الضربات تتوالى على أركان إمبراطورية ماسك للأعمال.. لكنه لا يأبه

ستيفن موريس - هانا مورفي

تعرضت إمبراطورية إيلون ماسك التجارية لموجة من رحيل كبار الموظفين خلال العام الماضي، حيث أدت متطلباته الملحة والصعبة ونشاطه السياسي إلى تسريع وتيرة تغيير الموظفين في صفوف الإدارات العليا بشركاته.
وقد غادر مؤخراً أعضاء رئيسيون من فريق مبيعات تيسلا في الولايات المتحدة، وبفرق عمليات البطاريات وأنظمة الدفع، وقسم الشؤون العامة، ورئيس قسم المعلومات، بالإضافة إلى أعضاء أساسيين في فرق روبوت أوبتيموس والذكاء الاصطناعي التي راهن عليها ماسك لمستقبل الشركة.

وكان معدل دوران الموظفين أسرع في شركة «إكس ايه آي»، وهي شركة ناشئة للذكاء الاصطناعي أسسها ماسك قبل عامين، والتي دمجها مع شبكته الاجتماعية «إكس» في مارس. وغادر المدير المالي والمستشار العام للشركة مؤخراً بعد فترتين قصيرتين، بفارق أسبوع واحد. تعدّ هذه الخطوات جزءاً من هجرة جماعية من تكتل أغنى رجل في العالم، والذي يُدير خمس شركات، من سبيس إكس إلى تسلا، والتي يعمل بها أكثر من 140 ألف موظف. وقد تحدثت صحيفة فاينانشيال تايمز مع أكثر من اثني عشر موظفاً حالياً وسابقاً لاكتساب نظرة ثاقبة على هذه الاضطرابات.

وبينما غادر كثيرون بسعادة بعد خدمة طويلة لتأسيس شركات ناشئة أو أخذ فترات راحة مهنية، كان هناك أيضاً زيادة لافتة في عدد المغادرين بسبب الإرهاق، أو خيبة الأمل من تحولات ماسك الاستراتيجية المستمرة، وتسريحه الجماعي للعمال، وسياساته، وفقاً للمصادر.

وقال أحد مستشاري ماسك: «الثابت الوحيد في عالم إيلون هو سرعة استنفاده لمساعديه. إنها أخلاقيات عمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، على غرار الحملات الانتخابية. ولا يمكن أن يكون الجميع مؤهلاً لذلك». وقد أنهى روبرت كيل، المستشار العام لشركة «إكس أيه آي»، فترة عمله التي استمرت 16 شهراً في أوائل أغسطس بنشر فيديو مُولّد بواسطة الذكاء الاصطناعي لمحامٍ يرتدي بدلة رسمية ويصرخ أثناء جرف فحم منصهر: «أحب طفليّ الصغيرين، ولا أراهما كثيراً».

استمر مايك ليبيراتوري ثلاثة أشهر فقط بمنصب الرئيس المالي لشركة «إكس ايه آي» قبل أن ينتقل للعمل مع سام ألتمان، منافس ماسك اللدود، في شركة «أوبن ايه آي». وقال على لينكدإن: «102 يوم - 7 أيام في الأسبوع في المكتب؛ أكثر من 120 ساعة في الأسبوع؛ أحب العمل الجاد!».

وأكد كبار المسؤولين أن حماس ماسك قد ازداد تسارعاً مع إطلاق «شات جي بي تي» في أواخر عام 2022، والذي أحدث هزة في نظام وادي السيليكون الراسخ. كما يرون أن تنافس ماسك مع ألتمان - الذي شارك معه في تأسيس «أوبن أيه آي» قبل خلافهما - هو سبب الضغط المتزايد على الموظفين. وقال أحد كبار الموظفين الذين غادروا الشركة مؤخراً: «إيلون ماسك غاضب بشدة من «إطلاق شات جي بي تي»، ويقضي كل لحظة من حياته الآن في محاولة إخراج سام من الشركة».

والأسبوع الماضي، اتهمت شركة «إكس ايه آي» منافستها باستقطاب المهندسين بهدف «نهب واختلاس» أسرار شفرتها ومركز بياناتها. ووصفت «أوبن أيه آي» الدعوى القضائية بأنها «أحدث فصل في سلسلة مضايقات ماسك المستمرة».

وأشارت مصادر مطلعة أخرى إلى دفاع ماسك عن محرضي اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وأوروبا. وقالوا إن بعض الموظفين باتوا يخشون إجراء محادثات حتى مع عائلاتهم حول آراء ماسك المثيرة للجدل في كل شيء. وقد رفض كل من ماسك وتيسلا وإكس أيه آي التعليق.

ولطالما شكلت تيسلا الركن الأكثر استقراراً في تكتل ماسك. لكن العديد من كبار أعضاء الفريق غادروا الشركة بعد أن ألغت الشركة 14.000 وظيفة في أبريل 2024. وقد نتجت بعض قرارات المغادرة بسبب تحويل ماسك استثماراته بعيداً عن مشاريع السيارات الكهربائية والبطاريات الجديدة التي اعتبرها العديد من الموظفين أساسيةً لمهمتها في خفض الانبعاثات العالمية، وإعطائه الأولوية للروبوتات والذكاء الاصطناعي وسيارات الأجرة ذاتية القيادة.

