لماذا نستخدم «الرياضيات الخاطئة» في التعامل مع الاقتصاد؟

تيم هارفورد

كان الفصل الدراسي الأول من دراستي للماجستير في الاقتصاد تجربةً مُقلقة. كانت مادة الاقتصاد القياسي مُربكة للغاية. كما كان الاقتصاد الكلي أكثر غموضاً بالنسبة لي.

كان كل شيء مُغرقاً في رياضيات مُبهمة - أو، لأكون أكثر صراحةً، رياضيات لم أستطع فهمها. لذلك، بدأت أتساءل: لماذا يظهر الاقتصاديون ولعاً بالرياضيات إلى هذا الحد - وهل كان أي منها مفيداً؟

قد يكون من المفيد العودة بالزمن إلى عام 1960، عندما نشر الفيزيائي يوجين ويجنر مقالة بعنوان «الفعالية غير المعقولة للرياضيات في العلوم الطبيعية». فقد كانت الفيزياء والرياضيات رفيقتين مترابطتين لفترة طويلة لدرجة أن شراكتهما بدت حتمية، لكن ويغنر أخذ يتساءل عن السبب.

ولنأخذ قانون نيوتن للجاذبية كمثال، فقد لاحظ ويجنر أنه يستند إلى بعض القواسم المشتركة بين مدار القمر والمسار المكافئ الذي يسلكه الحجر عند قذفه في الهواء.

كان بإمكان العلماء رصد قذائف المدفع التي تسقط من برج بيزا كما يحلو لهم، ولكن بسبب افتقارهم إلى غرف التفريغ والتصوير بتقنية إيقاف الحركة والساعات الدقيقة، كانت جميع ملاحظاتهم غامضة حتماً.

ومع ذلك، استناداً إلى «مصادفة عددية واحدة، وتقريبية للغاية في ذلك الوقت»، وضع نيوتن قانوناً رياضياً يتمتع بدقة وعمومية كبيرتين. لقد كان مقال ويغنر مؤثراً وحظي باهتمام واسع لدرجة أن كثيرين ساروا في نفس الاتجاه. بل وغيّر أحد المؤلفين العنوان لاستكشاف الفعالية غير المعقولة للفيزياء في الرياضيات.

وبشر ثلاثة باحثين في جوجل بعصر البيانات الضخمة بمقالهم «الفعالية غير المعقولة للبيانات»، فيما انتقد فيلا فيلوبيلاي الاقتصاد الرياضي في مقالة له «عدم الفعالية غير المعقولة للرياضيات في الاقتصاد».

وشنّ فيلوبيلاي هجوماً لاذعاً، فبدلاً من النقد المعتاد بأن الاقتصاد يستخدم افتراضات غير واقعية، ركّز على بعض الأسس العميقة لأكثر النظريات تعقيداً في الاقتصاد الرياضي. وقال إن هذه الأسس مبنية على منطق رياضي متنازع عليه، وبالتالي فإن البراهين غير سليمة رياضياً.

عموماً، فلست عالم رياضيات بما يكفي لأُصدر حكماً، لكنني أتفق تماماً مع فيلوبيلاي في هذا الصدد: إذا أُريد للرياضيات أن تكون مفيدةً في الاقتصاد، فلا بد أولاً من اختيار النوع المناسب من الرياضيات.

ولا يزال الاقتصاد السائد يعتمد على ما يُمكننا تسميته بالرياضيات النيوتونية: استخدام التفاضل والتكامل لتحسين الأداء، مع مراعاة القيود: ما هو المزيج الأكثر ربحية بين السعر والإنتاج بالنسبة للمصنّع؟ أي سلة سلع تُعظّم منفعة المستهلك مع الالتزام بالميزانية؟

وهذه الأمور مفيدة بما فيه الكفاية، ومع ذلك فهي غير مُناسبة لفهم سلوك الدورات الاقتصادية الكلية، أو نقاط الضعف في النظام المالي، أو كيف يُقنع مُصممو التطبيقات الفاسدون والمحتالون المستهلكين بالتصرف ضد مصالحهم.

ولذلك، ظهرت بدائل متنوعة، حيث يُفضّل خبراء الاقتصاد السلوكي وصفاً أكثر واقعية من الناحية النفسية للسلوك البشري. وهذا أمرٌ جذابٌ بلا شك، لكن المشكلة تكمن في أن البشر الواقعيين من الناحية النفسية لا يُمكن التنبؤ بهم رياضياً. ويضطر خبراء السياسات العامة السلوكية إلى اختبار الأفكار الواعدة لمعرفة ما يُجدي نفعاً.

وأنا أؤيد تماماً هذا النهج التجريبي، لكن علينا أن نكون واقعيين بشأن ما يُمكن تحقيقه. ويُمكن للاقتصاد السلوكي أن يُخبرنا قليلاً عن سيكولوجية الفقاعات، ولكنه لا يُخبرنا كثيراً عن سبب اقتصار انفجار فقاعة الدوت كوم في الغالب على سوق الأسهم، بينما تطوّرت فقاعة الإسكان الأمريكية بعد بضع سنوات إلى أكبر أزمة مالية منذ عقود.

وهذا ليس سؤالاً عن جنون الجماهير، بل عن البنية العميقة للأسواق المالية. ثمة نهج آخر يتمثل في طرح أفكار حول التعقيد الاقتصادي، مستعينين بأدوات رياضية من علم البيئة وفيزياء أواخر القرن العشرين، تُستخدم لدراسة الشبكات والأنظمة الفوضوية والسلوك الناشئ.

وعلى مر السنين، استعرضنا رؤى مستمدة من علم التعقيد، بدءاً من اقتصاديات الألواح الشمسية وصولاً إلى كيفية منع فقاعة الإسكان.

كل ذلك يشير إلى أن المشكلة التي يواجهها الاقتصاد ربما لا تكمن في كونه رياضياً للغاية، بل في أن الرياضيات التي استخدمها لعقود - والتي تعتمد بشكل كبير على الفيزياء الكلاسيكية - ضيقة الأفق بلا داعٍ، فيما يمكن دراسة الاقتصاد الحديث بطرق عديدة. وقد يكون لدى المؤرخين وعلماء الأنثروبولوجيا، وحتى الأطباء النفسيين، ما يفيد.