مجلس تحرير «فاينانشال تايمز»
تُجري مجالس إدارات الشركات المختلفة حول العالم، تجارب مكثفة لتبنّي الذكاء الاصطناعي في أعمالها. وسيكون هناك العديد من التطبيقات لهذه التقنية الموفرة للتكاليف والوقت، بدءاً من روبوتات الدردشة لخدمة العملاء، وصولاً إلى أدوات تحليل البيانات السريعة. وهناك استخدامات أخرى، لا يزال الجدل حولها محتدماً.
وكان أول إعلان لشركة كوكاكولا بعنوان «الأعياد قادمة» لعيد الميلاد، والمُولّد بتقنية الذكاء الاصطناعي، العام الماضي، قد أثار ردود فعل غاضبة على الإنترنت. وكشف بنك «يو بي إس» السويسري هذا الأسبوع، عن استخدامه لصور مزيفة لمحلليه للتفاعل مع عملائه.
وعلى الرغم من التشابه الغريب، فإن المستثمرين لا يزالون يثقون أكثر بالعنصر البشري الحقيقي، للحصول على نصائح حول إدارة محافظهم الاستثمارية.
ورغم أن بعض الدراسات تشير إلى أن معدل فشل مشاريع الذكاء الاصطناعي يصل إلى 80 %، فقد بدأت تغييرات لافتة تظهر بالفعل في أسواق العمل، وصناعة التكنولوجيا في طليعة المجالات التي تطالها التغييرات.
وخلال الأسبوع الماضي، أعلنت «مايكروسوفت» عن تسريح 6000 موظف، بما في ذلك عاملون في إدارة المنتجات وهندسة البرمجيات. وفي أبريل، أعلن تطبيق التدريب اللغوي «دولينجو»، أنه سيركز على الذكاء الاصطناعي أولاً.
ويعني هذا جزئياً، زيادة عدد الموظفين فقط إذا لم يتمكن الفريق من أتمتة المزيد من عمله. وفي العام الماضي، تم تسريح ما لا يقل عن 95000 عامل في شركات التكنولوجيا الأمريكية، في عمليات تسريح جماعية، وفقاً لإحصاء «كرانش بيس» للمقالات الإخبارية.
ومع ذلك، قد تكون المخاوف من موجة وشيكة وواسعة النطاق من عمليات التسريح المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في قطاع التكنولوجيا، مبالغاً فيها. فعلى الرغم من شيوع الإشارة إلى الذكاء الاصطناعي في مكالمات أرباح شركات «إس آند بي 500».
إلا أن هذه الإشارات لا ترتبط جميعها بمشاريع أو استثمارات فورية لتوفير التكاليف. فهي في بعض الأحيان خطط مؤقتة لتطبيق الذكاء الاصطناعي، والتي قد تثير إعجاب المستثمرين، لكنها لا تؤتي ثمارها دائماً.
وفي حالات أخرى، قد تأتي عمليات تسريح الوظائف الناجمة عن الذكاء الاصطناعي بنتائج عكسية. ففي العام الماضي، تفاخرت شركة «كلارنا» بأن الذكاء الاصطناعي قد حل محل 700 موظف بدوام كامل.
لكن مؤخراً، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة خدمات الدفع، إطلاق حملة توظيف، لضمان وصول المستخدمين الدائم إلى ممثل مباشر. وليس تعويد العملاء على التفاعلات غير البشرية، السبب الوحيد وراء استغراق دمج الذكاء الاصطناعي وقتاً، فأنظمة تكنولوجيا المعلومات القديمة، تتطلب وقتاً للتحديث. كما أن هناك خطر المبالغة في تقدير التخفيضات التكنولوجية الأخيرة.
فمن المعتاد في أوقات عدم الاستقرار الاقتصادي، أن يبطئ قطاع التوظيف، ويعتمد بشكل أكبر على التكنولوجيا لتحقيق الكفاءة. ومع ذلك، فإن التوجه طويل الأمد نحو اعتماد أكبر للذكاء الاصطناعي في قطاع التكنولوجيا، واضح لا لبس فيه، وسيعيد تشكيل هذا القطاع.
وصرّح ساتيا ناديلا الرئيس التنفيذي لشركة «مايكروسوفت»، مؤخراً، بأن ما يصل إلى 30 % من برمجيات الشركة مكتوبة بالفعل بواسطة الذكاء الاصطناعي. وتتقلص فرص العمل للمبرمجين ومهندسي التطبيقات في الولايات المتحدة. كذلك، فإن مؤشر الوظائف المعلن عنها لوظائف تطوير البرمجيات في الولايات المتحدة على موقع التوظيف «أنديد»، سجل أدنى مستوياته في خمس سنوات.
ويدرك العاملون في مجال التكنولوجيا، أن التدمير الإبداعي جزء لا يتجزأ من العمل في صناعة مبتكرة للغاية. وهذا هو السبب أيضاً، فعلى الرغم من القلق بشأن فقدان الوظائف، ستظهر فرص عمل جديدة.
وما يقرب من واحد من كل أربعة وظائف تقنية معلنة في الولايات المتحدة، يبحث بالفعل صراحة عن الإلمام بالذكاء الاصطناعي. حتى مع الأتمتة، لا يزال هناك أعمال في مجالات البرمجة والتحقق، يجب القيام بها. كما أنه مع استمرار الشركات في دمج الذكاء الاصطناعي، يتوفر المزيد من الوقت لتعزيز المهارات وإعادة التدريب.
وفي هذه الأثناء، سيتم تحرير ألمع عقول تكنولوجيا المعلومات، لمزيد من التفكير الإبداعي، وستتمكن الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا من توسيع نطاق أفكارها بشكل أسرع. بعد انفجار فقاعة الدوت كوم، كان التشاؤم بشأن مستقبل التوظيف في مجال التكنولوجيا منتشراً.
لكن بعد بضع سنوات من إعادة التوصيل، انتعشت الصناعة والوظائف. الآن، أصبح الاضطراب الكبير في الذكاء الاصطناعي أكثر وضوحاً. ولكن حيثما يوجد ابتكار، سيكون هناك دائماً مجال لفرص جديدة.