إلى متى يصمد تفوق «إنفيديا» أمام المنافسة الصينية القوية؟

إليانور أولكوت - زيجينغ وو

في ديسمبر 2011، صعد جنسن هوانغ إلى منصة مؤتمر للمطورين في بكين، ليعلن عن أمر لم يدرك أهميته إلا القليلون آنذاك. لقد أخبر المؤسس المشارك لشركة إنفيديا الحضور أنه سيكون هناك تحديث رئيس لمنصة البرمجة الخاصة بالشركة «كودا»؛ حيث ستكون أجزاء من المنصة مفتوحة المصدر وأسهل استخداماً للمطورين.

بالنسبة إلى هوانغ، كانت هذه خطوة استراتيجية شديدة الأهمية، إذ استطاع من خلالها كسب ثقة المهندسين الصينيين، آملاً أن يبقوا مخلصين للشركة لعقود.

في ذلك الوقت، كانت أعمال إنفيديا في الصين مزدهرة، وكانت الصين أكبر سوق لها من حيث الإيرادات، وكانت وجهة لثلث المبيعات، بفضل مجتمع الألعاب الإلكترونية الواسع فيها، والشركات المصنعة التي تصدر السلع الإلكترونية. وفي وقت سابق من ذلك العام، كانت إنفيديا افتتحت مختبراً للأبحاث والتطوير في تيانجين، وهي مدينة تقع شمال شرق البلاد، بعد تركيب حاسوب فائق في مختبر أبحاث مدعوم من الحكومة بالمدينة.

يقول بول تريولو، الشريك بمجموعة دي جي إيه-أولبرايت ستونبريدج الاستشارية: «على مر السنين، كانت الصين سوقاً بالغة الأهمية لشركة إنفيديا، لذا، كان عليها استهداف الهيمنة والتأثير والتعاون معها. وبالفعل، أصبحت إنفيديا جزءاً لا يتجزأ من النظام البيئي للبرمجيات والأجهزة في الصين بطرق لم تفعلها الشركات الغربية الأخرى».

لكن اليوم، أصبح هذا التناغم الكبير في خطر شديد، فمع انتشار أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل جماعي، وإعادة تشكيل كل شيء من كيفية تواصلنا وعملنا إلى طريقة خوضنا للحروب، أصبحت رقائق إنفيديا أداة مساومة في سياسات القوى العظمى. وتبرز أهميتها في أن معالجات إنفيديا أصبحت الآن مدرجة على جدول أعمال محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين، جانباً إلى جنب مع التعريفات الجمركية والوصول إلى الأسواق.

نتيجة لذلك، أصبحت الشركة هدفاً لتدقيق مكثف. وترى واشنطن أن تطوير الذكاء الاصطناعي في الصين يُشكل تهديداً للأمن القومي، ولذلك، قامت بفرض حظر على تصدير أحدث منتجات إنفيديا. رداً على ذلك، أمرت بكين شركاتها بالتوقف عن شراء شرائح الذكاء الاصطناعي من إنفيديا وتسريع انتقالها إلى البدائل المحلية.

هوانغ، الذي تولى، بفضل حجم إنفيديا ونطاقها، منصباً غير رسمي كدبلوماسي عالمي للذكاء الاصطناعي، يرى أنه من الضروري إنقاذ أعماله الضخمة في الصين. ولذلك، سافر إلى بكين ثلاث مرات هذا العام، وسافر إلى واشنطن أكثر من ذلك، للضغط على صانعي القرار.

وقال للصحفيين في بكين في يوليو: «تتطلب الريادة التكنولوجية أسواقاً كبيرة»، لافتاً إلى أنه إذا مُنعت إنفيديا من السوق الصينية، فإن ذلك سيسرّع حتماً من وتيرة تطور المنافسين المحليين ويمكن أن تتلاشى الريادة الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي.

على الجانب الآخر، وبالنسبة للصين، فإن عملية تقليل اعتمادها على وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) من إنفيديا محفوفة بالمخاطر. لكن المطلعين على بواطن الأمور في هذه الصناعة يعتقدون أنه حتى مع هذه الصعوبات الأولية، فإن صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين - وعلى رأسها عملاق التكنولوجيا هواوي - ستتحرر في النهاية من قبضة إنفيديا الخانقة.

ولذلك، خرج هوانغ قائلاً: «إنها مسألة وقت. أي شخص يقلل من شأن هواوي وقدرات التصنيع الصينية ساذج للغاية».

وقد أمضى هوانغ بالفعل عقوداً في بناء الحضور القوي لـ«إنفيديا» في الصين بشق الأنفس، وثابر كثيراً في حين تعثر العديد من قادة التكنولوجيا الغربيين الآخرين. وبالنسبة له، فإن خسارة السوق الصينية ونخبة متخصصيها في الذكاء الاصطناعي تعني أكثر بكثير من مجرد عشرات المليارات من الدولارات من المبيعات الضائعة. هو يرى أن ذلك سيهدد بقوة طموح إنفيديا في البقاء «بطلة صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي بلا منازع لعقود قادمة».

