كاتي مارتن
تبدو القناعة بالاستثنائية الأمريكية حالياً، وكأنها حلم غريب. في نهاية عام 2024، كان هذا هو الموضوع الوحيد الذي يتحدث عنه أي مستثمر.
حيث كان من المسلم به أن الأسهم الأمريكية ستواصل صعودها، وتتفوق على باقي العالم، مدفوعة برئيس جديد، عازم على تحقيق نمو أسرع، وهيمنة أمريكا على قطاع التكنولوجيا.
لكن بعد مرور خمسة أشهر منذ بداية العام، انهارت هذه الرواية، فقد سجّل المؤشر الأمريكي الرئيس «ستاندرد آند بورز 500»، ارتفاعاً سنوياً هزيلاً، بعد تعافٍ قادته تداولات الأفراد، من انهيار حاد في أبريل.
وفي هذه الأثناء، حققت المؤشرات الأوروبية تفوقاً ساحقاً على نظيرتها الأمريكية، حيث سجلت مكاسب تجاوزت 20 % في كل من إيطاليا وألمانيا، وأعلى من ذلك في بولندا. وازداد الطلب على صناديق الاستثمار العالمية، التي تستثني السوق الأمريكي.
وربما يكون تقبل احتمالية انتهاء الاستثنائية الأمريكية عملية صعبة. وقال مات جيبسون رئيس مجموعة مبيعات العملاء في إدارة الأصول بـ «غولدمان ساكس»: اعتاد عملاؤنا بشدة على وضع الأسواق خلال السنوات الخمس الماضية، كانت الولايات المتحدة صفقة جيدة لفترة طويلة.
الآن نتلقى الكثير من الأسئلة، حول ما إذا كان الوضع قد وصل إلى نهايته. الجميع يفكر في هذا، والبعض يتصرف من تلقاء نفسه.
والتصرف قد يعني أشياء عديدة. فبعض المستثمرين يلجؤون لأدوات التحوط التي تحقق أرباحاً عند تراجع الأسهم الأمريكية مجدداً، بينما يحمي آخرون أنفسهم من المزيد من ضعف الدولار، الذي يضاعف الخسائر الناجمة عن تراجع الأسهم، كما يفكر كل مستثمر أتحدث معه هذه الأيام جدياً، في تعزيز استثماراته خارج أمريكا خلال السنوات المقبلة، لتقليل نسبة التركز الأمريكي في محفظته.
كل هذا جيد، فهي عملية إدارة مخاطر حكيمة. لكن الأمر يستحق قضاء بعض الوقت في التساؤل، كيف وصلنا إلى هذه النقطة. وكشفت دراسة جديدة أعدها أنتي إلمانين وتوماس مالوني في صندوق التحوط «إيه كيو آر»، أن الفكرة برمتها كانت تقوم على الآمال أكثر من الحقائق منذ البداية.
إذ تغذت الاستثنائية الأمريكية على نفسها لسنوات طويلة، حتى وصل المستثمرون إلى درجة التعامل معها كقانون من قوانين الطبيعة، حيث ثبت خطأ كل من دعا للحذر، أو لتوزيع الاستثمارات بشكل أكثر توازناً حول العالم.
وقد يستخدم البعض هنا مصطلح «الفقاعة»، لكن إلمانين نفسه - وهو خبير بيانات - يتوخى الحذر أكثر في تعبيراته، حيث يقول: «معظم التفوق الأمريكي كان ناتجاً عن تغيّرات في التقييمات، فقد كانت هناك ميزة نمو حقيقية، لكنها تعادلت مع عوامل أخرى، والأسواق لا تملك ذاكرة طويلة، وتفترض أن الوضع سيستمر هكذا إلى الأبد».
وتكشف الدراسة أن الأسواق الأمريكية تقدمت بوتيرة متسارعة على منافساتها العالمية خلال التسعينيات، ثم واصلت هذا التفوق لمدة عقد ونصف، امتد حتى 2024 - وهي الفترة التي ترسخت في الذاكرة الجماعية للمستثمرين، بينما طُويت صفحات الأداء المتواضع التي شهدتها العقود السابقة في السبعينيات والثمانينيات والألفينيات.
وقد بُنيت الروايات خلال هذا العصر الذهبي على ثلاث ركائز: تفرد ثقافة ريادة الأعمال الأمريكية، والمؤسسات الصديقة للأسواق، وتوقعات النمو الاقتصادي القوية.
ولنكون واضحين، كانت الأرباح الأمريكية كبيرة، إلا أن التقييمات كانت أكبر. أضف إلى هذا المزيج، صعود المستثمرين المتشبثين بالمؤشرات والمعايير التي تميل نحو الشركات الرابحة. والمستثمرين النشطين، الذين كافؤوا باستمرار أسهم عمالقة التكنولوجيا.
ثم اخلط كل ذلك بالزخم الاستثماري، فالمستثمرون يحبون الرابحين، ويميلون لمكافأة الأسهم التي حققت أداءً جيداً بالفعل، وساعد في ذلك قوة الدولار، وبشكل أكبر داخل الولايات المتحدة.
وقد تطور هذا الواقع، ليمتلك قوة ذاتية خاصة به، تتجاوز أساسيات السوق، ما رفع القيمة السوقية لشركات التكنولوجيا الكبرى الأمريكية، فوق قيمة السوق الأوروبية بكاملها في نهاية العام الماضي.
كانت التقييمات للولايات المتحدة نصف مثيلاتها في بقية العالم في أواخر الثمانينيات، ولكن بحلول نهاية العام الماضي، أصبحت ضعفها تقريباً. وتساءلت الدراسة: هل يجب على المستثمرين في 2025 القلق من التقييمات الأمريكية المفرطة تاريخياً، مقارنة بالأسواق الأخرى؟ والإجابة هي نعم. والأهم من ذلك، أن إلمانين يعتقد أن المستثمرين أخطؤوا في تفسير ارتفاع أسعار الأسهم المتضخمة، على أنها تفوق مدفوع بالنمو الحقيقي.
هذا التحول الظاهر في أداء السوق، قد ينتهي بأنه كان مجرد ارتداد مؤقت، لكن من التهاون، بل من الغطرسة، تجاهل المخاطر. وهذا التراجع لا ينبع فقط من فوضى السياسة الاقتصادية.
وتحدي البيت الأبيض للمؤسسات، بل أيضاً من تأثير الصين، الذي غالباً ما يتم تجاهله، في الذكاء الاصطناعي، والذي ظهر بوضوح مع إطلاق «ديب سيك» في يناير. فالخندق الواقي حول عمالقة التكنولوجيا الأمريكية، ليس بالعمق ولا الاتساع الذي افترضته رواية «النموذج الجديد» المدفوع بالذكاء الاصطناعي.
وخلصت دراسة «إيه كيو آر»، إلى أن ما يستخلصه الناس من هذه الأدلة، يعتمد على مدى اهتمامهم بالتجربة المعاشة، مقابل الأنماط طويلة المدى، أو الحكايات مقابل الإحصاءات. لقد انتصرت الحكايات لسنوات، لكن الاندفاع المفاجئ نحو إدارة المخاطر والفحص الدقيق من قبل مديري الصناديق، يشير إلى أن حمى الاستثنائية الأمريكية بدأت تتراجع.