العلاقات الأمريكية الصينية والعودة إلى سياسة حافة الهاوية

إدوارد لوس

مهما كانت عيوب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن التلاعب بحرب عالمية ثالثة ليس من بينها. لكن الأمر نفسه لا ينطبق على نهجه في التجارة، فهو في هذا المضمار يتبنى الحرب الدائمة.

وهو في الوقت نفسه هبة لا تنضب للصين، حتى ولو كان من المرجح أن تؤدي سياسة حافة الهاوية التي انتهجها ترامب في التجارة إلى تراجع آخر.

إننا يجب ألا ننسى كم مرة أساءت واشنطن، غير المؤيدة لـ«ماغا»، فهم بكين. وعندما انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، كان الإجماع على أنها ستتحرر حتماً مع استمرار صعودها لدرجات سلسلة القيمة المضافة، وأنه كلما تحول اقتصاد الصين نحو الخدمات، زادت حاجتها إلى الديمقراطية لتمكين طبقاتها المبدعة من الاستفادة.

وقد ثبت خطأ هذا الاعتقاد تماماً. فالصين في عهد جيانغ تسه مين في بداية هذا القرن كانت أقل تشدداً بكثير مما هي عليه اليوم في عهد شي جين بينغ. ومع ذلك، فإن اقتصادها اليوم أكبر بأكثر من 15 ضعفاً.

وكان الخطأ الثاني الذي ارتكبته واشنطن مع تقدم العقد الأول من القرن الحادي والعشرين هو افتراضها أن الصين لا تستطيع الابتكار. وكان هذا نتيجةً للخطأ الأول. فبما أن الصين كانت أقل تتحرراً، كما ساد الاعتقاد، فإن روح البحث والتجريب التجاري الحرة ستكون غائبة. وأن أقصى ما يمكن للصين فعله هو خداع الشركات الغربية من خلال استقطابها للاستفادة من أسواق الصين الشاسعة لإجبارها على نقل التكنولوجيا. وهكذا، في الواقع، تطورت الأمور.

لكن في خضم هذه العملية، استعادت الصين ذاكرة الابتكار. وكان الغرب أيضاً قصير النظر. فقد اخترعت الصين الطباعة والبوصلة والخزف والبارود وصناعة الورق. وتتقدم الصين اليوم على غيرها في العديد من التقنيات، بما في ذلك الطاقة المتجددة والطائرات بدون طيار والأسلحة الأسرع من الصوت والبطاريات. ويمكن أن يكون الرابط بين المجتمعات الحرة والابتكار قوياً، لكنه ليس كل شيء.

الخطأ الثالث، وربما الأسوأ، هو افتراض أن الصين في صراع صفري مع أمريكا على إدارة العالم. وتدرك أمريكا أن «السلام الصيني» أمر مستبعد.

وحتى لو سعت الصين إلى إعادة تشكيل العالم على صورتها - وهو أمر ينبغي مناقشة أدلة عليه بمزيد من التفصيل - فإن بكين تفتقر إلى التحالفات اللازمة لتحقيق ذلك، فقد بُني السلام الأمريكي على شبكة أمريكا الفريدة من الحلفاء والقواعد العالمية.

يشير صقور الصين إلى أن بكين لن تحتاج إلى حلفاء إذا فازت في سباق الذكاء الاصطناعي العام، وأنها ستحقق الهيمنة العالمية نتيجة لذلك. ويقول البعض إن الوصول إلى الذكاء الخارق أولاً سيمنح الصين القدرة على سحق جيش أمريكي يُديره البشر وأي جيش آخر. وهذه، في الواقع، حجة استغلها وادي السيليكون إلى أقصى حد رغم أنها تستند إلى فكرة شبه هزلية يعترض عليها العديد من خبراء الذكاء الاصطناعي.

ولا يبدو أن ترامب يشارك الرأي القائل بأن الولايات المتحدة والصين عالقتان في منافسة محتدمة على التفوق العالمي. ومع ذلك، فإن أفعاله تغذي طموحات الصين وتزيد من احتمالية تصادم القوتين في مرحلة ما. كما أنه يخرج بحال أسوأ كلما صعد تجارياً مع الصين، فالصين تتمتع بأدوات أكبر في حربها التجارية مع أمريكا.

ويمكن للولايات المتحدة إيقاف صادرات الرقائق عالية الجودة ومعالجات الذكاء الاصطناعي والآلات اللازمة لتصنيعها. وهذا ما حاول جو بايدن القيام به. في المقابل، يمكن للصين إغلاق جميع طرق الوصول إلى معادنها الأرضية النادرة. وعلى الرغم من أنها لا تزال متخلفة عن أمريكا، فقد أظهرت الصين أن بمقدورها الابتكار بسرعة في أشباه الموصلات وغيرها من التقنيات ذات الاستخدام المزدوج.

وعلى النقيض من ذلك، كان لدى الولايات المتحدة 15 عاماً لتعويض النقص الكبير في المعادن الأرضية النادرة وقدرات المعالجة لكنها لم تفعل شيئاً تقريباً لإصلاح ذلك.

ولذلك، فإن قدرة الصين على الإضرار بالاقتصاد الأمريكي أقوى في الوقت الحالي وليس العكس، ما يعني أن ترامب من المرجح أن يجفل أولاً.

لكن، لماذا يصمت صقور الجمهوريين عن انتقاد ترامب بشأن الصين؟ جزئياً بسبب الخوف. وفي الغالب لأنه يمنحهم ما يريدونه بشأن الذكاء الاصطناعي، فقد تخلص ترامب من الحواجز القليلة التي كانت موجودة. وفي وادي السيليكون يمجدون فوائد الذكاء الاصطناعي العديدة للبشرية. ودائماً ما تشير جماعات الضغط التابعة لهم في واشنطن بشكل رئيسي إلى السباق في هذا المجال مع الصين.

عموماً، فإن ترامب يعتقد أنه صانع السلام الأبرز، لكن أفعاله تغذي ثقة الصين بنفسها. وسيكون من الغريب افتراض أنه يدرك جيداً ما يفعله في هذا السياق.