جو ليهي - أندريس شيباني - حمزة جيلاني - جون ريد
في شقة سيد عبد الله محمد طاهر الصغيرة في دكا يشرق وجه الرئيس الصيني، شي جين بينغ، المبتسم من غلاف كتاب موضوع على مكتب الزعيم الإسلامي، وكان العضو البارز في حزب الجماعة الإسلامية في بنغلاديش، والمرشح القوي في انتخابات فبراير المقبل، حصل على نسخته من كتاب «حوكمة الصين» - وهو مجموعة من خمسة مجلدات من خطب وكتابات الرئيس الصيني - أثناء زيارته بكين هذا العام للقاء قادة الحزب الشيوعي.
زيارة طاهر للعاصمة الصينية هي جزء من حملة أوسع نطاقاً تشنها بكين ليس فقط لكسب ود الطبقة السياسية في بنغلاديش، بل أيضاً قادة الدول الأخرى المحيطة بالهند، الخصم الإقليمي اللدود للصين، في محاولة لترجيح كفة ميزان القوى في جنوب آسيا لصالحها.
يظهر بحث، أجرته صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن المسؤولين الصينيين عقدوا ما لا يقل عن سبعة اجتماعات رفيعة المستوى مع سياسيين من بنغلاديش، خلال 14 شهراً منذ تولي الحكومة المؤقتة لمحمد يونس، رائد الأعمال السابق في مجال التمويل الاجتماعي، السلطة، ويقارن هذا بثمانية اجتماعات خلال فترة السنوات الخمس الأخيرة للشيخة حسينة، الحاكمة المخضرمة السابقة في بنغلاديش.
في غضون ذلك عقد مسؤولو بكين 22 اجتماعاً رفيع المستوى هذا العام مع نظرائهم من باكستان - وهو ما يقترب من الرقم 30، الذي عقدوه العام الماضي، ومن بين الدول الأصغر المحيطة بالهند، عقدت بكين ما لا يقل عن ستة اجتماعات رفيعة المستوى مع مسؤولين نيباليين هذا العام، وخمسة اجتماعات على الأقل في سريلانكا.
وراء هذا الاندفاع الدبلوماسي يكمن صراع استراتيجي أعمق على النفوذ، فلدى كل من الصين والهند طموحات لتصبحا قائدتين عالميتين، لا سيما في العالم النامي.
ويقول دانيال ماركي، الزميل البارز في برامج الصين وجنوب آسيا في مركز ستيمسون: «ترى الصين أن ما تعتبره الهند جوارها هدفاً مشروعاً تماماً للأنشطة والنفوذ الصيني».
«إنها فناء خلفي للصين بقدر ما هي فناء خلفي للهند».
يقول المحللون إن المخاوف القديمة من «محاصرة» الصين لنيودلهي لم تبدُ يوماً أكثر واقعية، لكن سياسة الهند في التقرب من الولايات المتحدة لموازنة قوة الصين المتنامية أضحت موضع تساؤل منذ أن تولى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، منصبه، وفرض بشكل غير متوقع تعريفة جمركية بنسبة 50% على الواردات من الهند، كما أعلن في الشهر الماضي عن رسوم جديدة قدرها 100 ألف دولار على تأشيرات H-1B، التي يستخدمها على نطاق واسع أصحاب المهارات الهنود وشركات التكنولوجيا.
يقول أميت رانجان، الزميل الباحث في معهد دراسات جنوب آسيا بجامعة سنغافورة الوطنية، إن بكين تعلم أن الهند مشتتة.
الهند ليست في وضع قوي حالياً، لذا قد يرى الصينيون أن الوقت مناسب لاستغلال ذلك، ويوضح أنه من بين الدول المجاورة للهند لا تربط نيودلهي علاقات جيدة إلا بثلاث دول أصغر حجماً - سريلانكا وجزر المالديف وبوتان، لكن للصين وجود في كل من سريلانكا وجزر المالديف، وكذلك بوتان.
