لماذا لا تزال حكومات العالم تستهدف زيادة إنتاج الوقود الأحفوري؟

سيمون موندي

رغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده من اتفاقية باريس، لا تزال جميع دول العالم تقريباً ملتزمة رسمياً باتفاقية عام 2015. وفي فعالية أخرى للأمم المتحدة في نيويورك، استعرض العشرات من قادة العالم استراتيجيات دولهم للمضي قدماً في تحقيق هدف الاتفاقية المتمثل في إبقاء الاحترار العالمي أقل بكثير من درجتين مئويتين.

ومع ذلك، لا تزال الدول المنتجة للوقود الأحفوري في العالم تخطط لمستويات إنتاج من النفط والغاز والفحم من شأنها أن تدفع درجات الحرارة إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. فهل انتهت أهداف باريس بالفعل؟

لقد مر ما يقرب من عامين منذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين «كوب 28» الذي استضافته دبي للسعي إلى «تحقيق التحول العالمي بعيداً عن الوقود الأحفوري». لذلك، يعد هذا وقتاً مناسباً لتقييم أثر هذا التعهد التاريخي، ويبدو أن الحكومات قد مضت قدماً في مراجعة توقعاتها بشأن إنتاج الوقود الأحفوري، ودفعه نحو الارتفاع.

وقد حللت دراسة جديدة، أجراها معهد ستوكهولم للبيئة، التوقعات الرسمية للإنتاج على المديين المتوسط والطويل من 20 منتجاً رئيساً للفحم والنفط والغاز، والتي تمثل مجتمعة أكثر من 80 % من إنتاج الوقود الأحفوري العالمي. وتُظهر التوقعات الحكومية ارتفاعاً كبيراً في الإنتاج العالمي لجميع أنواع الوقود الأحفوري من الآن وحتى عام 2030، ونمواً في إنتاج النفط والغاز حتى عام 2050.

وهذا يتناقض بشكل كبير مع التخفيضات الكبيرة والفورية في الإنتاج اللازمة لتحقيق أهداف اتفاقية باريس. والأمر الأكثر إثارة هو أن التوقعات الحالية لإنتاج الوقود الأحفوري أعلى بكثير مما كانت عليه في عام 2023، أي قبل اتفاقية COP 28 بدبي والتي لاقت ترحيباً كبيراً.

وتنبع هذه التقديرات الأعلى بشكل كبير من عامل واحد: الفحم الصيني، إذ عبّرت الحكومة الصينية عن قلقها إزاء ضيق نطاق سوق الكهرباء في السنوات الأخيرة، ما حفزها على إعطاء دفعة قوية لتطوير محطات الطاقة التي تعمل بالفحم. وبينما إنتاج الفحم الصيني على وشك الدخول في موجة انخفاض حاد، فإن ذلك سيتأخر عما كان متوقعاً في عام 2023.

في غضون ذلك، ارتفعت بقوة توقعات إنتاج الغاز الأحفوري الأمريكي في السنوات الخمس المقبلة. وقد عززت احتياجات الكهرباء المتزايدة في الولايات المتحدة - والتي تنبع جزئياً من مراكز البيانات لتشغيل الذكاء الاصطناعي - الطلب على الطاقة التي تعمل بالغاز. كما تشهد الشركات الأمريكية طفرة في صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا التي تواصل الابتعاد عن الاعتماد على الإمدادات الروسية. وقد أجبرت هذه المبيعات المفقودة إلى أوروبا روسيا على مراجعة تقديراتها الخاصة لإنتاج الوقود الأحفوري المستقبلي وخفضها.

لكن الاضطرابات التي أصابت أسواق الطاقة جراء الحرب بين روسيا وأوكرانيا دفعت دولاً أخرى إلى زيادة إنتاج الوقود الأحفوري باسم «أمن الطاقة» ولا سيما إندونيسيا، التي زادت توقعاتها لإنتاج النفط لعام 2030 بنسبة 76 % منذ عامين. وقال الرئيس برابوو سوبيانتو: «في أوقات التوتر، ومع احتمال نشوب حروب في كل مكان، يجب أن نكون مستعدين لأسوأ السيناريوهات». لذلك، يجب أن نحقق الاكتفاء الذاتي في الطاقة.