يقول جورج تشين، الشريك في مجموعة آسيا: «مع انتقال الشركات الصينية إلى رقائق الذكاء الاصطناعي من هواوي، سينشأ بالتالي نظام بيئي منافس متكامل مدعوم ببرمجيات الشركة وأجهزتها». ويضيف: «قد يُهدد هذا مكانة إنفيديا ليس فقط في الصين، بل عالمياً أيضاً إذا بدأت هواوي ومعها الشركات الصينية الأخرى بتصدير تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى الخارج».

لقد كانت الصين في طليعة كل موجة تكنولوجية أتاحتها وحدات معالجة الرسوميات من إنفيديا. وقد عزز حجمها الهائل التفوق الواضح للشركة، فالصين لديها أكبر عدد من ممارسي الألعاب في العالم، مع سوق سيارات ضخمة تتبنى تقنية القيادة الذاتية، ومجموعة متنامية من الباحثين والمطورين بمجال الذكاء الاصطناعي. وقبل بدء حملة بكين الصارمة في عام 2017، كان لديها أكبر قاعدة من مُعدّني العملات المشفرة.

وقد استثمرت إنفيديا بكثافة في الصين. وبنت قدرات هندسية لتلبية متطلبات الحكومة للوصول إلى السوق؛ وضخّت أموالاً في الشركات الناشئة المحلية؛ وعززت ولاء المطورين من خلال فعاليات البرمجة (الهاكاثون) ورعت بطولات الرياضات الإلكترونية.

كما أنشأت مرافق بحث وتطوير وباعت أجهزة حاسوب عملاقة للجامعات. ومن خلال جعل جزء صغير من «كودا» مفتوح المصدر، سمحت إنفيديا للمطورين - وكثير منهم صينيون - بالمساهمة في تطوير برمجياتها، ودعت إلى تقديم الملاحظات والتكرار بطريقة تجعل أجهزتها أسهل استخداماً للتدريب وتشغيل النماذج اللغوية الكبيرة.

وأخذت مبيعات وحدات معالجة الرسوميات من إنفيديا، المصممة في البداية لرسومات الألعاب، تواصل رحلة الصعود الكبير. ويقول تشينيو كوي، كبير المحللين في قسم الألعاب في أومديا: «انطلقت صناعة الألعاب في الصين بشكل كبير في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع ظهور ألعاب الكمبيوتر ومقاهي الإنترنت والرياضات الإلكترونية، ما أدى إلى زيادة الطلب على وحدات معالجة الرسومات من إنفيديا».

وكانت صناعة العملات المشفرة الناشئة هي التالية. ففي أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، توافد العاملون في التعدين على وحدات معالجة الرسومات من إنفيديا. وبالنسبة لشركة إنفيديا، كانت موجة العملات الرقمية في الصين بمثابة مكسب غير متوقع ومعضلة في آن معا. فقد ارتفعت المبيعات بشكل كبير، لكن تقلب أسعار العملات خلق تحديات مزمنة تتعلق بالمخزون. وحاولت إنفيديا منع شركات التعدين من احتكار وحدات معالجة الرسوميات من خلال مطالبة تجار التجزئة بإعطاء الأولوية للاعبين، فقط للسماح بظهور سوق رمادية مزدهرة.

لكن انهيار العملات المشفرة في عام 2018، إلى جانب تحرك بكين لتقييد العملات الرقمية، قادا إلى انخفاض الطلب من جانب شركات التعدين. ومع هذا، لم يمضِ وقت طويل قبل أن تملأ شركات الذكاء الاصطناعي الفجوة.

وفي حين كانت شركة انفيديا منشغلة بتوسيع أعمالها في الصين، تغيّر الموقف في واشنطن. ففي عام 2017، ظهرت تقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان في منطقة شينجيانغ الشمالية الغربية. وقد لفت نجاح شركات الرؤية الحاسوبية الصينية، التي مكّن العديد منها من المراقبة في شينجيانغ، انتباه صانعي السياسات. و

تزايدت المخاوف من استخدام التكنولوجيا الأمريكية لقمع أقلية الأويغور. كما أعرب صناع السياسات عن قلقهم بشكل متزايد من تخلف الولايات المتحدة عن الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح المصدر الأكبر لبراءات الاختراع والشركات الناشئة والأبحاث المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.

ومع تصاعد الضغوط السياسية في كل من بكين وواشنطن، والتي يبدو أنها ضد أعمال إنفيديا في الصين، يتساءل الكثيرون عما يخبئه المستقبل للشركة في البلاد. ولا تزال الشركة تشهد ازدهاراً في المبيعات، حتى بدون السوق الصينية. وبينما تجني القوى العاملة في إنفيديا خارج الصين ثمار الطلب المتزايد فإن الأجواء داخل الصين أقل بهجة.

ويقول أحد موظفي إنفيديا في الصين: «لقد تغير المزاج هذا العام بالتأكيد. فبينما تزدهر الأعمال في أماكن أخرى، يتساءل الجميع إلى أين ستتجه الأمور هنا في الصين. وإذا لم يُسمح ببيع المزيد من الرقائق هنا، فماذا سيحدث للفريق؟ ويضيف: رغم أنه ليس من الواضح إلى أين ستتجه الأمور... إلا أنه من الواضح أن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين لن تختفي».