سارة أوكونور
تخيل تجربة يعرض فيها على الجمهور آراء لمجموعة من كبار الاقتصاديين، بعضهم رجال، وبعضهم نساء، مع تطابق كامل في مضمون الآراء واختلاف وحيد في هوية أصحابها. من تتوقع أن يكون أكثر إقناعاً؟
أول تخمين لي سيكون: «لا فرق»، انسجاماً مع التصريح الشهير للسياسي البريطاني السابق، مايكل غوف، خلال حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حين قال إن الناس «قد سئموا من آراء الخبراء أياً كانوا»، وإن لم يكن هذا هو الجواب فقد يكون التخمين التالي: «الرجال»، بالاستناد إلى أبحاث تُظهر أن هناك في كثير من الأحيان فجوة في القبول ترتبط بكيفية تلقي الناس لآراء الرجال والنساء، لكن عندما أجرى الاقتصاديان هانز هنريك سيفرتسن وسارة سميث هذه التجربة على أرض الواقع، جاءت النتائج مناقضة لكلا التوقعين.
لقد عرض سيفرتسن وسميث على نحو 3000 شخص من الجمهور الأمريكي سلسلة من التصريحات حول قضايا اقتصادية، تتراوح بين تنظيم القطاع المالي والضرائب والذكاء الاصطناعي.
وكان يقال للمشارك رأي أحد الاقتصاديين المعروفين- ويذكر اسمه، ثم يُطلب من الشخص إبداء رأيه، وقد استقيت آراء الخبراء من لجنة أكاديمية تديرها جامعة شيكاغو، تستطلع بانتظام آراء نخبة من الاقتصاديين الأكاديميين في كبرى الجامعات الأمريكية حول قضايا مختلفة.
وكشفت الدراسة أن الرأي العام كان يتأثر بالفعل بآراء هؤلاء الاقتصاديين، لكن الأكثر إثارة للاهتمام أن الخبيرات كن أكثر تأثيراً من نظرائهن الرجال، إذ كان الأثر الإضافي لرؤية رأي صادر عن خبيرة أكبر بنسبة 20 % مقارنة بالرأي الصادر عن خبير من الرجال، فلماذا يحدث ذلك؟
في محاولة للعثور على تفسير أعاد الباحثان إجراء التجربة، لكن هذه المرة دون الإشارة إلى المؤهلات الأكاديمية للخبير (مثل لقب أستاذ واسم الجامعة التي ينتمي إليها)، وعندما كان كل ما يعرفه الجمهور هو أن الشخص المعني «خبير اقتصادي»، اختفى الفارق بين الجنسين، إذ أصبح تأثير الرجال والنساء متساوياً في إقناع الجمهور.
ويرى سيفرتسن وسميث أن التفسير الأنسب لهذه النتائج هو أن الجمهور يبني افتراضاً خاصاً به، مفاده أن النساء اللواتي بلغن مناصب أستاذية في جامعات مرموقة ضمن مجال يهيمن عليه الذكور لا بد أن يكن أكثر كفاءة من نظرائهن الرجال.
وقد كتب الباحثان في ورقتهما البحثية: «ببساطة قد يُنظر إلى النساء الناجحات المعروفات إذا كن قد حققن إنجازاً في مجالات نمطياً ذكورية، على أنهن أفضل من نظرائهن الذكور».
وقد رصدت دراسات أخرى ظاهرة مشابهة، ففي إحدى التجارب التي أجريت في إثيوبيا استعان باحثون باختبارات مبنية على ألعاب سلوكية لدراسة ما إذا كان الناس يستجيبون للنصائح بشكل مختلف عندما يُعيَّن لهم قائد ذكر أو أنثى بشكل عشوائي (وكان القادة متماثلين في كل شيء عدا الجنس)، وقد أظهرت التجربة أن المشاركين كانوا أقل ميلاً إلى اتباع تعليمات القائدة الأنثى، لكن حين أبلغ الباحثون مجموعة فرعية من المشاركين بأن قائدهم يتمتع بقدرات تخصصية عالية ارتفعت نسبة الذين اتبعوا نصائح القائدة «عالية الكفاءة» مقارنة بنظرائهم، الذين تلقوا التعليمات من قائد من الرجال يتمتع بالكفاءة ذاتها، فهل يكون الناس على صواب حين يفترضون أن المرأة التي نجحت في مجال يهيمن عليه الذكور لا بد أن تكون أفضل من نظرائها من الرجال؟ أم أن هذا فيه إجحاف بحق الرجال؟ وتقول سميث: «لا يمكنني القول إننا نعلم بأن النساء لا بد أن يكن أفضل» لكي يصلن إلى القمة في علم الاقتصاد، «لكننا نعلم بالتأكيد أن هناك تمييزاً نمطياً ضد النساء في المراحل الأدنى من المسار المهني».
وعلى سبيل المثال استخدمت إحدى الدراسات تقنيات التعلم الآلي لتحليل تسجيلات صوتية لأكثر من 1700 ندوة اقتصادية، وكشفت التحليلات أن المتحدثات الإناث تعرضن للمقاطعة بوتيرة أعلى، وفي مراحل أبكر مقارنة بنظرائهن الذكور، كما أظهرت النتائج أن الجزء الأكبر من هذه المقاطعات كان مصدره جمهور من النساء، لا رجال، وأظهرت الدراسة أيضاً أن الرجال كانوا أكثر ميلاً إلى إبداء التعليقات بدلاً من طرح الأسئلة عندما تكون المتحدثة امرأة.
وفي دراسة أخرى تبين أن الرجال يُمنحون صفة «أستاذ دائم» بمعدلات متقاربة سواء شاركوا في كتابة أبحاث مع آخرين أو كتبوها منفردين، في حين أن فرص النساء في نيل المنصب ذاته كانت تتراجع كلما زادت مشاركتهن في أعمال بحثية جماعية.
وسواء أكان افتراض الناس بأن المعايير أكثر صرامة على النساء في بعض المهن ذات الغلبة الذكورية صحيحاً أم لا فإنه من المفيد أن نعرف أن هذا هو الافتراض الذي قد يحمله البعض، فإذا كنتِ مثلاً امرأة بارزة في مجال يسيطر عليه الذكور، وتستعدين للظهور في مناسبة علنية، فإن هذه النتائج تشير إلى ضرورة إسكات ذلك الصوت الداخلي، الذي يهمس لكِ بأن الجمهور قد يتجاهل خبرتك أو يقلل من شأنها.
الواقع قد يكون معاكساً تماماً؛ إذ قد يكون الناس يفكرون: «لا بد أنها مدهشة فعلاً لتصل إلى ما وصلت إليه، لذا يجب أن أُنصت جيداً لما ستقوله».