على أوروبا تعلم حب المخاطرة لملاحقة الأمريكيين والصينيين

مارتن ساندبو

في قلب الذعر المنتشر في أرجاء القارة الأوروبية بشأن «القدرة التنافسية» تكمن عقدة نقص تجاه الولايات المتحدة والصين.

وينشأ هذا الذعر ويحدث بانتظام. ولذلك، دقت أوروبا ناقوس الخطر بشأن قانون خفض التضخم الأمريكي، ومبيعات السيارات الكهربائية الصينية، وتدريب الذكاء الاصطناعي وغيره.

وقد يكون هذا الذعر مفيداً، فقد تركز اهتمام صانعي السياسات بشكل متزايد على وجه حقيقي للنقص، حيث تستثمر الاقتصادات الأوروبية أقل في التكنولوجيا المتطورة من كل من الاقتصادين الأمريكي والصيني.

لذلك، تحتاج أوروبا بالتأكيد إلى زيادة استثمارها في الابتكار، لكنها لن تنجح إلا بإيجاد طريقتها الخاصة للقيام بذلك، وليس بتقليد وادي السيليكون أو أسلوب التخطيط الصيني.

وعلى الأوروبيين التفكير ملياً في سبب براعة الولايات المتحدة في إنتاج الابتكار، وتفوق الصين أحياناً في تجاوزه.

ويُنتج عن التفاوت الشديد في الولايات المتحدة بروز عدد كبير من المليارديرات المستعدين لإنفاق أموالهم على أي شيء مثير، وهم يدركون تماماً أن العديد من المشاريع ستفشل لكنهم يمتلكون الدافع القوي للعثور على المشاريع التي يمكن أن تغير العالم.

إنه اقتصاد أشبه بـ«اقتصاد الكازينوهات»، فالشيء الوحيد الذي يتوفر في الكازينوهات بشكل أكيد هو رأس المال المغامر، وهو ما تفتقر إليه أوروبا.

من جانبها، تُظهر الصين تهوراً مشابهاً داخل هياكل الدولة. وتشترك بكين مع رواد الأعمال من المليارديرات الأمريكيين في ذلك المزيج من الحجم الهائل والمساءلة الضئيلة عن كيفية توزيع الموارد. ومثل المليارديرات الأمريكيين، تُقدم الحكومة الصينية على رهانات كبيرة تُسبب أحياناً فقاعات كبيرة وانهيارات هائلة.

إنها طاقة قوية لدرجة أنها تدفع قطاعات بأكملها إلى الخسارة، وهو المعادل الصيني للعديد من المشاريع الفاشلة للمستثمرين المغامرين الأمريكيين لكن في كلتا الحالتين، يظهر ابتكار سريع وسط هذا الهدر.

القصة في أوروبا مختلفة، فلديها عدد أقل من فائقي الثراء، وغالباً ما تتم إدارة الجزء الأكبر من ثرواتها بأسلوب حذر ومحافظ أكثر، كما أن نموذجها الاجتماعي وتاريخها الثقافي ببساطة أقل ميلاً للتهور. علاوة على ذلك، فإن تجربة التكامل غير المكتملة للاقتصاد الأوروبي، واللوائح المجزأة وحماية العمال في العديد من الدول الأوروبية، كل ذلك يُقلّص كثيراً المكافأة التي يجنيها المُخاطرون ويرفع بدرجة كبيرة تكاليف الفشل.

لذلك، تحتاج أوروبا بشكل عاجل إلى إيجاد طريقة لزيادة رأس المال المخاطر، وإلا ستظل ترى المزيد من الأعمال المبتكرة تنتقل عبر المحيط الأطلسي. وعلى الرغم من العمل الجيد الذي قام به مؤسسو شركات الاتحاد الأوروبي البارزة من سبوتيفاي إلى سكايب، فإن أوروبا لن تُغيّر نموذجها الاجتماعي والاقتصادي لخلق طبقة مليارديرات على غرار وادي السيليكون.

كما لن تسمح جماهيرها الديمقراطية بإعادة توجيه الموارد العامة الهائلة بناءً على أوامر عليا من كبار القادة مثلما يحدث في الصين. لكن أيا كان الأمر، فعلى على أوروبا أن تجد طريقها الخاص لجعل رؤوس الأموال أكثر ميلًا للمخاطرة.

إن المشكلة ليست نقصاً في التمويل الأولي للأفكار الجديدة، فبيئة الشركات الناشئة في تحسن مستمر، كما لا يوجد نقص عام في رأس المال، حيث يُرسل الاتحاد الأوروبي ما بين 300 و400 مليار يورو من المدخرات الصافية إلى اقتصادات أخرى كل عام.

لكن هذه المدخرات الضخمة لا تُقدم للأسف كرأس مال يمكن أن يتسامح مع المخاطر وهي النوعية التي تحتاجها الشركات المبتكرة للنمو السريع.

وهذا ما يُطلق عليه الاقتصاديون «فشل السوق» فالمدخرون الأوروبيون أكثر تحفظاً تجاه بعض المخاطر التي قد تفيد الاقتصاد والمجتمع ككل.

والحل لـ«فشل السوق» هذا هو إجراء التصحيحات اللازمة من خلال التدخلات السياسية، فإذا كان الأوروبيون الأفراد أكثر تحفظاً تجاه مثل هذه المخاطر، فعلى الحكومات أن تسعى إلى زيادة المخاطر التي قد تعمل لصالحهم. وهذا يتطلب سياسات تُحوّل الأمان الذي يتوق إليه المدخرون الأوروبيون إلى أسهم أو استثمارات شبيهة بالأسهم.

وتشتهر أوروبا بهيمنة البنوك والائتمان عليها لكن هناك تاريخاً طويلاً لسياسات عامة في أوروبا تحول المدخرات إلى رأس مال مُغامر، بدءاً من «ليفريت أ» الفرنسية، التي تمول البنية التحتية العامة منذ 200 عام، وصولاً إلى صناديق التقاعد السويدية ذات الاستثمارات الكبيرة في الأسهم.

هذه هي التقاليد التي يجب أن يُبرز وتسود. وسيتطلب الأمر بطبيعة الحال توسيع نطاق برامج رأس المال المخاطر حيثما وُجدت، وتطبيقها حيثما لا توجد، وتعزيزها بآليات لتوليد رأس المال المخاطر بين دول الاتحاد الأوروبي وليس فقط داخل الدول. وبعض هذا يحدث بالفعل، لكن هناك حاجة إلى طموح أكبر بكثير لسد فجوة الابتكار في أوروبا.

ومن بين العوامل المؤثرة إنشاء صندوق ثروة سيادي ممول من الديون للاتحاد الأوروبي للاستثمار في صناديق رأس المال الاستثماري للشركات المبتكرة الجاهزة للتوسع في جميع أنحاء أوروبا.

ولن تكون هذه «سندات يورو» لتغطية نفقات الاتحاد الأوروبي أو تحويلات إلى الدول الأعضاء الفقيرة، بل أدوات لتزويد المبتكرين الأوروبيين برأس المال المخاطر الذي يحتاجونه.

ومن الأمور الجريئة بالقدر نفسه توجيه حوافز نحو المؤسسات المالية القائمة لتخصيص المزيد من ميزانياتها العمومية لرأس المال المخاطر - أو عكس تحيز معظم الأنظمة الضريبية لصالح تمويل الديون على الأسهم.

وسيعترض البعض على أن ذلك يُعرّض القطاع العام للمخاطر لكن هذه هي النقطة الأساسية، إذ لا بد من توجيه مثل هذه المخاطر الفردية لتعمل من أجل الصالح العام.