ستيفن ميلر.. «رئيس وزراء» ترامب الذي يُنفّذ خطة لإعادة تشكيل أمريكا

جاي تشازان

عندما اعتلى ستيفن ميلر منصة تأبين الناشط المحافظ تشارلي كيرك مؤخراً، وجّه تحذيراً شديد اللهجة إلى القوى اليسارية التي يعتقد أنها مسؤولة عن الاغتيال، وصاح مخاطباً الأعداء الأيديولوجيين: «إنكم لا تتخيلون الحجم الهائل للتنين الذي أيقظتموه. كما لا تتخيلون مدى شدة عزمنا على إنقاذ هذه الحضارة، وإنقاذ الغرب، وإنقاذ هذه الجمهورية».

كما ألقت كلمات التأبين الأخرى في ذلك اليوم باللوم على المعارضين السياسيين لإدارة ترامب في وفاة كيرك. لكن كلمات ميلر تحمل وزناً حقيقياً. ربما أكثر من أي شخص آخر، لديه القدرة على تحويل غضب المحافظين من جريمة القتل إلى ما يسميه «هديراً من العمل الجاد». لذا، يجب أن يكون لليسار سبب وجيه للخوف من انتقامه.

إن ميلر هو أقوى بيروقراطي غير منتخب في أمريكا. وبصفته نائب رئيس موظفي دونالد ترامب ومستشاره للأمن الداخلي، فهو يُعدّ مهندس خطة الرئيس لإعادة تشكيل أمريكا. وقال ستيف بانون، كبير استراتيجيي ترامب خلال ولايته الأولى: «إنه رئيس الوزراء. لا أعتقد أن هناك جانباً من جوانب السياسة الداخلية - باستثناء بعض مجالات الأمن القومي ووظائف الخزانة والمالية وما شابه - لا يشارك فيه عن كثب».

وهو أيضاً رجلٌ اتُهم منذ فترة طويلة من قِبل النقاد بالنزعات الاستبدادية. في الشهر الماضي، وصف الحزب الديمقراطي بأنه «منظمة متطرفة محلياً». وفي مايو، تحدث عن تعليق أمر المثول أمام القضاء - وهو الحق الدستوري في الإجراءات القانونية الواجبة.

لا يُفاجأ زملاؤه السابقون بنفوذه. قالت أوليفيا تروي، مسؤولة الأمن القومي السابقة التي تفاعلت مع ميلر أثناء عملها في البيت الأبيض الأول في عهد ترامب: «لطالما عرفت أنه إذا عاد ترامب إلى السلطة، فسيكون الأمر أشبه بعرض لستيفن ميلر، وهذا بالضبط ما نراه اليوم». وقالت: «لا أحد يُوازنه. لهذا السبب نرى الكثير من الأمور الأكثر تطرفاً تحدث».

وميلر، العضو الرفيع المستوى الوحيد في البيت الأبيض الذي بقي قريباً من ترامب بعد ولايته الأولى ثم عاد إلى المكتب البيضاوي في يناير، أصبح مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً ببعض سياسات الرئيس الأكثر إثارة للجدل، فاعتقالات المهاجرين غير الشرعيين في جلسات المحاكم الروتينية، والضغط لإلغاء حق المواطنة بالولادة، وقرار نشر قوات الحرس الوطني المسلحة ومشاة البحرية في شوارع لوس أنجلوس، كلها تحمل بصمته. لكن اهتماماته تمتد إلى ما هو أبعد من الهجرة والأمن. فقد ارتبط ميلر أيضاً بهجوم ترامب على الجامعات والشركات القانونية والمؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام. وقال شخص مطلع على تفكير ترامب: «كان هذا كله بمثابة ستيفن، يربط النقاط ببعضها. إنه متورط في كل ذلك».

