معايير اقتصادية مشوهة لأنشطة التأمين تسهم في تدمير المناخ

باتريك جينكينز

تضع مبادرة تمويل برنامج الأمم المتحدة للبيئة، صورةً مؤثرةً على موقعها الإلكتروني- مشهدٌ من مدينة البندقية، التي ربما تكون أشهر مدينة عالمية تواجه مخاطر الفيضانات الهائلة، الناجمة عن تغير المناخ. وتزداد رسالة الصورة إيلاماً، من خلال عبارةٍ من سطرٍ واحدٍ في منتصف الصفحة: «تم إيقاف تحالف التأمين على صافي الانبعاثات الصفري، اعتباراً من 25 أبريل 2024».

لقد كان تحالف التأمين على صافي الانبعاثات الصفري سابقاً لعصره. وقد أُطلقت المبادرة قبل أقل من ثلاث سنواتٍ، للمساعدة في جعل قطاع التأمين صديقاً للبيئة، ودفع الاقتصاد العالمي بعيداً عن الوقود الأحفوري نحو مصادر طاقة أكثر استدامة. وقد أُلغيت المبادرة قبل تسعة أشهرٍ من وصول أحد أكبر المعارضين لتغير المناخ، والمؤيدين للوقود الأحفوري، إلى البيت الأبيض.

كما أدى انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، إلى إضعاف المنظمة الشقيقة لتحالف التأمين على صافي الانبعاثات الصفري، وهي مبادرة مديري الأصول الصافية الصفرية، والتي ألغت في منتصف يناير التزامها الصافي الصفري فجأة، وأخفت قائمة أعضائها.

وقبل ذلك بأسابيع فقط، فقد تحالف البنوك الصافية الصفرية أبرز أعضائه - مثل جيه بي مورجان تشيس وبنك أوف أمريكا وسيتي جروب وجولدمان ساكس - وفي الشهر الماضي، استطلع التحالف آراء الأعضاء حول «الانتقال المقترح من تحالف قائم على العضوية»، إلى «مبادرة إطارية» غامضة. وبالمثل، تم إضعاف المنظمة الجامعة لجميع مجموعات صافي الصفر القطاعية هذه، والتي تحمل اسم التحالف المالي لغلاسكو من أجل صافي الصفر، التي تأسست بعد قمة المناخ COP21 في المدينة الإسكتلندية.

وعشية وصول ترامب إلى البيت الأبيض، كشف التحالف عن أن سيشجع فقط تمويل انتقال الطاقة، مع إسقاط أهدافه للصافي الصفري. وفي ظل هذه الخلفية، أعلنت لويدز لندن، سوق التأمين العالمية، صراحةً، عن تراجعها عن التزاماتها المتعلقة بالمناخ. وصرح الرئيس التنفيذي الجديد، باتريك تيرنان، لصحيفة فاينانشال تايمز، في مقابلة في وقت مبكر من هذا الشهر، بأنه سيمنح شركات التأمين «مزيداً من الحرية»، لتغطية مخاطر الوقود الأحفوري. وأضاف أن السوق يجب أن يظل «بعيداً عن السياسة.. ومن المهم ألا نخوض في قضايا لا داعي لها».

ويختلف هذا الموقف اختلافاً جذرياً عن تصريحات بروس كارنيجي براون، رئيس مجلس الإدارة حتى الصيف، في تقرير لويدز الأول لعام 2020، حول القضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة. فقد قال حينها إن الأسواق «ستساعد في تسريع انتقال المجتمع من الاعتماد على الوقود الأحفوري، إلى مصادر الطاقة المتجددة». وأضاف أنه سيتم التخلص تدريجياً من تغطية المخاطر المرتبطة بالفحم الحراري، والرمال النفطية، أو الحفر في القطب الشمالي. وفي غضون بضعة أشهر، ووفقاً لأشخاص مطلعين على الوضع، أدى رد فعل شركات التأمين ومخاوف المحامين والجهات التنظيمية بشأن الطعن القانوني المحتمل لأسباب تتعلق بالمنافسة، إلى انهيار هذه السياسة – رغم أنه لم يُعلن عن ذلك قط.

واستخدم تقرير لويدز لعام 2021 لغةً أكثر ليونةً، لمجرد «تشجيع» شركات التأمين على تقليص أعمالها في مجال الوقود الأحفوري. ثم تم إسقاط الموضوع تماماً من التقارير اللاحقة. وقالت لويدز إنها لا تستطيع تقديم تفصيلٍ لحجم أعمال شركات التأمين التابعة لها في هذا المجال، أو تطورها. وهناك ترحيب بانفتاح باتريك تيرنان تجاه هذه السياسة، لكن تخفيف الطموح أمرٌ مؤسفٌ، بقدر ما هو مؤسفٌ أيضاً ذلك الاتجاه الأوسع للحكومات والكيانات التجارية، التي تُذعن لرد الفعل الأمريكي العنيف ضد السياسات الخضراء «المفرطة».

وأشار الكثيرون إلى المفارقة المرتبكة بموقف ترامب المناهض للمناخ، بالنظر إلى الأدلة الدامغة على تفاقم مخاطر المناخ، لا سيما في الولايات المتحدة. كما أن قطاع التأمين يكتتب بحماسٍ في أشد مخاطر المناخ تطرفاً - من الفحم الحراري إلى الحفر في القطب الشمالي - بينما يُعرّض نفسه في الوقت ذاته لخسائر فادحة على تغطية الكوارث الطبيعية. لذا، فهو قطاعٌ مُشوّهٌ بالمثل.

وبالنسبة للقطاع المالي، فإن طموح صافي الانبعاثات الصفري ليس إشارةً إلى الفضيلة، كما يدّعي العديد من مؤيدي ترامب. بل هي استراتيجية عمل ذكية طويلة الأجل. وبالنسبة لقطاع التأمين تحديداً، فقد يكون هذا الوضع وجودياً في نهاية المطاف. ونظراً لقتامة هذه الديناميكيات، قد يكون من المشجع، رصد أي بوادر للأخبار السارة. ولعلّ أحد هذه الأخبار، يكمن في مدينة البندقية، الرمز الأبرز لمخاطر الفيضانات. ويبدو أن سد موزي الجديد، يُحقق أداءً جيداً في حماية بحيرة البندقية. ففي مطلع هذا العام، قدّرت الحكومة الإيطالية أن المشروع قد منع خسائر بقيمة 2.6 مليار يورو خلال خمس سنوات. ومن المتوقع أن يُترجم ذلك مع مرور الوقت إلى بوالص تأمين أرخص، وأكثر ربحية، لتغطية مخاطر الفيضانات المتبقية - على الأقل لفترة من الوقت.