أيدن رايتر وهاكيونغ كيم
تواجه الولايات المتحدة، ومعظم الدول المتقدمة، معضلة وشيكة في ظل غياب تدفقات كافية من المهاجرين، حيث يتوقع أن تشهد هذه الدول تراجعاً ديموغرافياً حاداً، ورغم أن نمو الإنتاجية لا يزال قوياً وفقاً لمقاييس عديدة، إلا أن العديد من الاقتصاديين والمراقبين يتوقعون أن يشهد المستقبل ركوداً.
وتتباين الآراء حول ما قد يعنيه ذلك، لكن من المحتمل أن ينخفض الناتج المحلي، وترتفع معدلات التضخم، مع اتساع في العجز المالي، وهذا ما لم ينقذ الذكاء الاصطناعي الموقف.
فإذا تمكّن من تعزيز إنتاجية الأيدي العاملة، فقد يساعد الاقتصادات المتقدمة على تجاوز التحديات الديموغرافية، والحفاظ على النمو القوي.
لكن هذا يبقى مجرد احتمال. فمن منظور السوق، يكمن الفارق بين سيناريوهين متباينين: إما توليد تريليونات الدولارات من القيمة للمستثمرين، أو تبديد رؤوس أموالهم التي صنعوها بشق الأنفس.
ولا ينطبق هذا على المستثمرين في أسهم شركات التكنولوجيا السبع الكبرى المتخصصة في الذكاء الاصطناعي فحسب، فمع ارتفاع أسعار أسهم شركات مثل «إنفيديا»، ارتفعت أيضاً أسعار السوق ككل، ونرجح أن الذكاء الاصطناعي لعب دوراً في ذلك.
قد تعود تلك الزيادة إلى المنافع المُتصورة للذكاء الاصطناعي بالنسبة للاقتصاد الأوسع، بدلاً من تأثيره المباشر على الشركات نفسها؛ إذ إن نسبة السعر إلى الأرباح لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 دون «السبعة الرائعة» يعادل الآن تقريباً مستواه قبل الموجة التضخمية لعام 2022. وفي كلتا الحالتين، إذا لم يدعم الذكاء الاصطناعي الإنتاجية، فإن هالة الذكاء الاصطناعي هذه ستتلاشى.
حاور باب «إن هيدجد» في فايننشال تايمز مؤخراً جو ديفيز من «فانغارد»، الذي ألف كتاباً جديداً حول تاريخ الاضطراب التقني وما يعنيه ذلك للمحافظ الاستثمارية.
وقدر ديفيز احتمال النتيجة السيئة بنسبة بين 30 % إلى 40 %. وهذا لا يعني أن الذكاء الاصطناعي بلا قيمة؛ فرغم أن مواقع التواصل الاجتماعي لا تُحدث تأثيراً إيجابياً على الإنتاجية، إلا أنها منتجات تجارية ناجحة. لكن هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي لن يُنقذ الموقف.
وركز «إن هيدجد»، على السيناريو المتفائل لإنتاجية الذكاء الاصطناعي، وتحديداً، ما يمكن أن يعنيه ذلك لأسواق الأسهم بما يتجاوز الشركات التي تنتج نماذج الذكاء الاصطناعي حالياً، أو تُوفر مدخلات مراكز البيانات (الرقائق والأسلاك والطاقة)، أو تُطبق الذكاء الاصطناعي في شركات أخرى مثل «بالانتير».
وقد يقود هذا السيناريو إلى تدفقات جديدة من الإيرادات، ومنتجات واستخدامات لا يُمكننا التنبؤ بها بعد، وهذا يعني أيضاً أنه لا يُمكننا الاستثمار فيها حتى الآن. وما يمكننا التداول بناءً عليه هو التأثيرات الهامشية التي قد يحدثها الذكاء الاصطناعي على الميزانيات العمومية للشركات القائمة. وقد تتجسد تلك المنافع في شكلين: الأول خفض التكاليف.