إن تداعيات كل هذه الأمور تُثير الكثير من القلق، ففكرة إمكانية إبقاء الاحتباس الحراري العالمي أقل بكثير من درجتين مئويتين، كما هو منصوص عليه في اتفاقية باريس - ناهيك عن 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الطموح - تبدو الآن متفائلة للغاية.

ووفقاً لهذه التوقعات، ستكون انبعاثات الوقود الأحفوري في عام 2030 أعلى بنسبة 77 % مما هي عليه في مسار متوافق مع درجتين مئويتين. (وحتى هذا المسار لن يمنحنا سوى فرصة الثلثين للحد من الاحتباس الحراري إلى هذا المستوى). وهذا في الواقع يقلل من حجم المشكلة وخطورتها، فقد افترضت سيناريوهات اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ أنه بحلول عام 2025، سيكون استهلاك الوقود الأحفوري قد انخفض بالفعل لعدة سنوات.

فلكل عام آخر يمر بانبعاثات أعلى من هذا المسار، يصبح مستوى تخفيضات الانبعاثات اللازمة لتحقيق أهداف اتفاقية باريس أكثر صعوبة وأقل جدوى. علاوة على ذلك، لا تعكس هذه التوقعات بشكل كامل تأثير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يوسع جهود إدارته لتعزيز الوقود الأحفوري على حساب الطاقة منخفضة الكربون في الداخل والخارج.

ومع ذلك، فهذه تنبؤات للمستقبل، وليست حقائق. ويجب أن نتذكر أنها صادرة عن حكومات الدول المنتجة للكثير من الوقود الأحفوري وهم مراقبون غير مكترثين. وبينما قد يتوقعون مجتمعين استمرار زيادة إمدادات الوقود الأحفوري لسنوات قادمة، فإن ذلك سيعتمد على استمرار ارتفاع الطلب.

صحيح أن أحدث مسودة لتوقعات الطاقة العالمية السنوية الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية تتضمن، بحسب التقارير، «سيناريو للسياسات الحالية» يُظهر استمرار ارتفاع استهلاك النفط والغاز حتى عام 2050.

لكن هذا السيناريو - وهو واحد فقط من عدة سيناريوهات صادرة عن وكالة الطاقة الدولية - يفترض ألا تتخذ الحكومات أي تدابير سياسية جديدة لتعزيز إزالة الكربون. ويبدو أن أسوأ سيناريو للركود التام مستبعد بقدر احتمالية تحقيق أهداف اتفاقية باريس.

وتُحرك آلية تعديل حدود الكربون التابعة للاتحاد الأوروبي طفرة غير مسبوقة في النشاط الدولي بشأن تسعير الكربون. وحتى مع تطلعها إلى زيادة إنتاج الوقود الأحفوري لتحقيق عائدات التصدير وتعزيز أمن الطاقة على المدى القريب، تعمل دول مثل البرازيل وكولومبيا وإندونيسيا على توسيع نطاق خططها الوطنية طويلة الأجل للاستفادة من التكنولوجيا الخضراء منخفضة التكلفة. كما أن الصين التي رفعت توقعاتها لإنتاج الفحم، تجاوز استثمارها في الطاقة المتجددة التوقعات بشكل كبير.

وقد حققت بالفعل هدفها لعام 2030 للطاقة الشمسية وطاقة الرياح العام الماضي، أي قبل ست سنوات من الموعد المحدد. ومع استمرار ازدهار النشر المحلي لمصادر الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية في الصين، ستستمر تكلفة مجموعة الطاقة النظيفة في الانخفاض في معظم أنحاء العالم، ما يلقي بظلاله على توقعات استهلاك الوقود الأحفوري.

باختصار، تُعد هذه التوقعات الحكومية انعكاساً مهماً للروح الصعودية في قطاع الوقود الأحفوري اليوم، وفشل العالم في السير على المسار الصحيح لتحقيق أهداف اتفاقية باريس. لكن المراجعات المستقبلية لتوقعات الإنتاج قد تكون ماضية في اتجاه آخر.