كينزا برايان - بيتر كامبل - أتراكتا موني
يشهد برج مطار جاتويك نشاطاً كثيفاً، ففي أوقات الذروة يتولى مراقبو الحركة الجوية في ثاني أكبر مطار في المملكة المتحدة عملية إقلاع أو هبوط كل دقيقة تقريباً.
وبحلول عام 2030، قد يكون المطار أكثر ازدحاماً: فقد وافقت الحكومة البريطانية أخيراً على خطط لبناء مدرج ثانٍ، ما قد يرفع سعته الاستيعابية إلى 80 مليون مسافر سنوياً.
كما تشهد ثلاثة مطارات أخرى في لندن توسعاً، حتى قبل بناء المدرج الثالث المثير للجدل في مطار هيثرو، بينما استأنف مطارا شارل ديغول في باريس وإل برات في برشلونة هذا العام خطط تطوير تتضمن التوسع.
يأتي ذلك فيما يتوقع أن يتضاعف عدد المسافرين في الاتحاد الأوروبي بحلول منتصف القرن، وفقاً لمجموعة «النقل والبيئة» البيئية ومقرها بروكسل، وأن يرتفع العدد بوتيرة أسرع في مناطق أخرى من العالم مع تزايد ميل الطبقات المتوسطة الناشئة للسفر الجوي.
وخلال الشهر المقبل، ستجتمع دول العالم في البرازيل لحضور أحدث اجتماعات الأمم المتحدة للمناخ، حيث ستكون إحدى القضايا المدرجة على جدول الأعمال هي كيفية جمع تمويل للمناخ من الصناعات الملوثة، بما في ذلك الطيران.
لكن التحدي هائل، فالطائرات التي تعمل بالهيدروجين لا تزال على بُعد عقود من الجدوى التجارية، ووقود الطيران المستدام لا يزال في مراحله الأولى، وقد تم التخلي تقريباً عن الجهود المبذولة لثني الناس عن السفر الجوي في ظل غياب البدائل والحاجة إلى توليد النمو الاقتصادي.
قال مايكل أوليري، الرئيس التنفيذي لشركة رايان إير، خلال فعالية إعلامية حديثة: «من الواضح أن الأجندة الخضراء بقطاع الطيران انتهت.
كما ولت محاضرات الفرنسيين والهولنديين والألمان لنا على مدار العشرين عاماً الماضية بأن علينا جميعاً ركوب الدراجات أو السفر بالقطار أو استخدام الطرق السريعة».
وألقت عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بظلالها على طموح الاتحاد الأوروبي طويل الأمد بفرض ضريبة على ثاني أكسيد الكربون المرتبط بالرحلات الجوية الطويلة.
وعموماً، فإنه بالنسبة لثاني أكسيد الكربون، فإن صناعة الطيران صغيرة، حيث تمثل أقل من 3 % من الانبعاثات العالمية المتعلقة بالطاقة كل عام، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، لكن العلماء يقولون إن تأثيرها على الاحتباس الحراري أكبر، بسبب آثار الاحتباس الحراري الناجمة عن خطوط الطيران - وهي السحب التي يمكن أن تتركها الطائرات وراءها على ارتفاعات عالية.
ووفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن خطوط الطيران مسؤولة عن أكثر من نصف آثار الاحتباس الحراري للطيران.
وقد وصف مشروع مراقبة العمل المناخي، الذي يصنف البلدان وبعض الصناعات بناءً على جهودها الجماعية لإزالة الكربون، جهود شركات الطيران بأنها «غير كافية بالمرة»، حتى خلف الشحن، وهو قطاع نقل آخر يفتقر إلى البدائل الخضراء لوقوده.
وتتوقع لجنة تغير المناخ في المملكة المتحدة، التي تقدم المشورة للحكومة، الآن أن يكون قطاع الطيران هو القطاع الأكثر انبعاثات في البلاد بحلول عام 2040، بناءً على المسار المقرر لتحقيق صافي الصفر.
ويرجع ذلك إلى أن خفض انبعاثات الطيران أمر صعب دون خفض أعداد الركاب، في حين يتوقع أن ينخفض إنتاج الغازات المسببة للاحتباس الحراري في قطاعات أخرى بشكل كبير.
وتقول شركات الطيران إنها تعمل بالفعل على خفض الانبعاثات، لكن تيم جونسون، من اتحاد بيئة الطيران، يقول إنه «أمر محبط للغاية» ألا تطرح الحلول بالسرعة المطلوبة لمواكبة نمو حركة المرور.
وتختلف شركات الطيران والمطارات والناشطون اختلافاً جذرياً حول ما إذا كانت أفضل طريقة لإزالة الكربون من قطاع الطيران هي من خلال استخدام وقود أنظف، أو تطبيق شكل ما من أشكال آلية تعويض الكربون، أو العمل لعكس اتجاه نمو أعداد الركاب، لكنهم يتفقون على الحاجة إلى إعادة صياغة جذرية للسياسات الحكومية المتعلقة بالطيران.
وفي حين يمكن القضاء على انبعاثات عوادم السيارات والشاحنات باستخدام البطاريات أو تقليلها باستخدام الدفع الهجين، إلا أن فيزياء الطيران تصعب استبدال وقود الطائرات كثيف الطاقة.