حيث ستتم أتمتة بعض الوظائف بالكامل، ما يقلل الأعباء التشغيلية على الشركة ويزيد الأرباح، والثاني زيادة العائدات، حيث يصبح كل عامل أكثر إنتاجية بشكل ملموس أو هامشي، مما يدفع بالإنتاج والأرباح إلى الارتفاع.
ومن المرجح أن تستفيد معظم الشركات من مزيج منهما ولكن ثمة تحفظات، سيؤدي خفض التكاليف إلى تسريح جماعي للعمال وارتفاع معدلات البطالة، مع ما يترتب عليه من قضايا اقتصادية واجتماعية، إذا لم تنشأ صناعات جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
ولزيادة العائدات، يجب أن يكون هناك طلب كافٍ على المزيد من الإنتاج، أو أن تضبط الأسعار بطريقة تجعل الحجم الأكبر يقود إلى أرباح أعلى، أو يمكن أن يرتفع مستوى الجودة، فتزداد معها الأسعار والطلب.
إذاً، ما هي أنواع الأسهم التي ينبغي للمرء امتلاكها إذا كان الذكاء الاصطناعي على قدر التوقعات؟ يمكن لمعظم الشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أن تشهد انخفاضاً في التكاليف من خلال «أتمتة» أو تعزيز خدمات تكنولوجيا المعلومات، ومراكز الاتصال، والموارد البشرية، وربما بعض وظائف المبيعات أيضاً.
يجب أن ينعكس خفض التكاليف على معظم الأرباح النهائية، يصعب تحديد الشركات التي ستتعزز إيراداتها. وقد تشهد شركات التصنيع بعض فوائد الإنتاج، لكننا نتخيل أن التأثير الأكبر سيكون في قطاع الخدمات.
قد تتمكن شركات الخدمات باهظة الثمن -المستشارون الماليون، والبنوك، وشركات الاستشارات- من الوصول إلى عملاء جدد ذوي أجور أقل أو يمكن لتلك الشركات نفسها تحسين جودة خدماتها، وجذب عملاء جدد بأسعار أعلى.
قد تستفيد شركات الرعاية الصحية أيضاً من خلال الوصول إلى مرضى جدد بأسعار معقولة أو من خلال استخدام بياناتها بشكل أفضل لتقديم رعاية أفضل.
من المستحيل معرفة ذلك على وجه اليقين، وقد تكون التقييمات قد أخذت هذه الاحتمالات في الحسبان بالفعل، رغم ذلك، يدعم ذلك منهج الاستثمار القيمي: راهن على الأسهم الرخيصة وصل ركائزك على أنها ستنال دعماً من الذكاء الاصطناعي.
هناك مجال واحد قد يحاول المستثمر تجنبه: كبريات شركات التقنية. قد يبدو ذلك غريباً، إذ إنها الشركات التي قادت رواية «الذكاء الاصطناعي». ولكن كما يوضح ديفيز في كتابه، فإن المطورين الأوائل للتكنولوجيا الجديدة ليسوا دائماً الأكثر نجاحاً، وكثير منهم لا يصلون إلى خط النهاية.
فكر في الشركات اليابانية في مجال أجهزة الحواسب الشخصية التي خسرت مواقعها حين استندت شركات البرمجيات الأمريكية إلى منتجاتها، أو الإفلاس الجماعي لشركة السكك الحديدية الأمريكية في البدايات.
ومع وجود بعض اللاعبين الكبار في السوق حالياً، فإن شراء سهم واحد منهم يعني بالأساس المراهنة على بقائه في ساحة الذكاء الاصطناعي، وهو ما قد لا يحدث. وحتى إن حدث، فإن جميع الشركات التي ستبقى ستتنافس ضد بعضها البعض، مما يخفض الأسعار والأرباح.
وينطبق الأمر نفسه على الشركات التي تصنع نماذج الذكاء الاصطناعي دون منصة مصاحبة، حيث يكون الذكاء الاصطناعي هو المنتج وليس الأداة، مثل «أوبن إيه آي» و«أنثروبيك». فمنذ أن أظهرت «ديب سيك» وإثباتها أنه يمكن تصنيع نموذج بتكلفة منخفضة، بدا أن التنفيذ أصبح أهم من التطوير.