الديناميكية الاقتصادية الأمريكية ضحية ولاية ترامب الثانية

كريس جايلز

يعدّ الغموض آفة اقتصادية كبيرة. لذلك، هل ستفيد رسوم دونالد ترامب الجديدة البالغة 100 ألف دولار، التي تُفرض على طلبات العمالة المؤقتة الماهرة الحاصلة على تأشيرات «إتش-1 بي»، الاقتصاد الأمريكي، أم ستضرّ به؟ البيت الأبيض محق بالتأكيد في القول إن خريجي علوم الحاسوب الأمريكيين المؤهلين حديثاً سيجدون سوق العمل أسهل إذا اضطرت الشركات إلى دفع رسوم عالية للتوظيف في الخارج، لكن هذا التأثير سيقابله ضرر سيلحق بالآفاق الاقتصادية للشركات الأمريكية التي استخدمت التأشيرة وعمالها، والشركات التي تنتقل إلى الخارج بعد الرسوم الجديدة، والشركات التي لا تتوسع بسبب نقص الموظفين المؤهلين، وكذا الشركات التي تستفيد من القدرة الشرائية للعمال الحاصلين على تأشيرات «إتش- 1 بي».

وبشكل عام، تشير الأدلة إلى أن هذه التأشيرات ساهمت في تحسين مستويات المعيشة في الولايات المتحدة، بينما خفضت بشكل طفيف أجور أولئك الذين وجدوا منافسة جديدة في مجالات تخصصهم. ولكن عندما تضاف رسوم التأشيرات الجديدة إلى تشريعات ترامب الاقتصادية، يتلاشى الغموض، فحتى الآن، كانت الولاية الثانية للرئيس هجوماً على ديناميكية الاقتصاد الأمريكي، مع القليل من فوائد إلغاء القيود أو خفض الضرائب التي اتسمت بها ولايته الأولى. وقد ركزت مناقشات التعريفات الجمركية بشكل كبير على الآثار التضخمية، لكن الضرر الحقيقي الذي يلحق بالاقتصاد الأمريكي ينبع من قدرتها على تقليص الأعمال التجارية المربحة، تماماً كما هي الحال مع مجموعة من اللوائح الضارة المتغيرة باستمرار.

لذا، تكثر التساؤلات: هل يمكن للمصنعين الجدد ضمان قدرتهم على تأمين الصلب ومكونات أخرى بسعر معقول، أم أن بدء خط إنتاج جديد محفوف بالمخاطر؟ هل من المربح لتاجر التجزئة توقيع عقد طويل الأجل للواردات إذا لم يكن لديه أدنى فكرة عن هامش ربحه أو سعر البيع النهائي؟

إن القيود على الهجرة والعمال غير المسجلين قد تقلل من مخاوف بعض الأمريكيين تجاه الآخر، لكنها تلحق الضرر بمعروض العمالة والنمو الاقتصادي. وقد يكون ضعف بدء بناء المساكن وتصاريح البناء الجديدة في الولايات المتحدة ناتجاً عن أسعار الفائدة التقييدية، ولكن من المرجح أيضاً أن يكون سببه نقص العمالة.

كذلك، فإنه عندما يطالب الرئيس بعمولة قدرها 15 % مقابل منح تراخيص التصدير لشركتي إنفيديا و«أيه إم دي» لمبيعات أشباه الموصلات إلى الصين، فلا شك أن هذا يضر بالاستثمار المؤسسي في جميع أنحاء الاقتصاد الأمريكي. وينطبق الأمر نفسه على شركات المحاماة التي تعمل مجاناً لصالح القضايا المفضلة لترامب، إذ لن يساعد ذلك في دعم إنتاجية شركاتهم ولا إنتاجية القطاع القانوني الأوسع.

