الدنماركية، في قدرات إنتاجية جديدة.

لكن شركة «تي جي إس» تحذر من احتمال استمرار العجز بالقطاع إذا لم يتوسع المصنعون الصينيون أكثر في الأسواق العالمية.

وقد تعيق النزاعات التجارية والمخاوف الجيوسياسية ذلك، حيث تجري أوروبا تحقيقات بشأن ما إذا كان مصنعو توربينات الرياح الصينيون يتلقون دعماً غير عادل، بينما حث كريس رايت، وزير الطاقة الأمريكي، الدول على شراء تقنيات أقل من الصين.

مع ذلك، يرى سفين أوترمولين من شركة الطاقة الألمانية «آر دبليو إي»، أن العوامل التي تصب في صالح القطاع، مثل قدرته على توفير الطاقة المحلية لساعات أطول من اليوم مقارنة بالطاقة الشمسية، ومن أماكن أبعد عن منازل الناس، ستستمر في دفع عجلة الصناعة.

وقال: «الأساسيات سليمة، لكن الصناعة بحاجة إلى الوصول إلى مسار نمو مستدام يتوازن فيه العرض والطلب».