روبرت أرمسترونغ - هاكيونغ كيم
انخفض تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي في الولايات المتحدة، خلال شهر أغسطس قليلاً، على أساس شهري، لكن الاتجاه لا يزال متذبذباً بشكل عام، عند مستوى أعلى بنحو نقطة مئوية من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، وهذا الأمر ليس سيئاً للغاية، لكن الأمور قد تسوء في بقية العام.
وهناك مسألة أخرى يجب مراعاتها أيضاً، وقد أشار إليها روبن بروكس من مؤسسة بروكينغز، فالحجة الشائعة لعدم القلق كثيراً بشأن استمرار تجاوز التضخم للمستوى المستهدف -والتي سمعناها من محافظي الاحتياطي الفيدرالي، وآخرين- هي أن تضخم التعريفات الجمركية على السلع المستوردة ربما يكون مؤقتاً، لكن تضخم سلع مثل المفروشات والمعدات الترفيهية، حيث كان تأثير التعريفات الجمركية واضحاً في الربيع وأوائل الصيف، انخفض بشكل ملحوظ في يوليو وأغسطس، ولا داعي للتعمق في الفئات الفرعية للسلع المعمرة لرؤية هذا الاتجاه. إنه واضح على مستوى العناوين الرئيسية، وهذه أخبار جيدة، لكنها تعني ضمناً أن بقية التضخم الذي نشهده ليس نتيجة للرسوم الجمركية.
في الوقت نفسه يبلغ مؤشر الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (GDPNow) التابع لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا 3.8% للربع الثالث. من المرجح أن يكون جزء من هذه القراءة المرتفعة نتيجة لتقلبات صافي الواردات، ولكن ليس كلها، وهذا يثير احتمالاً هو أن يكون، على حد تعبير بروكس، «تضخماً من النوع المحموم محلياً»، وإذا تأكدت هذه الفرضية في الأشهر المقبلة فسيكون أمام الاحتياطي الفيدرالي خيارات صعبة بالتأكيد.
على صعيد آخر، قدمت كل من اليابان وكوريا الجنوبية وعوداً باستثمارات مباشرة كبيرة في الولايات المتحدة كونها جزءاً من اتفاقيات تجارية مع إدارة ترامب: 550 مليار دولار لليابان، و350 مليار دولار لكوريا.
ووقعت الولايات المتحدة واليابان اتفاقهما؛ ولا تزال كوريا تُنهي تفاصيله، لكن هناك استياء متزايد في كوريا الجنوبية إزاء الاتفاق، وقالت مؤخراً صحيفة فاينانشال تايمز: «بعد أن شاهدنا كيف يمكن أن تتحول المصافحات في قمة واشنطن إلى قيود في مداهمة لدائرة الهجرة في جورجيا بدأ الرأي العام في سيئول تجاه الاتفاق يُظهر علامات تصلب. وفي هذا المناخ برز جدل حول ما إذا كان ينبغي على سيئول مقاومة «تخفيض» التعريفة الجمركية والنظر بدلاً من ذلك في تقبّل ضريبة الـ 25%، وما زال الجدل قائماً حول ما سيشكل استثماراً بقيمة 350 مليار دولار».
وفي هذا السياق، يقول ماركوس نولاند من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: «في الأصل اعتقدت كوريا أنه يمكنها احتساب ضمانات الاستثمار وأشياء من هذا القبيل جزءاً من 350 مليار دولار - مثل مصنع البطاريات في جورجيا، وكذلك احتساب بعض ضمانات الاستثمار أو بعض القروض من البنك الحكومي، لكن الولايات المتحدة عادت الآن وقالت إنها تريد الأسهم؛ وهي لا تريد الأسهم فحسب، بل تريد الأسهم التي سيسيطر عليها البيت الأبيض، ولن يتم استثمارها بالضرورة في الشركات الكورية؛ فالولايات المتحدة تستثمرها بالطريقة التي تريدها».
إنها فكرة غريبة، ومع ذلك فإن مصدر القلق بالنسبة لكوريا هو أنها ببساطة لا تملك احتياطات من العملات الأجنبية لتلبية متطلبات الأسهم للبيت الأبيض. وعلى عكس الين الياباني فإن الوون الكوري ليس عملة احتياطية. وقد صرح مسؤولون من سيئول أن التزام كوريا بالأسهم سيظل أقل من 5 في المائة من تعهدها، كما أشارت اليابان بالمثل إلى أن 1 إلى 2 في المائة فقط من تعهدها البالغ 550 مليار دولار سيكون في الأسهم.
في غضون ذلك ضاعف ترامب مطالبه المتعلقة بالأسهم الأسبوع الماضي، واصفاً إياها بـ«الدفعة الأولى». وتمتلك كوريا 416.3 مليار دولار من الاحتياطات الدولية، ما يعني أن استثمار 350 مليار دولار، معظمها من الأسهم، يعادل التنازل عن جميع احتياطاتها من النقد الأجنبي للولايات المتحدة، ولا يمكن قبول هذا الاحتمال بالمرة على محمل الجد، لاسيما بالنظر إلى الذكريات المريرة للأزمة المالية الآسيوية عام 1997 عندما انهارت احتياطات كوريا الأجنبية، ما أدى إلى خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي اعتُبرت إهانة وطنية.
هناك بدائل أخرى غير التخلي عن الصفقة كلياً، حيث يمكن لبنك كوريا الحصول على ضمانات خطوط مبادلة مع الاحتياطي الفيدرالي، أو يمكن لكوريا إصدار سندات بالدولار واستخدام العائدات لتمويل استثماراتها في الولايات المتحدة. ويقول نولاند: «إنك ستنشئ التزامات بالدولار، بغض النظر عن كيفية تمويلها، لذلك ينظر بنك كوريا إلى هذا الأمر برعب»، فهل من الممكن أن يكون دفع رسوم جمركية بنسبة 25% صفقة أفضل من استثمار بقيمة 350 مليار دولار قد يُزعزع استقرار الاقتصاد الوطني؟
ويرى دين بيكر من مركز البحوث الاقتصادية والسياسية أن على كوريا واليابان «تحمل الرسوم الجمركية»؛ وتتضمن حساباته بعض التخمينات نظراً لعدم القدرة على التنبؤ بتأثيرها. ويقول نولاند: «بغض النظر عن أيهما أفضل من حيث الأرقام فإن كلا البلدين على الأرجح لن يقبل برسوم جمركية أعلى لمجرد اعتمادهما على المظلة الأمنية الأمريكية: ولا يمكنهما في الوقت نفسه المخاطرة بحدوث قطيعة جوهرية مع الولايات المتحدة لأسباب أمنية، لذا سيبذلان قصارى جهدهما لتهدئة الأمريكيين».
وكما هي الحال مع العديد من صفقات ترامب قد يكون من الممكن التفاوض على تخفيف المطالب الرئيسية، لكن التباطؤ في إبرام صفقة ينطوي أيضاً على خطر إثارة غضب ترامب، وإعادة تصعيد الرسوم الجمركية، وهكذا فإنه لا توجد خيارات خالية من المخاطر.