وعموماً، فالوقت والجهد الهائلين اللذين يتعين على قادة الأعمال تكريسهما الآن لإرضاء ترامب يقوض القدرة التنافسية لشركاتهم. ويكفي أن نسأل هنا إيلون ماسك. وهذه كلها صدمات عرض سلبية كبيرة لا تفلت سوى قلة من القطاعات من براثنها. وهي تحد من عرض العمالة في وقت يتقاعد فيه العمال المولودون في الولايات المتحدة بأعداد أكبر.

وقبل بضعة أشهر، ظن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، أن الاقتصاد الأمريكي قادر على الحفاظ على نمو شهري في الوظائف يتراوح بين 150 ألفاً و200 ألف وظيفة دون تضخم. وضمان عمل المولودين في الولايات المتحدة فقط في وظائف ذات قيمة مضافة منخفضة ليس السبيل الأمثل لزيادة الإنتاجية أو رفع مستويات المعيشة. كما تؤثر مثل هذه الضربات بجانب العرض في الولايات المتحدة على الأسعار، ما يزيد الضغط على التضخم الذي يتجاوز الهدف بعناد كبير.

وعلى المدى القصير، استفاد الاحتياطي الفيدرالي من ضعف الطلب بقدر ضعف العرض، ولكن هذه المرحلة قد تكون عابرة. وقد جرى تبرير خفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية الأسبوع الماضي باعتباره إعادة ضبط لتوازن المخاطر بين البطالة والتضخم. ولكن مع انتعاش أداء المستهلكين بفضل أسعار الأسهم القياسية والأوضاع المالية المتساهلة، من المرجح أن تسعى الشركات إلى تحمل التكاليف المرتفعة في الأشهر المقبلة.

ويختلف ذلك كله عن إدارة ترامب الأولى. في ذلك الوقت، كانت صدمات العرض ضئيلة بالمقارنة مع الوضع الحالي، وقد مكن الركود الكبير المتبقي من الأزمة المالية العالمية النمو الاقتصادي من تحقيق ازدهار كبير بفضل تخفيضاته الضريبية لعام 2017. ورغم أن مشروع قانون الميزانية الذي أقر خلال الصيف مدد هذه التخفيضات، إلا أن أي تأثير إيجابي يتلاشى الآن بسبب ضرائب جديدة ضخمة على شكل تعريفات جمركية.


ويتوقع مكتب الميزانية في الكونجرس أن يكون التشديد المالي الناجم عن هذه التخفيضات مساوياً على الأقل في حجمه لتخفيف القيود المفروضة بموجب قانون «مشروع القانون الكبير الجميل». وهذا يعني أنه ما لم يتم إنقاذ الرئيس الأمريكي من أخطاء سياساته من خلال تحسين الإنتاجية على مستوى الاقتصاد، بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، فإن الشركات الأمريكية سيكون عليها الاستعداد لنمو أضعف مستقبلاً، كما ينبغي للأسر أن تتوقع تحسناً أقل في مستويات المعيشة.

وبالنسبة للدول الأخرى، فمن شأن ضعف الاقتصاد الأمريكي أن يعزز حوافز الإصلاح المحلي لتعزيز جوانب العرض الخاصة بها، ما يسمح بزيادة الإنفاق دون تضخم. ورغم أن الأسواق المالية لم تلحظ ذلك، فقد تحولت بيئة الأعمال والاقتصاد في الولايات المتحدة بشكل حاسم نحو الأسوأ. ولم يدمر ترامب الاقتصاد الأمريكي لأن هذا الاقتصاد يتمتع بمرونة ملحوظة، وينبغي أن نكون شاكرين لذلك، لكن نجاحه جاء بفضل سنوات من ديناميكية الأعمال المبنية على سياسات مواتية لجانب العرض. هذه السياسات معرضة الآن لخطر شديد. وهذا يتركنا أمام مفارقة مروعة. وكلما قلت الأخطاء المباشرة، ازدادت سياسات ترامب الاقتصادية سوءاً.