روبرت أرمسترونغ - آيدن رايتر
شهد سهم شركة بوينغ تراجعاً حاداً، حيث فقد أكثر من نصف قيمته التي بلغها في عام 2019. وتأتي الخسائر الكبيرة بعد سلسلة من الأزمات التي عصفت بالشركة، بدءاً من حوادث تحطم طائراتها من طراز 737 ماكس، مروراً بسقوط أبواب طائراتها أثناء التحليق، وصولاً إلى الإخفاق المحرج في رحلة فضائية كادت أن تتسبب في احتجاز رائدي فضاء أمريكيين على متن محطة الفضاء الدولية.
وفضلاً عن ذلك، تواجه بوينغ صعوبة في تسليم عدد كافٍ من الطائرات لتغطية تكاليفها الثابتة المتزايدة، وتشير توقعات وول ستريت إلى أن الشركة ستخسر 14 دولاراً للسهم الواحد هذا العام، لكن رغم هذه التحديات، لا يزال لدى «بوينغ» - إلى جانب إيرباص - سيطرة كبيرة على صناعة الطائرات التجارية.
حيث تستحوذان معاً على 50% من السوق. لذلك، يعتقد معظم المحللين أن بوينغ ستتمكن في النهاية من استعادة عافيتها، نظراً لحاجة العالم الماسة لأكثر من شركة واحدة في هذا القطاع الحيوي.
وللإشارة إلى الأمر بالأرقام، تمتلك «بوينغ» قائمة طلبات متراكمة تضم أكثر من 5400 طائرة تجارية، تبلغ قيمتها 428 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريباً خمس سنوات من الإيرادات. ويتوقع المحللون أن تنجح بوينغ في تصحيح مسارها إلى حد كبير بحلول عام 2027، حيث قد تحقق أرباحاً تصل إلى 8 دولارات للسهم الواحد، وهي مستويات قريبة من تلك التي حققتها في عامي 2015 و2016، مع تحسن الأوضاع بشكل أكبر بعد ذلك.
وكنا قد كتبنا عن بوينغ قبل حوالي 10 أشهر، وكان السؤال الذي تطرحه وول ستريت حينها هو ما إذا كانت الشركة ستعود لتحقيق أرباح طبيعية، أي بحدود حوالي 10 دولارات للسهم، بحلول عام 2026. لكن هذا حلم تم التخلي عنه الآن، حيث تراجعت توقعات عام 2026 إلى ما دون 6 دولارات.
المخاوف لا تدور حول ما إذا كانت بوينغ ستصلح مشكلاتها في النهاية، بل ما إذا كانت فترة الانتظار ستكون طويلة إلى درجة تجعل الاحتفاظ بالسهم الآن غير مجدٍ.
ولنفترض أن الشركة تحقق توقعات عام 2027 عند 8.25 دولارات للسهم. وإذا وضعنا مضاعفاً قدره 20 على ذلك (وهو سخي بالمعايير التاريخية)، فهذا يعني أن السهم قد يصل إلى 165 دولاراً بعد بضع سنوات، في حين أن سعره الحالي هو 155 دولاراً. فما الجدوى من ذلك، إلا إذا كنت تتوقع أن تتجاوز بوينغ التوقعات؟
لتحقيق ذلك، سيحتاج الرئيس التنفيذي كيلي أورتبرغ وفريقه إلى مواجهة أزمات عدة. فأكبر اتحاد عمالي في بوينغ مضرب عن العمل، في وقت ترتفع فيه تكاليف التصنيع وتزيد احتمالية تخفيض التكاليف وتسريح الموظفين.
ولا يزال هناك تباطؤ في سلسلة التوريد بسبب مشكلات الجودة والعمليات، بينما تشرف إدارة الطيران الفيدرالية بشكل صارم على جهود بوينغ لتعزيز شبكتها من الموردين.
وهناك شائعات تفيد أنها قد تبيع أعمالها المتعثرة في مجال الفضاء. علاوة على ذلك، يتعين عليها إنجاز كل ذلك مع الاستثمار في الجيل التالي من الطائرات للمحافظة على تنافسها مع إيرباص.
فهل بلغت الأمور درجة من السوء تجعل الوقت الحالي مثالياً للشراء؟ ربما لا، فعبء الديون وتكاليف خدمة الديون لبوينغ في تزايد. كما أنها تحتاج إلى زيادة رأس المال، ربما بقيمة 10 مليارات دولار، لتجنب قيام وكالات التصنيف الائتماني بخفض تصنيفها إلى «مستوى غير مرغوب فيه»، وهو ما من شأنه أن يزيد من صعوبة تحمل ديونها. وقد تكون قيمة «بوينغ» العادلة حوالي 155 دولاراً، لكنها لا تبدو رخيصة.