وقالت سكاي بيريمان، رئيسة منظمة «الديمقراطية إلى الأمام»، وهي مجموعة تحدت مئات من القرارات التنفيذية التي اتخذها ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض: «التطرف والتجاوزات التي شهدناها، مع الإيحاءات بأن الإدارة لا يتعين عليها بطريقة ما اتباع أوامر المحكمة، أو أن الحقوق الدستورية للناس يمكن استخدامها ضدهم.. نرى الكثير من بصمات ستيفن ميلر في ذلك كله».

أما بالنسبة لحلفائه، فميلر يجسد إدارةً تمارس كامل صلاحياتها الرئاسية لتنفيذ مجموعة من السياسات التي تُصرّ على أن غالبية الأمريكيين يدعمونها. وقال أحد أعضاء جماعات الضغط المقربين من ترامب: «يتمتع ميلر بفهمٍ وسيطرةٍ على جهاز السياسة، ليس فقط في البيت الأبيض، بل في السلطة التنفيذية بأكملها. وقد أظهر للإدارة كيف يُمكن استخدام كل أداةٍ لتحقيق نتيجة».

ورفض ميلر طلباً لإجراء مقابلة. لكنّ السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، وصفته في بيانٍ بأنه «أحد أقدم مستشاري الرئيس ترامب وأكثرهم ثقةً لما يقرب من عقدٍ من الزمان». وأضافت أن ترامب لديه «أقصى قدر من الثقة به وبقدراته القيادية المُثبتة». فإلى جانب كونه «فعالاً للغاية في عمله»، كان «زميلاً وصديقاً وفياً».

ويخشى النقاد أن يستخدم ميلر مقتل كيرك ذريعةً لقمع اليسار وقمع المعارضة. وفي حديثه عبر بودكاست مع نائب الرئيس جيه دي فانس، قال إن الإدارة ستُوجّه غضبها إزاء مقتل الناشط «لاقتلاع وتفكيك الشبكات الإرهابية». ولم يُحدد أي منها يقصد. وفي كلمته في مراسم تأبين كيرك، وجّه ميلر كلماتٍ قاسيةً لأعداء ماغا. قال: «أنتم لا شيء. أنتم شر. أنتم حسد. أنتم كراهية. أنتم لا شيء».

واللافت أن رد فعل الحشد على خطاب ميلر جاء باهتاً مقارنةً بالتصفيق الحارّ لإريكا كيرك، أرملة المؤثر القتيل، عندما قالت إنها سامحت قاتل زوجها. وقالت، في ما بدا وكأنه توبيخ لخطاب ميلر المليء بالغضب: «الرد على الكراهية ليس كراهية».

ومنذ صغره، كان لدى ميلر، ابن يهوديين ديمقراطيين نشأ في حي ثري بسانتا مونيكا، كاليفورنيا، آراء قوية بشأن الهجرة. ويعود اهتمام ميلر بالسياسة إلى المدرسة الثانوية، وأصبح من محبي المذيع اليميني راش ليمبو ولاري إلدر، المذيع الأسود ببرنامج إذاعي كان يحظى بشعبية لدى المحافظين في لوس أنجلوس.

وفي العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، عمل مساعداً لجيف سيشنز، السيناتور الجمهوري من ولاية ألاباما، مكرّساً طاقاته لإجهاض جهود الحزبين لإصلاح نظام الهجرة الأمريكي المُعطّل. وقال مات بويل، رئيس مكتب واشنطن لموقع بريتبارت الإخباري اليميني: «كان في البداية صوتاً وحيداً في البرية، لكن نهج ميلر المتشدد تجاه الهجرة سرعان ما أصبح عقيدة الحزب الجمهوري. وأضاف بويل: «لقد كان سباقاً في كل قضية رئيسية في ذلك الوقت».

في عام 2016، انضم ميلر رسمياً إلى الحملة الرئاسية الأولى لترامب، ككاتب للخطابات. وقال ستيف بانون، الذي أشرف لاحقاً على حملة ترامب: «توافق ستيفن والرئيس على الفور. أعني أنه كان اندماجاً فكرياً». وبمجرد انضمام ميلر، تحسنت جودة خطابات ترامب، واكتسبت «قليلاً من الجاذبية والمضمون»، وفقاً لبانون. وقال:«الكاريزما لا يمكن أن توصلك إلى أبعد من ذلك. لكن في النهاية، سيتعين عليك اتباع سياسة مدروسة، وكان ستيفن هو الرجل المناسب للقيام بذلك».

