أوروبا رهينة لضرورات استرضاء الرئيس الأمريكي

جانان غانيش

من التجارب المثيرة في هذه الوظيفة الشعور بالحاجة لتغيير الرأي أثناء كتابة مقال. فقد كان من المفترض أن يكون هذا المقال هجوماً على الاتحاد الأوروبي لاستسلامه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قضايا التجارة، لكن في سياق الجدل الداخلي، أصبح من الصعب جداً العثور على خيار أفضل.

يرى كثيرون أن جميع شركاء أمريكا التجاريين - الصين والهند والبرازيل - في مأزق، لكن الاتحاد الأوروبي يواجه وضعاً أصعب كثيراً، فأحد جيرانه يكافح من أجل البقاء في حرب ضد روسيا.

كما تعرض مجالان جويان لعضوين حاليين بالاتحاد للاختراق من قبل روسيا نفسها في الأسابيع الأخيرة. ومع الإقرار أن اعتماد قارة غنية مثل أوروبا على الحماية الأمريكية بعد 80 عاماً من الحرب العالمية الثانية أمر مخزٍ تماماً، لكن ذلك، للأسف، حقيقة واقعة. ويعد ثمن هذه الحماية مرتفعاً للغاية لأن مسألة التجارة مهمة، لكنها في نهاية المطاف قضية غير وجودية.

وفي تصريحٍ لها لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ، لم تحاول سابين وياند، المديرة العامة للشؤون التجارية بالمفوضية الأوروبية الادعاء بأن الاستسلام فيما يخص التعريفات الجمركية كان له علاقة كبيرة بالاقتصاد.

وقالت: «كان الجانب الأوروبي تحت ضغطٍ هائلٍ لإيجاد حلٍ سريعٍ لاستقرار العلاقات عبر الأطلسي فيما يتعلق بالضمانات الأمنية». وفي حال ضاعت وجهة نظرها وسط ضبابية خطاب المذكرات، فقد قالت بوضوح: «لدينا حرب برية في القارة الأوروبية. ونحن نعتمد كلياً على الولايات المتحدة».

إنها تعترف هنا أن أوروبا توسلت لأمريكا، وأنها فعلت ذلك لأسبابٍ تتعلق بالحياة أو الموت. لذا، علينا أن نعجب بصراحتها، حتى وإن كان ذلك قد يقلق نومك. ويمكن أن يكون البريطانيون، الذين التقوا ترامب في عدد من الزيارات الرسمية يكاد يقارب عدد المحاكمات لمحاولة عزله من منصبه، صريحين بالمثل في السر. كما أنه ليس من الممتع بالمرة أن ترى ملك بريطانيا الثاني على التوالي مجبراً على الابتسام لمثل هذا الضيف.

لكن سبب التودد لترامب ليس لتعزيز مكانة بريطانيا على الساحة العالمية أو لتأمين استثمارات في الذكاء الاصطناعي، بل لمجرد إبقاء هذا الرئيس منخرطاً في الأمن الأوكراني والأوروبي. ولنكن سعداء لأنه يستجيب لهذه المجاملات، وعلينا أن نتخيل ما الذي يمكن أن يحدث لو لم يفعل ذلك.

وهناك نقطتان مهمتان. أولاً: إن حجة استرضاء ترامب لا تصمد على ما يبدو خارج أوروبا. فهناك عل سبيل المثال الهند، التي تواجه الآن بعضاً من أشد التعريفات الجمركية الأمريكية، كما تواجه التداعيات المتوقعة بسبب ارتفاع تكلفة تأشيرات H-1B التي يستخدمها آلاف المغتربين الهنود.

ثانياً: يجب على أوروبا أن تسترضي ترامب حتى كتكتيك تمهيدي لمستقبل أكثر اعتماداً على الذات. وللدفاع عن نفسها في ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين.

لن تحتاج القارة إلى المال فقط، بل إلى اتخاذ قرارات أسرع وأقل توافقاً، ربما خارج هياكل الاتحاد الأوروبي، نظراً للنفوذ العسكري لبريطانيا (وهي ليست عضواً) والخوف الأقل وضوحاً من روسيا في إسبانيا وإيطاليا (وهما عضوان). لكن الخضوع لترامب لن يجدي نفعاً إلا إذا حدث هذا الإصلاح بالتوازي.

يكمن الخطر في أن تثبت التنازلات التجارية قصيرة الأجل جدواها لدرجة أن تستقر في فن الحكم الدائم. مع وضع هذه التحذيرات، لا خيار أمام أوروبا سوى تقليص خسائرها بأن تقتصر على مسألة التجارة مع إعطاء الأولوية للأمور الكبيرة.

وقد يبدو الأمر سيئاً، لكن بعض الأفعال الحكيمة هي الأخرى يمكن أن تبدو كذلك. ويميل التاريخ إلى التقليل من شأن القادة الذين يعانون من أجل خلفائهم. فقد تعرض ريشي سوناك لانتقادات شديدة لإلغاء تمديد خط سكة حديد عالي السرعة تأخر بشكل غريب وتجاوز الميزانية، فيما لم يلقِ رؤساء الوزراء الذين أساءوا إدارة المشروع لوماً يذكر.

والنتيجة هي أن السير كير ستارمر لم يعد ملزماً باتخاذ هذا القرار، إلا إذا اختار إحيائه. وبالمثل، تعرض الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن لانتقادات أشد بسبب الخروج الفاشل من أفغانستان مما تعرض له أسلافه لعدم بناء دولة هناك على مدى ما يقرب من 20 عاماً.

قد تتبنى حتى وجهة نظر روبرت هاريس القائلة إن «استرضاء» نيفيل تشامبرلين، زعيم حزب المحافظين، الذي تولى رئاسة وزراء بريطانيا، واشتهر بسياسته الخارجية الداعية للسلام، عام 1938 منح بريطانيا عاماً من وقت إعادة التسليح.

وقد رضي بتدمير سمعته، كما تذهب هذه الحجة، ليمنح وريثه فرصة للقتال. ويبدو أن رؤساء الحكومات الحاليين في أوروبا، بالإضافة إلى أورسولا فون دير لاين وأمين عام حلف الناتو مارك روته، سيتعرضون أيضاً لانتقادات كبيرة مماثلة تطال سمعتهم.

إنهم جميعاً مدانون اليوم لخضوعهم لترامب، في حين يجب أن يكون التركيز على كل من الماضي والمستقبل، فقد أوصلت مجموعة سابقة من القادة والمثقفين والناخبين القارة إلى هذه النقطة المهينة.

وكان الحمقى يتباهون بـ «القوة الناعمة» حتى بعد ضم (شبه جزيرة القرم). وبالنسبة للمستقبل، فقد يكون إذلال جيل فون دير لاين هو ما يتطلبه الأمر لمنح خلفائهم المزيد من القوة الصارمة لاستخدامها حين يلزم الأمر.