جو ميلر - أليكس روجرز - بول كاروانا غاليزيا - نيكو أصغري
كشف تحليل لصحيفة «فاينانشال تايمز» أن ما لا يقل عن 30 فرداً أو شركة ممن تبرعوا مجتمعين بأكثر من 116 مليون دولار لصالح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد حققوا منافع أو استفادوا من مزايا من وراء البيت الأبيض. وتضم القائمة مليارديرات العملات المشفرة والتكنولوجيا الذين أقاموا علاقات وثيقة مع عائلة ترامب وحظوا بإمكانية الوصول إلى الرئيس. كما تضم شركات تأمين كبرى، وحتى شركة مصنعة للضمادات من الأنسجة البشرية. وقد قُدمت الأموال قبل تنصيب الرئيس وبعده. لكن التحليل لا يشير إلى دليل على وجود سلوك غير قانوني.
وتُقدم الشركات والأفراد بانتظام تبرعات ضخمة لكل من الجمهوريين والديمقراطيين الساعين إلى الرئاسة، غالباً على أمل وضع سياسات مواتية لمصالحهم. وقد طرحت الإدارات السابقة من كلا الحزبين سياسات أفادت كبار المانحين. وعلى سبيل المثال، أنفق أفراد مرتبطون بشركة تصنيع الألواح الشمسية «فيرست سولار» ما لا يقل عن 1.5 مليون دولار على حملة جو بايدن لعام 2020، للاستفادة من دعم هائل للطاقة الخضراء عبر قانون خفض التضخم للرئيس السابق، لكن في عهد ترامب أصبحت مثل هذه الحوادث أكثر شيوعاً وأكثر وضوحاً.
ويقول بوب باور، المستشار القانوني السابق للبيت الأبيض في عهد باراك أوباما: واجهت الإدارات السابقة اتهامات بأن المال يشتري الامتيازات، لكن ما يميز هذه الرئاسة هو الشيوع والعلنية.
وبعد الإعلان عن إعادة انتخاب في نوفمبر الماضي، فتحت أغنى الشركات الأمريكية محافظها. ولذلك، حصد صندوق تنصيب ترامب رقماً قياسياً قدره 240 مليون دولار من التبرعات، متجاوزاً بكثير مبلغ الـ62 مليون دولار الذي جمعه بايدن.
ولم تتوقف هذه التدفقات. ومن بين 116.8 مليون دولار دفعها أفراد وشركات استفادوا من إدارته، وصل أكثر من 92.5 مليون دولار بعد الانتخابات - على الرغم من أن ترامب ممنوع دستورياً من الترشح مرة أخرى.
وتم تقديم العديد من التبرعات إلى لجنة «ماغا إنك سوبر باك» التابعة له، والتي تأسست رسمياً لدعم حملة ترامب الرئاسية. وفي النصف الأول 2025، جمعت اللجنة 200 مليون دولار من التبرعات. وسرعان ما يرى بعض المتبرعين أن البيت الأبيض قد حقق مصالحهم. وتُظهر السجلات العامة الصادرة عن لجنة الانتخابات الفيدرالية، وهيئة الأوراق المالية والبورصات، ووزارة العدل، نمطاً متكرراً من العفو، والإعفاءات التنظيمية، والسياسات التفضيلية التي تمنح للمتبرعين الكرماء.
وينفي البيت الأبيض أي ادعاءات بتقديم خدمات. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، أبيجيل جاكسون: «أي ادعاءات بالمعاملة الخاصة باطلة وتفتقر إلى أي أساس واقعي - فإدارة ترامب والرئيس يتخذان قراراتهما بناءً على ما هو في مصلحة الشعب الأمريكي، لا غير»، لكن العديد من الجماعات الأخلاقية والمشرعين يقولون إن عدد حالات استفادة مانحي ترامب المحتملين من الإجراءات التي اتخذها البيت الأبيض غير مسبوق.
ويقول ديلان هيدتلر- جوديت، مدير الشؤون الحكومية في مشروع الرقابة الحكومية، وهي هيئة رقابية غير ربحية: نحن في عالم جديد غير مسبوق من تضارب المصالح المالية، وتداخل الأعمال مع السياسة.
وعقد قطاع العملات المشفرة آمالاً كبيرة على ولاية ترامب الثانية، ونتيجةً لذلك، أنفقت بعض أكبر شركاته ببذخ على إعادة انتخابه. ووعد ترامب خلال حملته الانتخابية بجعل الولايات المتحدة «عاصمة العملات المشفرة في العالم». ويمتلك هو وعائلته الآن مصالح تجارية واسعة في هذا القطاع، حيث يبيعون عملات «الميم كوين» والـ«توكن» والعملات المستقرة.
وبمجرد توليه منصبه، أطلق ترامب إجراءات تنظيمية أكثر مرونة. وقامت وزارة العدل بحل وحدة إنفاذ قوانين العملات المشفرة التابعة لها. وفي مذكرة آنذاك، قال نائب المدعي العام الأمريكي، تود بلانش، إنه من الأفضل للجهات التنظيمية، مثل هيئة الأوراق المالية والبورصات، الإشراف على الأصول الرقمية «خارج إطار العدالة الجنائية العقابية».