ألغى ماسك برنامجاً لبناء سيارة كهربائية منخفضة التكلفة بقيمة 25.000 دولار أمريكي، يمكن بيعها في الأسواق الناشئة، والتي أطلق عليها داخلياً اسم NV-91. وقد غادر دانيال هو، الذي ساعد في الإشراف على المشروع كمدير لبرامج المركبات، وكان يقدم تقاريره مباشرة إلى ماسك، في سبتمبر 2024 وانضم إلى شركة وايمو، ذراع سيارات الأجرة ذاتية القيادة التابعة لغوغل. كما تنحى المديران التنفيذيان للسياسة العامة، روهان باتيل وحسن نزار، ورئيس وحدتي توليد الطاقة والطاقة، درو باجلينو، عن مناصبهم بعد هذا التحول.

وانتقلت ريبيكا تينوتشي، مسؤولة قسم الشواحن الفائقة، إلى أوبر بعد أن أقال ماسك الفريق بأكمله، وأبطأ بناء محطات الشحن عالية السرعة. في أواخر الصيف، غادر كذلك ديفيد تشانغ، المسؤول عن طرح طرازي موديل واي وسايبرترك. كما غادر رئيس قسم المعلومات، ناجيش سالدي، في نوفمبر.

علاوة على ذلك، استقال فينيت ميهتا، وهو من قدامى العاملين في الشركة منذ 18 عاماً، ووصفه أحد زملائه بأنه «بالغ الأهمية لكل ما يتعلق بالبطاريات». كما غادر ميلان كوفاتش، المسؤول عن برنامج الروبوتات البشرية أوبتيموس.

وتبعه هذا الشهر آشيش كومار، قائد فريق الذكاء الاصطناعي في أوبتيموس، الذي انتقل إلى شركة «ميتا» وكتب كومار على منصة «إكس» رداً على الانتقادات التي وجهت إليه بسبب رحيله بسبب المال: «كانت المكاسب المالية في تيسلا أكبر بكثير. فمن المعروف أن تيسلا تُعوّض بشكل جيد».

في ظل الانخفاض الحاد في المبيعات - والذي يُلقي الكثيرون باللوم فيه على تنفير ماسك للعملاء- طُرد أوميد أشفار، وهو صديق مقرب عرف باسم «رجل إطفاء» الملياردير و«جلاده»، من منصبه كرئيس للمبيعات والعمليات في أمريكا الشمالية في يونيو. وتبعه نائبه، تروي جونز، بعد فترة وجيزة، منهياً رحلة امتدت لـ 15 عاماً من الخدمة.

وقليلون هم من ينتقدون ماسك خوفاً من الانتقام. لكن جورجيو باليستريري، الذي عمل في تيسلا لمدة ثماني سنوات في إسبانيا، يعد من بين قلة ممن أعلنوا استقالتهم وتحدث، حيث صرح بأنه استقال لأنه يرى أن ماسك قد ألحق «ضرراً جسيماً بمهمة تيسلا وبالسلامة الديمقراطية المؤسسية».

لكن رئيسة مجلس إدارة تيسلا، روبين دينهولم، قالت: «دائماً ما تظهر عناوين رئيسية عن مغادرة أشخاص، لكنني لا أرى عناوين رئيسية عند انضمام أشخاص مميزين. كما أن لدينا فريقاً احتياطياً متميزاً. ونحن في الواقع نطور الأشخاص بشكل جيد للغاية في تيسلا، كما نواصل جذب المواهب».

وفي شركة «إكس ايه آي»، أبدى بعض الموظفين استياءهم من استبداد ماسك تجاه حرية التعبير، كما انتقدوا تساهله تجاه سلامة المستخدمين، في ظل استعجاله لإطلاق ميزات ذكاء اصطناعي جديدة لمنافسة «أوبن أيه آي» و«غوغل». وقد استقالت ليندا ياكارينو، الرئيسة التنفيذية لشركة «إكس»، في يوليو بعد استحواذ «إكس ايه آي» على منصة التواصل الاجتماعي.

وعبرت عن شعورها بالإحباط من انفراد ماسك باتخاذ القرارات وانتقاداته لإيرادات الإعلانات. كما فقدت «إكس» عدداً من كبار المهندسين وموظفي المنتجات الذين كانوا يرفعون تقاريرهم مباشرةً إلى ماسك، والذين كانوا يساعدون في إدارة عملية التكامل مع «إكس ايه آي».

ورغم كل ما يحدث، لا يُظهر ماسك أي تراجع. وقال أحد كبار المسؤولين التنفيذيين السابقين في تيسلا: «إنه المدير، والزعيم، لذا، فأي شخص لا يعامله بهذه الطريقة، يجد ماسك طريقةً ما لحذفه من القائمة. وهو في الوقت نفسه دقيق التخطيط، وشديد التركيز. وهذا ما يجعل العمل معه صعباً، لكن إذا كنتَ منسجماً مع الهدف النهائي، وتستطيع الابتسام وتحمّل الأمر، فلا بأس. وكثيرون يفعلون ذلك».