هل يصبح العمل من المنزل حقاً قانونياً للموظفين حول العالم؟

بيليتا كلارك

من الصعب مواكبة أستراليا في ما تقوم به، فهي أقرت بعضاً من أشدّ قوانين مكافحة التدخين الإلكتروني صرامةً في العالم، كما أنها تُطبّق أول حظر عالمي على وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون سن السادسة عشرة، ناهيك عن أنها تعد أول دولة في العالم تحظر الحجر (الرخام) الصناعي المُستخدم في أسطح العمل بالمطابخ لارتباطه بأمراض الرئة.

الآن، تُخطّط ولاية فيكتوريا، ثاني أكبر ولاية من حيث عدد السكان في أستراليا، لخطوة رائدة أخرى: إقرار قانون يمنح العاملين في القطاعين الخاص والعام الحق في العمل من المنزل لمدة يومين على الأقل أسبوعياً.

وعلى هذا النحو، قد يهزّ هذا القانون سياسات العمل عن بُعد بطريقة قد تجد الحكومات في أماكن أخرى صعوبة في تجاهلها.

كما أن مثل هذا الاحتمال مُخيف لـ83% من الرؤساء التنفيذيين العالميين الذين قالوا العام الماضي إنهم يتوقعون عودة الموظفين إلى مكاتبهم بدوام كامل في غضون ثلاث سنوات.

وقال عدد مماثل من الرؤساء الأستراليين الشيء نفسه، لذا يمكنك تخيل ما حدث في أغسطس، عندما أعلنت حكومة حزب العمال في فيكتوريا عن خططها لمنح العمال حق العمل من المنزل.

ولذلك، حذّر بن فيسترر، رئيس مجموعة زيلر للمدفوعات الرقمية في ملبورن، قائلاً: «ستُكلّف هذه السياسة سكان فيكتوريا خسائر فادحة في الوظائف».

وكان فيسترر أطلق في السابق مجموعة سكوير للخدمات المالية، التابعة لمؤسس تويتر جاك دورسي، في أستراليا، ويقول إنه لو كان سيُنشئ أياً من الشركتين اليوم، «لكان من غير المرجح أن يؤسس أياً منهما في فيكتوريا».

كما اصطف رؤساء شركات التجزئة الكبرى لانتقاد خطةٍ أكد مجلس الأعمال الأسترالي هو الآخر أنه يجب إلغاؤها لأنها غير ضرورية، وضارة اقتصادياً، وربما غير دستورية.

كل ذلك يجعل من الضروري سماع ردّ فعل حزب الليبراليين المعارض في فيكتوريا، وهو تقليدياً صوت قطاع الأعمال. فقد قال زعيم المعارضة، براد باتين: «سنكون بنّائين عندما تُقدّم الحكومة تشريعاتها».

وأضاف إن على الحكومة ضمان ألا تُؤثر خططها سلباً في الوظائف والاستثمار بين الولايات، كما أن على الحكومة الاستماع إلى آراء رجال الأعمال لكنه في الوقت نفسه لا يدعو إلى التخلي عن الخطة. ولم لا؟

لقد أظهرت استطلاعات الرأي في أغسطس أن ما يصل إلى 64% من الناخبين أيدوا هذه الخطوة، وهو ما يعتقد بعض المعلقين أنه ساهم في زيادة دعم حكومة فيكتوريا بمقدار 10 نقاط مئوية منذ بداية العام. وهذا ليس سيئاً بالنسبة لحزبٍ في السلطة منذ 11 عاماً.

ولم يمضِ سوى خمسة أشهر منذ أن خسر الليبراليون الانتخابات الفيدرالية التي تسببت فيها سياساتهم، الشبيهة بسياسات ترامب، بإجبار موظفي الخدمة المدنية على العودة إلى العمل خمسة أيام في الأسبوع، في رد فعل عنيف، ما أدى إلى تراجعها في منتصف الحملة.

وقد ساهمت عوامل عديدة في هذه الخسارة، بالطبع، وينطبق الأمر نفسه على نتائج استطلاعات الرأي في فيكتوريا. لكن الاختبارات السياسية لأنماط أماكن العمل في أستراليا لا تزال تستحق المتابعة، ليس أقلها أن معدلات العمل من المنزل تُطابق متوسط معدلات العمال الحاصلين على تعليم جامعي في 40 دولة. لذلك، لا يخفى على أحد مدى شعبية العمل عن بُعد.

وانخفضت بالتالي أوقات التنقل للأستراليين الذين يعملون من المنزل منذ الجائحة بنحو ثلاث ساعات أسبوعياً.

ويقول الاقتصاديون إن ذلك يُوفر لأصحاب الدخل المتوسط وفورات سنوية قدرها 5300 دولار أسترالي (ما يعادل 3518 دولار أمريكي). لا عجب إذن أن 76% من الأستراليين قالوا مؤخراً إنهم يرغبون في زيادة رواتبهم حتى يمكن لهم العودة إلى العمل من المكاتب بدوام كامل.

كما أنه ليس من المستغرب أن يُقدم العديد من أصحاب العمل نظام العمل الهجين، رغم أن باحثين أستراليين لفتوا إلى أن الأشخاص الذين يؤدون نصف عملهم من المنزل يقضون ما يزيد قليلاً عن 9% من الساعات أسبوعياً أكثر من أولئك الذين يعملون في المكتب بدوام كامل.

ويرتفع هذا الرقم إلى ما يقرب من 20% للأشخاص الذين يعملون بدوام كامل من المنزل.

أظن أن أرقاماً كهذه تُفسر سبب تصريح المديرين التنفيذيين لشركات العقارات، الذين يُشرفون على 650 مليون قدم مربعة من مساحة العمل العالمية، لمجموعة نايت فرانك العقارية مؤخراً بأنهم يتوقعون أن يكون نمط العمل الرئيس في غضون ثلاث سنوات هو العمل الهجين.

ورغم أنه من المقرر ألا تُطبّق ولاية فيكتوريا قانونها الجديد قبل العام المقبل، إلا أن الشركات ستراقب التطورات عن كثب وخاصة تلك الشركات المتحمسة للعودة الكاملة إلى المكاتب، مثل أمازون.

وقالت المجموعة الأمريكية منذ أيام إنها لا تستطيع التكهن بكيفية تأثير القوانين التي لم تدخل حيز التنفيذ بعد على عملياتها في أستراليا. لكنها «متحمسة» للابتكار والتعاون اللذين شهدتهما منذ عودة موظفيها إلى المكاتب خمسة أيام في الأسبوع. لذا، دعونا نرَ كيف سيشعر الموظفون إذا حصلوا على حق قانوني يتيح لهم العودة إلى ديارهم.