والحل الرئيسي الذي تقترحه شركات الطيران هو وقود الطائرات المستدام. وفي أوروبا الآن، يجب إضافة هذا الوقود إلى وقود الطائرات ليشكل ما لا يقل عن 2 % من المزيج النهائي، لكن هذا المستوى سيرتفع إلى 22 % في المملكة المتحدة و70 % في الاتحاد الأوروبي وسويسرا بحلول عام 2040.
ويمكن أيضاً توجيه مشتريات وقود الطائرات المستدام نحو برنامج تداول الكربون لشركات الطيران، المعروف باسم برنامج تعويض وخفض الكربون للطيران الدولي.
ويهدف هذا البرنامج إلى الحفاظ على صافي الانبعاثات عند 85 % من ذروة ما قبل الجائحة في عام 2019، لتحقيق ما يأمل القطاع أن يكون «نمواً محايداً للكربون».
وينبعث من وقود الطائرات المستدام كمية ثاني أكسيد الكربون نفسها التي تنبعث من الكيروسين عند الاحتراق، لكنه ينتج من زيت الطهي المستعمل أو الدهون الأخرى أو النفايات العضوية أو المحاصيل، وليس من الوقود الأحفوري.
وتبلغ تكلفة وقود الطائرات المستدام من هذه المواد الخام ما بين ضعفي وثمانية أضعاف تكلفة وقود الطائرات التقليدي، كما لا يوجد ما يكفي من الزيت المستعمل في العالم لمواكبة الزيادة الحادة في استخدام وقود الطائرات المستدام التي تشير إليها أهداف الجهات التنظيمية.
وتقول ديزي روبنسون، محللة الوقود المتجدد في شركة بلومبرج إن إي إف لأبحاث الطاقة: «إذا نظرنا إلى الطاقة الإنتاجية المخطط لها، سنجد أننا سنعجز عن تلبية احتياجاتنا، على الأقل في السنوات القليلة الأولى حتى عام 2030». وتضيف: «يحتاج وقود الطائرات المستدام إلى سياسة محكمة لتنشيط السوق، ولتحفيز الطلب».
بالإضافة إلى ذلك، يأتي جزء كبير من المواد الخام الحالية لوقود الطائرات المستدام من الصين، ومن المرجح أن تنخفض هذه الكميات إذا حددت بكين، كما هو متوقع، متطلباتها الخاصة من وقود الطائرات المستدام في خطتها الخمسية الجديدة العام المقبل.
كما يعد إنتاج الطريقتين البديلتين الرئيسيتين لإنتاج وقود الطائرات المستدام - من النفايات المنزلية أو الزراعية، أو التقاط الكربون من الغلاف الجوي - محدوداً للغاية، على الرغم من أن بعض محللي الصناعة يعتقدون أن الحجم سيأتي في الوقت المناسب مع زيادة الاستثمار.
وصرح ويلي والش، المدير العام للاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) في إحاطة إعلامية حديثة: «يعد وقود الطائرات المستدام أمراً بالغ الأهمية لتحقيق الصناعة لانبعاثات صفرية من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050، لكن الإنتاج «ليس في المستوى المطلوب».
ويشعر والش، الرئيس السابق لمجموعة شركات الطيران «آي إيه جي»، بالقلق من أن المتطلبات الإلزامية التي تلزم منتجي الوقود بتوفير وقود الطائرات المستدام ترفع التكاليف على شركات الطيران، دون أن تؤدي إلى الزيادة المطلوبة في الإنتاج.
لكن أي مكاسب من استخدام وقود أنظف ستعوض في جميع الأحوال بزيادة السفر الجوي، حيث سيستهلك القطاع بحلول عام 2049 ما لا يقل عن كمية الكيروسين التي يستهلكها حالياً، وفقاً لتحليل أجرته هيئة النقل والبيئة.
تدرك هايدي ألكسندر، وزيرة النقل البريطانية التي وافقت أخيراً على مدرج جاتويك الجديد، حجم التوتر الحالي. وصرحت لصحيفة فاينانشال تايمز: «يرغب الناس في هذا البلد في السفر جواً، ولكن إذا أردنا زيادة عدد المسافرين جواً، فعلينا أن نجعل هذه الرحلات أكثر مراعاة للبيئة».
ويرى معظم السياسيين أن زيادة السفر الجوي تؤدي إلى مزيد من النمو الاقتصادي، وتشجيع السياحة، وخلق فرص العمل، ويأملون أن يساعد ذلك في إعادة انتخابهم.
يعارض عمدة لندن، السير صادق خان، المدرج الثالث المخطط له في مطار هيثرو، لكنه رحب بالتوسع في مطارات لندن الأخرى.
يقول: «أرى فوائد الطيران لمدينتنا وبلدنا من حيث توفير فرص العمل، ودعم الاقتصاد، وراحة مستخدمي الطائرات لقضاء العطلات والزيارات، لكن في الوقت نفسه، علينا أن نضمن الوفاء بالتزاماتنا لمواجهة أزمة المناخ».