وقد تجلت مخاطر تحول الولاءات الإقليمية في مايو عندما ساعدت الطائرات والصواريخ وتبادل المعلومات الاستخباراتية، التي زودت الصين بها باكستان، عدو الهند اللدود، على إسقاط ما يصل إلى ست طائرات مقاتلة هندية في صراع حدودي قصير، وفقاً لمسؤولين في إسلام آباد.
وعلى الرغم من أن ترامب يبدو غير مكترث بنيودلهي، بل وينظر إليه البعض على أنه معادٍ لها، إلا أن عزلة الهند من وجهة نظر حلفاء الولايات المتحدة في آسيا ستفتح الطريق أمام الصين، لتوسيع نفوذها في المحيط الهندي، الذي يمر عبره 80% من شحنات النفط البحرية في العالم.
في الوقت نفسه، تقول وزارة الخارجية الصينية، إن «دول جنوب آسيا هي جيران الصين المقربون»، وإن هدف بكين هو بناء «مجتمع ذي مستقبل مشترك في الجوار»، مبني على «الشمولية» و«الأمن والازدهار»، وتؤكد أن تطويرها لعلاقات ودية مع أي دولة «لا يستهدف أي طرف ثالث».
وفي بنغلاديش بنى الدبلوماسيون الصينيون علاقات وثيقة مع يونس، خلف الرئيسة حسينة، الحليفة الوثيقة للهند، والذي كانت أول زيارة رسمية له إلى أي دولة للقاء شي ببكين في مارس.
وفي المقابل لم يُجرِ يونس بعدُ محادثات موسعة مع رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، الذي التقى به مرة واحدة فقط على هامش اجتماع إقليمي في بانكوك في أبريل.
يقول شفيق علم، السكرتير الصحفي ليونس، إن الزعيم المؤقت يسعى إلى علاقات جيدة مع جارته الغربية، وطلب من نيودلهي زيارة ثنائية في ديسمبر قبل أسابيع من إتمام زيارته للصين، لكن «للأسف لم نتلقَ رداً إيجابياً»، لكن الصين تلقي بشباكها على نطاق أوسع، ففي يونيو ثارت مخاوف قوية في نيودلهي، بعد أن استضافت بكين اجتماعاً ثلاثياً بين بنغلاديش والصين وباكستان في كونمينغ، جنوب غرب الصين، حيث اتفقت الدول الثلاث على التعاون في كل شيء من الاستثمار إلى البنية التحتية، وعلى تشكيل مجموعة عمل مشتركة، وصرح إسحاق دار، وزير الخارجية الباكستاني، للصحفيين في أغسطس بأن سريلانكا قد تنضم أيضاً إلى هذا التفاهم.
وكتب الباحث الصيني، ليو زونغي، في صحيفة الحزب الشيوعي الصيني «جلوبال تايمز» في يونيو عن الاجتماع الثلاثي: «في ظل التغيرات العالمية الجذرية تشهد منطقتا جنوب آسيا والمحيط الهندي إعادة تنظيم هيكلية»، ويعود التنافس طويل الأمد بين الصين والهند إلى حرب عام 1962 على حدودهما في جبال الهيمالايا.
في السنوات الأخيرة تراجعت العلاقات إلى أدنى مستوياتها بعد أن تكبد الجانبان خسائر في مناوشات حدودية عام 2020، وتصاعدت التوترات مرة أخرى في مايو، بسبب استخدام الأسلحة الصينية، خلال الصراع مع باكستان.
وبينما سعت الصين والهند، الدولتان النوويتان، مؤخراً إلى التقارب، يقول المحللون إن هذا مجرد تحرك تكتيكي.