من ناحية أخرى، كنا قد تطرقنا أخيراً إلى ارتفاع عوائد السندات طويلة الأجل وتأثيره على زيادة تقييمات الأسهم الأمريكية. وكانت ثمّة فرضية شائعة قبل بضع سنوات تفيد بأنه عند انخفاض أسعار الفائدة، ترتفع أسعار الأسهم، لا سيما أسهم شركات التكنولوجيا طويلة الأجل.
لكن هذه الفرضية لا تبدو صحيحة عند اتجاه أسعار الفائدة نحو الارتفاع. ونتيجة لذلك، تُشير أساليب التقييم التي تراعي أسعار الفائدة، مثل عائد كيب الفائض الذي أقره الاقتصادي الأمريكي البارز روبرت شيلر، وإطار هولت الذي اعتمده بنك يو بي إس، إلى أن الأسهم مبالغ في سعرها حالياً.
وقد أشار العديد من القراء إلى أننا ربما نغفل بعض الجوانب المهمة في تقييمات الأسهم، وأهمها سبب ارتفاع عوائد السندات. وفي هذا السياق، يقول جيمس أشلي من مجموعة مارلبورو: «بالتأكيد، السؤال الأهم هو لماذا ترتفع عوائد السندات.
وليس مجرد معرفة أنها ترتفع. بمعنى آخر، سبب تغير عوائد السندات هو الذي يحدد طبيعة ومدى تأثيرها على أسعار الأسهم. فإذا كانت العوائد ترتفع بسبب ارتفاع التضخم، وكان البنك المركزي على وشك اتخاذ إجراءات صارمة، فمن المؤكد أن ذلك سيشكل عائقاً أمام أسعار الأسهم.
أما إذا كانت العوائد ترتفع بسبب ارتفاع التوقعات للنمو (دون توقع أن تتدخل السياسة النقدية بشكل كامل لمواجهته)، فيمكن تعويض التأثير السلبي على المضاعفات عبر معدلات الخصم من خلال التوقعات المتزايدة ضمنياً للأرباح المستقبلية. وأعتقد أن هذه النقطة الأخيرة تنطبق على ما يحدث حالياً، ولهذا السبب اتخذ منحنى العوائد مساراً تصاعدياً، وجاء نصف الارتفاع في العوائد الاسمية من الارتفاع في العوائد الحقيقية.
وكتب ديك مولاركي من شركة «إس إل سي»: التدفقات النقدية الثابتة ستقيم بقيمة أقل عند ارتفاع أسعار الفائدة. يبدو هذا منطقياً تماماً. لكن النموذج الثابت يفشل في التطبيق العملي لأن السبب وراء ارتفاع أسعار الفائدة له أهمية.
فإذا كان السبب هو تزايد آفاق النمو وارتفاع التضخم وقوة التسعير، فيجب أن يكون توقع التدفقات النقدية للأسهم في تحسن أيضاً.
وهنا نشير إلى أن النقطة الأساسية التي يطرحها مراسلونا صحيحة بلا شك. لكنها مشجعة فقط إذا كنت تعتقد أن الارتفاع الكبير في العوائد خلال الفترة الماضية يعكس تدفقات نقدية اسمية أعلى في المستقبل؛ أي أن الأوضاع الاقتصادية تزداد سخونة.
وأن الشركات لا تزال تتمتع بقدرة على التسعير أو بقدرة على توسيع هوامش الأرباح. ويفترض هذا أيضاً أن الاحتياطي الفيدرالي لن يضطر لتغيير مساره. وعموماً، فإننا نرى أن كل هذا مفتوح للتساؤل.
ونود أيضاً الإشارة إلى أن هذه لم تكن الحجة المطروحة في أيام عامي 2021 و2022 السعيدة. حينها، كان انخفاض أسعار الفائدة يعني صعود الأسهم، دون مناقشة ما إذا كانت الفائدة المنخفضة تعكس نمواً مستقبلياً أقل. حسناً، هذا ليس دقيقاً تماماً:
فقد كان يشار كثيراً إلى أن ميزة الأسهم التكنولوجية الكبيرة هي أنها ليست حساسة للاقتصاد، لذا فإن ضعف الاقتصاد في السنوات المقبلة لا يؤثر على نمو أرباحها.
وإذا كان ذلك صحيحاً، وصحيح أيضاً أن الاقتصاد يزداد سخونة ما سيزيد التدفقات النقدية لهذه الشركات، فبالتالي تعد هذه الشركات رهاناً مضموناً على الاقتصاد الأمريكي، ويجب علينا جميعاً الاستثمار فيها دون النظر لخيارات أخرى.
