وكان المحفز المباشر لهذه الخطوة هو الخلاف العام حول تشكيل الحكومة، لكن السبب الكامن هو عجز الحكومة المستمر عن تأمين أغلبية برلمانية فعّالة لضبط الأوضاع المالية العامة الذي تشتد الحاجة إليه.
وكلاهما مرتفعان بالمعايير التاريخية، خاصة بالنسبة لدولة «أساسية» في منطقة اليورو.
فقد ارتفعت عوائد السندات الفرنسية من حيث القيمة المطلقة والنسبية مقارنة بنظيراتها في منطقة اليورو. ويحتسب سوق السندات الفرنسية الآن علاوة مخاطر حوكمة كبيرة.
وتضع هذه العقوبة المالية ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو خلف سوق وُصفت في الماضي بأنها من اقتصادات «الدول الطرفية» في الكتلة الأوروبية.
وهذا يتجاوز مجرد مقياس لاختلال التوازن المالي، إنه تعبير عن فقدان للثقة في قدرة النظام السياسي الفرنسي على الحكم بحزم.
هذا لا يزيد من صعوبة التعامل مع الوضع المالي الفرنسي الصعب فحسب: بل يُعقّد آفاق السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي.
ويحاول البنك بالفعل تحقيق مهمة صعبة تتمثل في الموازنة بين الحاجة إلى احتواء التضخم المستمر - الذي لا يزال ثابتاً إلى حد ما في قطاع الخدمات - والمخاوف المتزايدة بشأن ضعف النمو الاقتصادي في منطقة اليورو.
ويُهدد اتساع الفارق بين السندات الفرنسية والألمانية قدرة البنك المركزي الأوروبي على ضمان تطبيق سياسته النقدية الموحدة بشكل جيد في جميع أنحاء منطقة اليورو.
وعندما يزداد تشتت العائدات، تكون هناك مخاطر بنوع ما من تجزئة السوق، كما أن التوتر قد يُصبح تهديداً منهجياً. والرسالة الحالية للسوق واضحة: إذا استمر الشلل السياسي في فرنسا أكثر، فقد يتطور الأمر إلى صداع مالي في منطقة اليورو بأكملها.
وأحد الآثار المباشرة واضح بالفعل: ارتفاع عائدات السندات البريطانية، حيث تتنافس بريطانيا، مثل فرنسا، في أسواق رأس المال العالمية لتأمين التمويل. وفي الواقع، تجاوزت القفزة في عائدات السندات رداً على الأخبار الفرنسية الزيادة بجميع الاقتصادات الأوروبية الرئيسية الأخرى.
وكان تعهد رئيس البنك المركزي الأوروبي آنذاك في عام 2012، ماريو دراغي بـ«التحرك مهما كلف الأمر» قد لعب دوراً أساسياً في تهدئة أزمة الديون الأوروبية، فقد اعتقدت الأسواق أن البنك المركزي الأوروبي سيستخدم قوته المالية غير المحدودة - وهي آلية دفاعية لا تزال تمنح فرنسا طبقة حماية أكبر، حتى وإن كانت شائكة سياسياً.
وكان قد لعب دوراً محورياً خلال أزمة ميزانية ليز تراس «المصغرة» عام 2022.
ومع ذلك، كان الاضطراب الكامن آنذاك - بسبب الصدمة من تخفيضات ضريبية غير ممولة - أسهل في معالجته مما تعانيه المملكة المتحدة اليوم، فأي تدخل طارئ من بنك إنجلترا، على عكس دفاع البنك المركزي الأوروبي، من شأنه أن يُعرّض أسواق رأس المال الدولية لخطر اعتباره تسييلاً للعجز المالي المستمر في المملكة المتحدة.
وهذا ينطوي على مخاطر أكبر لتقويض مصداقية البنك المركزي فيما يتعلق بالتضخم، مما يمكن أن يؤدي إلى عواقب شائكة أكثر على الجنيه الإسترليني وأسعار الفائدة البريطانية طويلة الأجل.
وبالنسبة للمملكة المتحدة، ينبغي أن تُمثل هذه التطورات تحذيراً قوياً بأن ميزانية نوفمبر ستختبر قدرة لندن على تحقيق ما فشلت باريس في تحقيقه. وعموماً، فقد بدأت أسواق السندات تفقد صبرها إزاء هذا الشلل السياسي.