ويتجاوز تودد الصين لجيران الهند مسألة الأسلحة بكثير، ليشمل وعوداً بالاستثمار، من خلال برنامج بكين الرائد للبنية التحتية «الحزام والطريق»، وفقاً للمحللين، لكن من بين المناورات الدبلوماسية العديدة، التي تقوم بها الصين في جنوب آسيا، يعد توغلها في بنغلاديش أعمقها وأكثرها إثارة للقلق بالنسبة لنيودلهي، فقد أعادت بنغلاديش إحياء مشروع مع الصين لتطوير منطقة نهر تيستا الاستراتيجية بالقرب من الحدود مع الهند، ما سمح للصين بتحديث وتوسيع ثاني أكبر مركز شحن في البلاد، وهو ميناء مونغلا، كما أنها تجري مناقشات مع بكين لشراء طائرات مقاتلة صينية الصنع من طراز«جيه - 10»، وهي نفس الطائرات التي استخدمها سلاح الجو الباكستاني لإسقاط طائرات مقاتلة هندية في مايو.
ويشير آخرون إلى أن بنغلاديش دائماً ما كانت تحتفظ بعلاقة اقتصادية إيجابية مع الصين.
ويقول خوندكر غلام معظم، مدير الأبحاث في مركز حوار السياسات، وهو مركز أبحاث مقره دكا: «الصين مصدر رئيسي لواردات بنغلاديش، وقد قدمت الصين لبنغلاديش قروضاً ميسرة وتجارية، كما أن الاستثمارات الصينية مرتفعة للغاية في صناعة الملابس، وغيرها من القطاعات الرئيسية»، «لكن ما يتغير هو العلاقة السياسية، وكلما ابتعدت بنغلاديش عن الهند صارت أقرب إلى الصين»، ويبدو أن الولايات المتحدة تساعد عن غير قصد الجهود الدبلوماسية لبكين.
وفي الاجتماع الثلاثي مع باكستان وبنغلاديش صرح، وزير الخارجية، وانغ يي، بأن الصين لا تفرض أي رسوم جمركية على منتجات بنغلاديش، ما يخلق فرصاً لتنميتها.
في المقابل أشار إلى أن «الولايات المتحدة تفرض رسوماً جمركية بنسبة 35%، وهو أمر غير معقول وغير أخلاقي»، وقد خفضت الرسوم الجمركية الأمريكية منذ ذلك الحين إلى 20%.
ومن المبادرات المهمة الأخرى للصين تشجيعها للمصالحة بين بنغلاديش وباكستان، الحليف الأقرب لبكين في المنطقة، والتي خاضت معها بنغلاديش حرب استقلال عام 1971 بدعم هندي.
ومنذ بداية العام رحب قائد الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، وجنرالات آخرون بكبار قادة بنغلاديش في إسلام آباد وروالبندي، وعرضوا التعاون الدفاعي، وبيع المعدات العسكرية مثل الطائرة المقاتلة الباكستانية الصينية المشتركة من طراز «جيه إف - 17 ثاندر».
وفي فبراير أعاد البلدان فتح الروابط التجارية المباشرة لأول مرة منذ أكثر من 50 عاماً، وفي أغسطس زار وزير الخارجية الباكستاني، إسحاق دار، ووزير التجارة، جام كمال خان، دكا في أول زيارة رفيعة المستوى إلى العاصمة البنغلاديشية منذ أكثر من عقد، ووصف دار محمد يونس بأنه «قائد يلهم العالم»، متعهداً باستئناف الرحلات الجوية المباشرة بين باكستان وبنغلاديش، وتعهد هو ويونس بإحياء رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، والتي تعرضت لما يشبه التجميد، بسبب الصراع بين الهند وباكستان.
إلى جانب جهودها الدبلوماسية للمصالحة بين باكستان وبنغلاديش تتوسط الصين في العلاقات بين باكستان وأفغانستان، التي تحكمها حركة طالبان.
وقد تدهورت هذه العلاقات وسط تصاعد التشدد على طول الحدود الغربية لباكستان، والذي أسفر أيضاً عن مقتل عمال صينيين، وطرد ما يقرب من مليون أفغاني من باكستان.
وفي أواخر مايو حصل وانغ يي، وزير الخارجية الصيني على وعد من إسلام آباد وكابول بتبادل السفراء، وتعميق التعاون في مبادرة «الحزام والطريق».