كما عيّن الرئيس، بول أتكينز، المدافع عن العملات المشفرة، رئيساً لهيئة الأوراق المالية والبورصات، التي ألغت أجندة الإنفاذ والتنظيم الصارمة التي تبناها سلفه غاري جينسلر. وهذا يتماشى جيداً مع أولويات بعض المانحين. ويقول تيم درابر، وهو ملياردير مستثمر بالعملات المشفرة تبرع لكلا الحزبين في الماضي، إنه قدم مليون دولار لـ«ماجا إنك» في أبريل، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه يرى أن البلاد «بحاجة إلى هيئة أوراق مالية وبورصات أكثر ملاءمة للأعمال» مما كانت عليه في عهد بايدن.
ويُظهر تحليل «فاينانشال تايمز» عدداً من الحالات التي أنهت فيها هيئة الأوراق المالية والبورصات تحقيقات حول شركات العملات المشفرة التي تبرع مالكوها أو داعموها لمصالح ترامب، أحياناً بعد وقت قصير من تقديم تبرعاتهم. ومن الأمثلة على ذلك أعمال تايلر وكاميرون وينكلفوس، اللذين تبرعا بأكثر من 3 ملايين دولار للجان العمل السياسي التابعة لترامب، بما في ذلك مليون دولار لـ«ماجا إنك» في يناير. كما أنه بعد ذلك بأسابيع، أغلقت هيئة الأوراق المالية والبورصات تحقيقاً طويلاً حول بورصة «جيميناي» للعملات المشفرة التابعة لهما.
علاوة على ذلك، استثمر التوأمان وينكلفوس في شركة أمريكان بيتكوين، وهي شركة تعدين عملات مشفرة شارك في تأسيسها ابنا ترامب، دونالد جونيور وإريك، كما موّلا لجنة عمل سياسي جديدة «لدعم أنصار أجندة الرئيس ترامب للعملات المشفرة». وأُدرجت «جيميناي» مؤخراً في بورصة ناسداك، وتبلغ قيمتها السوقية حوالي 2.5 مليار دولار.
وفي مثال آخر، تبرعت «كوين بيس» ومؤسسها المشارك فريد إهرسام بمليون دولار لكل منهما لحفل تنصيب ترامب. كما تبرع المستثمران المغامران مارك أندريسن وبن هورويتز، اللذان كانت شركتهما من أوائل المستثمرين في كوين بيس وأكثر من 100 شركة أخرى في مجال العملات المشفرة، بما يقارب 14 مليون دولار للجان العمل السياسي الموالية لترامب منذ يوليو 2024. وفي فبراير، سحبت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية دعوى قضائية كبرى ضد كوين بيس، منهيةً معركةً استمرت لسنوات.
وتبرعت الشركة الأم لـ«كريبتو دوت كوم»وهي جهة مانحة أخرى لحفل تنصيب ترامب، بمبلغ 10 ملايين دولار لـ«ماجا إنك» في 14 فبراير. وبعد ستة أسابيع، أغلقت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية تحقيقاً لها حول الشركة. وفي أغسطس، وقّعت المجموعة الإعلامية لعائلة ترامب أيضاً صفقة ضخمة لشراء الرمز المميز الذي أصدرته «كريبتو دوت كوم» وارتفع سعره بشكل حاد.
كما أسقطت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية قضايا ضد «نوفا لابس»، الشركة التي تقف وراء شبكة «هيليوم بلوك تشين»، ومنصة التداول «اوبن سي» وكلاهما مدعوم من شركة «أندريسن هورويتز».
وشهدت ثروة جاستن صن، المولود في الصين، وهو قطب آخر في مجال العملات المشفرة تغيراً لافتاً بعد إنفاقه أموالاً على مجموعات مرتبطة بترامب. وبصفته مواطناً أجنبياً، يُحظر على صن التبرع مباشرة للانتخابات السياسية الأمريكية. لكن بين نوفمبر ويناير، أنفق 75 مليون دولار على رموز أصدرتها «وورلد ليبرتي فاينانشال»، وهي شركة عملات مشفرة تسيطر عليها عائلة ترامب. وفي فبراير، قبلت محكمة اتحادية طلب هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية وصن بإيقاف قضية تم رفعها ضده وضد شركاته.
وأنفق صن ملايين الدولارات الإضافية على عملة ترامب الميم كوين، ليصبح أكبر حامل لها، ويحصل على دعوة لحضور عشاء استضافه الرئيس في نادي ترامب الوطني للغولف في مايو. كما تعهد لاحقاً بشراء ما قيمته 100 مليون دولار إضافية من الميم كوين نفسها. وكتب صن على منصة إكس في ذلك الشهر: «لقبي الجديد: أكبر معجب بترامب».
ويقول خبراء الأخلاقيات إن هناك عدداً هائلاً من حالات تضارب المصالح المحتملة التي حددتها «فاينانشال تايمز»، وهو أمر مُقلق للغاية.