وعُيّن ميلر مستشاراً في البيت الأبيض الأول لترامب، وسرعان ما وضع بصمته على سياسة الهجرة. وكان أحد المؤلفين الرئيسيين لما يسمى بحظر سفر المسلمين، الذي فرض قيوداً على دخول مواطني العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة، ووضع سياسة «عدم التسامح مطلقاً» التي تسببت في فصل العائلات على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك في عام 2018، لكن مبادراته كثيراً ما عرقلتها المحاكم وواجهت مقاومة شديدة من داخل البيروقراطية الفيدرالية نفسها.

وغالباً ما أثار هوسه بالمهاجرين غير المسجلين استياء الكثيرين. وقال مسؤول سابق في الأمن الداخلي: «في ذلك الوقت، كان السؤال المطروح هو: ابحثوا عن قصص المهاجرين الذين تورطوا في حوادث قيادة تحت تأثير الكحول، سواءً أُدينوا أم لا». وأضاف: «قال إن علينا تصوير المهاجرين على أنهم خطر على الأمريكيين».

وقد ظل ميلر مخلصاً لترامب بعد خسارته انتخابات عام 2020، وقضى معظم السنوات الأربع التالية في العمل على سياسات يمكن تطبيقها إذا عاد إلى البيت الأبيض. وعلى الرغم من افتقاره للتدريب القانوني، فقد بحث عن قوانين غامضة لُيبرر مقترحاته السياسية القاسية. ففي عام 2023، أخبر مُقدّمي البودكاست المحافظين كلاي ترافيس وباك سيكستون كيف يُمكن استخدام قانون «الأجانب الأعداء» لعام 1798 لإجراء عمليات ترحيل جماعي دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة في حال وقوع «غزو استغلالي» للولايات المتحدة - وهي حيلة استخدمها ترامب منذ عودته إلى السلطة لإرسال الفنزويليين إلى السلفادور.

وعندما فاز ترامب في الانتخابات، عُيّن ميلر نائباً لرئيس موظفي البيت الأبيض، وسرعان ما اتضح أنه سيتمتع بصلاحيات واسعة لتجاوز المقاومة البيروقراطية التي شعر أنها أعاقته في الجولة الأولى. وفي واقعة أكّدت حجم سلطاته الجديدة، استدعى ميلر وكريستي نويم، وزيرة الأمن الداخلي، كبار مسؤولي إنفاذ قوانين الهجرة إلى واشنطن في مايو لتوبيخهم على أدائهم الضعيف المزعوم في اعتقال المهاجرين غير الشرعيين. لكن نبرة اللوم كانت مألوفة لدى من عرفوه خلال فترة ترامب الأولى.

قال تروي: «إنه يوبخ الناس، ويلقي المحاضرات، ويثرثر بعنف. كنا نتصرف بحذر شديد تجاهه». واستغل ميلر الاجتماع لتحديد حصة اعتقال يومية قدرها 3000 شخص، وهي زيادة قدرها أربعة أضعاف عن المتوسط خلال الأشهر القليلة الأولى من ولاية ترامب الثانية.

مع تصاعد الاحتجاجات، نشر ترامب الحرس الوطني لقمع الاضطرابات. لجأ ميلر إلى منصة إكس لتبرير هذه الخطوة، معلناً أن لوس أنجلوس أصبحت «أرضاً محتلة». وقال «لطالما قلنا إن هذه معركة لإنقاذ الحضارة. أي شخص ذي عين يرى ذلك الآن». ويقول النقاد عموماً إن ميلر شخصية مثيرة للانقسام، وقد قاد أكثر سياسات إدارة ترامب إثارة للشكوك القانونية.