هل من مخرج لأوروبا من تبعات حرب التكنولوجيا الأمريكية الصينية؟

يمثل استيلاء الحكومة الهولندية على شركة نيكسبريا، المصنعة للرقائق، من مالكتها الصينية «وينغتيك» لحظة فارقة في تحول أوروبا من واحدة من أكثر التكتلات التجارية انفتاحاً في العالم إلى كتلة تغرق بشكل متزايد في مشكلات أمنها الاقتصادي.

وما يزيد الدهشة أكثر وأكثر هو أن هذا الأمر يأتي من دولة صغيرة حريصة على تطبيق التجارة الحرة، وذات ميول تجارية متساهلة، وهو ما ساعد على موافقتها على بيع نيكسبريا لمستثمرين صينيين في عام 2017.

وبهذا الاستحواذ، دخلت هولندا مباشرة في الصراع المحتدم على التفوق التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، والذي يتمحور بصفة خاصة حول صناعة أشباه الموصلات.

وكانت نيكسبريا واحدة من العديد من عمليات الاستحواذ الاستراتيجية واسعة النطاق التي قام بها مستثمرون صينيون على شركات غربية متخصصة في تقنيات أو مجالات البنية التحتية الحيوية خلال منتصف العقد الماضي.

وهي أول عملية تستعيد فيها حكومة غربية السيطرة على شركة أصبحت مملوكة بالكامل لجانب صيني. وقد لا تكون الأخيرة. وسبق للدول الأوروبية أن تدخلت مع مالكين صينيين، وذلك عندما استولت فرنسا على أسهم شركة أوميك، المصنعة للرقائق الإلكترونية والتي كانت تسيطر عليها الصين، في عام 2023.

وفي العام السابق، أمرت حكومة المملكة المتحدة شركة نيكسبريا ببيع الجزء الأكبر من حصتها في مصنع نيوبورت ويفر فاب.

وكانت كل من أوميك و«نيوبورت ويفر فاب» كيانين صغيرين ينتجان، أو يحتمل أن يقوما بإنتاج أشباه موصلات أكثر تطوراً للتطبيقات العسكرية.

وشركة نيكسبريا متخصصة في تصنيع الرقائق الأساسية لمجموعة من الإلكترونيات الاستهلاكية والتطبيقات الصناعية والسيارات.

ولدى الشركة خبرة وقدرة إنتاجية في أوروبا، وهو ما تحتاج القارة إلى حمايته، نظراً لأهمية الإلكترونيات الدقيقة للابتكار وسلاسل التوريد.

وقد تسبب النقص العالمي في الرقائق الإلكترونية في عام 2021 في اضطرابات حادة لشركات صناعة السيارات الأوروبية وغيرها من القطاعات التصنيعية.

من هذا المنطلق، تعد أعمال نيكسبريا ذات أهمية استراتيجية للاقتصاد الأوروبي. وإذا انتقل الإنتاج إلى الصين، فسيصبح الاتحاد الأوروبي أقل استقلالية وأكثر عرضة للخطر.

وقد استثمرت نيكسبريا، تحت قيادة الرئيس التنفيذي تشانغ شيويه تشنغ، في منشآتها الأوروبية.

لكن السلطات الهولندية تدخلت بعدما تردد حول مساع لتقليص عمليات نيكسبريا الأوروبية. كما أنها كانت تخشى من استعداد تشانغ شيويه تشنغ لنقل أصول وحقوق ملكية فكرية إلى كياناته الصينية.

ومهما كانت صحة هذه المخاوف، فإن وثائق المحكمة في هذه القضية تشير إلى أن السلطات الهولندية كانت تتصرف تحت ضغط من الولايات المتحدة لاستعادة السيطرة على نيكسبريا من مالكها الصيني. وأدرجت وزارة التجارة الأمريكية شركة وينغتيك في القائمة السوداء العام الماضي.

ثم رفعت واشنطن من مستوى الضغوط بتوضيح أن القائمة السوداء تنطبق أيضاً على نيكسبريا، الشركة التابعة لـ«وينغتيك».

وإلى جانب ضرورة العمل لحماية أو بناء القدرات التصنيعية في القطاعات الاستراتيجية، يتعين على الحكومات والشركات الأوروبية الآن أن تأخذ المخاوف الجيوسياسية على محمل الجد. ولم يعد قائماً ذلك الافتراض القديم بأن الترابطات المعقدة تجبر الدول في سلسلة التوريد على العمل معاً.

وتتمتع هولندا ببعض الخبرة في الحفاظ على التوازن الدقيق بالفعل مع شركة «أيه إس إم إل»، عملاق تصنيع معدات الرقائق.

فقد اضطرت إلى الامتثال لقيود التصدير الأمريكية على أحدث أجهزتها، لكن الاستحواذ على نيكسبريا كان خطوة أكثر حدة، ما أثار رد فعل انتقامي فوري من بكين، بحظر تصدير منتجات نيكسبريا المجمعة في الصين. ومن المتوقع المزيد من ردود الفعل الانتقامية وتسارع فصل سلاسل التوريد.

لقد أخطأت هولندا أصلاً في السماح ببيع نيكسبريا، حتى وإن تحركت الآن بحزم لتصحيح ما حدث من خطأ، لكن هذه الحادثة تبرز في كل الأحوال حاجة الاتحاد الأوروبي إلى تطوير استراتيجية أفضل لأشباه الموصلات، خصوصاً أن الأوروبيين بعيدون كل البعد عن طموحاتهم في حصة سوقية عالمية تبلغ 20 %. وسيكون مجرد التفكير في الأمر بداية جيدة.